فى مرسيليا هذا الأسبوع قبضت السلطات الفرنسية على جهادى سورى انتمى لجيش الإسلام، يدعى مجدى مصطفى نعمة، وشهرته إسلام علوش. قبضت عليه لأنه متهم بارتكاب جرائم حرب. ومن المعروف أن جيش الإسلام متهم باغتيال المعارضة السورية المعروفة رزان زيتونه وزوجها ورفاقها.
واتضح أن علوش دخل فرنسا بطرق مشروعة فى نوفمبر 2019 حاملا تأشيرة صحيحة منحتها قنصلية فرنسا فى إسطنبول، وأنه أقام كطالب، وأن مركزا شهيرا للأبحاث دعاه، وأن حضوره تم تنظيمه فى إطار برنامج تبادل الطلبة الشهير «إيراسموس».
قال مدير المركز السيد ريشار جاكمون أنه لم يكن يعلم أى شيء عن ماضى علوش، وأنه افترض أن موقف طالب حصل على تأشيرة شنجن سليم من الناحية الأمنية.
أميل إلى تصديق السيد جاكمون عندما يقول إنه لم يكن يعلم خلفية علوش، فهو أستاذ أدب عربى ومترجم قدير، لعب دورا هاما فى ترجمة أعمال مفكرين عرب مستنيرين، أى أنه ليس أستاذا للعلوم السياسية، وليس من خبراء الإرهاب وليس من المتخصصين فى الشأن السورى. أصدقه ولكننى أضيف أننى لست من خبراء الإرهاب ولا من الدارسين لسوريا، ورغم ذلك كنت أعرف من هو علوش….
ولكن كلام جاكمون لا يعفى المركز من المسؤولية… استنادا إلى خبرتى بعد عقود أمضيتها فى الدوائر الأكاديمية الفرنسية، فإن من حرك عملية دعوة واستضافة علوش هو المركز… أو أحد خبرائه. وفى هذا المركز عدد من الخبراء لهم باع فى دراسة السلفية الجهادية أو فى الملف السورى. المركز دعم تسجيله فى برنامج إيراسموس ودعم طلبه لتأشيرة.
قد يطرح القارئ سؤالا حول الدور المحتمل لأجهزة المخابرات فى هذه الواقعة، متسائلا هل من المعقول أن السلطات التى منحت التأشيرة لم تنتبه؟ وردى أن خطأ إداريا أمر جائز جدا، لا سيما أن كان طالب التأشيرة مدعوما من قبل جهة علمية معروفة. وقد يضيف القارئ… هل يمكن أن نتصور أن الأجهزة هى التى قامت بدعوة علوش ثم انقلبت عليه؟ وأرد أن هذا مستبعد جدا، لأن الموضوع سيعرف إن آجلا أم عاجلا، ولأن القبض على علوش قد يعرض فرنسا لتهديدات أمنية هى فى غنى عنها، وقد يحرمها من القدرة على تجنيد عناصر فى المستقبل… قد يذهب القارئ مذهبا آخر.. إن أكاديميا متعاطفا مع الجهاديين وجه فعلا دعوة إلى علوش ودعم ترشيحه، وانتبهت الأجهزة إلى ذلك وقررت غمض العين ليتم جلب علوش إلى فرنسا والقبض عليه وتوجيه صفعة قوية إلى الباحثين المتعاطفين مع الجهاديين، طبعا لا يمكن استبعاد تماما هذا السيناريو، رغم أننى لا أميل إليه… وعلى العموم لا يوجد حاليا معلومات تدعم أو تضعف هذا التحليل، ولم أكن لأخوض فيه لولا ولع بعض القراء بالبحث عن دور ما لقوى خفية.
المؤكد هو ما يلى، فى الأوساط الأكاديمية الغربية تيارات متعاطفة مع التطرف المتأسلم، وهناك تحالف بين بعض فصائل اليسار المتطرف – الموجود بقوة فى الأوساط الإعلامية والثقافية والأكاديمية- والتأسلم السياسى، وهناك تيارات إسلاموية تسعى إلى التغلغل فى السلك الجامعى وفى مساعدة أبنائها على احتلال مناصب جامعية، أو على الأقل على الحصول على درجة علمية تعطى لخطابهم مصداقية، ويعاون أبناء اليسار تلك التيارات فى هذا، ساعدوا مثلا طارق رمضان على الصعود، وقدموه إلى الرأى العام، وإلى دوائر صنع القرار، منحوا درجة دكتوراه لمتأسلمين، حاربوا بضراوة من اعترض طريقهم، تبنوا الروايات المتأسلمة وقاموا بتسويقها، ومن يعرف الخريطة الأكاديمية الفرنسية يعرف أن اثنين من كبار أصحاب هذا الخط موجودان فى المركز الذى دعا علوش… مع بعض مريديهم.
* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية