انتخابات فرنسا- عن قرار مجلس الحل
حل الرئيس الفرنسى مجلس الأمة يوم الأحد 9 يونيو، فى قرار فاجأ كل الفرقاء، بما فيهم وزراء حكومته. وقرر تنظيم انتخابات تشريعية يوم 30 يونيو المقبل.
خلفيات هذا القرار تستحق وقفة – فى مجلس الأمة الذى تم حله لا توجد قوة سياسية تملك أغلبية مطلقة. وهناك حزب أدمن المشاغبة بمواقف لا تليق بوقار مجلس أيا كان، ومن ناحية أخرى مُنِّى التآلف المؤيد للرئيس بهزيمة ساحقة فى انتخابات البرلمان الأوروبى التى عقدت يوم 9 يونيو الماضى، وهى هزيمة توقعتها الاستطلاعات ولكن الرئيس لم يصدقها.
لا يعنى هذا أن قرار الحل خيار ظهر فجأة، عرفنا من خلال تقارير صحفية ظهرت لاحقا أن الرئيس يفكر فيه منذ عدة أشهر، لأنه غاضب من أداء البرلمان، وكنت أعلم – شأنى شأن الكثيرين- أن سؤال الحل سيفرض نفسه بقوة فى سبتمبر المقبل – إن رفض مجلس الأمة مشروع الميزانية.
قالت التقارير إن الرئيس شكّل فريق عمل لدراسة الخيار منذ عدة أشهر، وذكرت أسماء ناس اشتركت فى المداولات وفى رسم السيناريوهات، ولكننى لاحظت أنه لا يوجد بينها أى وزير، ولا أى خبير علم اجتماع انتخابات من فطاحل قراءة المشهد الداخلى.
قال الرئيس فى الدفاع عن قراره إن حصول قوى اليمين المتطرف على %40 من أصوات الناخبين فى انتخابات أوروبية – حتى لو كانت بلا تبعات مباشرة على الحكومة- رسالة لا يمكن تجاهلها، وأن العودة إلى الناخبين تتفق وروح الديمقراطية.
ويبدو أنه بنى قراره على تصور ألخصه فيما يلى… نسبة التصويت فى الانتخابات الأوروبية ضعيفة نسبيا – إن قورنت بالانتخابات الرئاسية والتشريعية-، وفشل قائمة ائتلافه يعود إلى عدم ذهاب عدد كبير من ناخبيها إلى الصناديق، وإلى قرار قطاعات من قاعدته الانتخابية إعطاء صوتها لقائمة الحزب الاشتراكى، لإظهار غضب أو استياء من الأداء الحالى، وقرر الرئيس أن الوضع فى البرلمان أصلا صعب، وأن الحل سيكون ضروريا قبل نهاية السنة، وأن الظروف الآن مواتية، فالكراهية المتبادلة بين فصائل اليسار تمنع ظهور بديل يسارى جاد، وتصور الرئيس أن الفرنسيين سيخيرون فى الواقع بين أقصى اليمين والائتلاف الذى يقوده وأنهم صاغرون سيختارون قائمته.
قبل أن أختبر دقة هذا التشخيص وصحة قراءته للواقع أعود إلى خلفيات قرار الحل. لأقول إن الإقرار بأن الرئيس يفكر فى خيار الحل منذ عدة أشهر لا يدحض التأكيد بأن القرار اتخذ فى لحظة غضب، وبأن الرئيس مسؤول مسؤولية كبيرة عن المشهد الذى دفعه إلى اتخاذه.
تقول كل التقارير إن الرئيس توقع حصول قائمته على أكثر من %20، وأنه لم يصدق استطلاعات الرأى التى تتوقع نتيجة أسوأ، وأنه فوجئ بما حدث واعتبره شبه إهانة له. ولكن بعض قراراته لعبت دورا فى هذا الانهيار. من ناحية اختار شخصية مغمورة – وإن كانت كفؤة فاهمة للملفات- لتترأس قائمة ائتلافه، وتصرف هو ورئيس وزرائه تصرفات تسفه هذه الشخصية، على سبيل المثال ظهر فجأة رئيس الوزارة فى حلقة نقاشية بينها وبين رؤساء القوائم الأخرى لـ”يدعمها”، فيما أوحى أن أدائها سيئ فى الحلقة، ولم يكن كذلك. ومن ناحية أخرى قامت الحكومة أثناء الحملة بتمرير عدة تشريعات لا تحظى بتأييد شعبى – ولا بتأييد ناخبين محافظين كانوا يميلون بصفة عامة إلى انتخاب الرئيس وقوائمه باعتبارهم أخف الأضرار.
أما الوضع فى البرلمان واستياء الرئيس منه، علينا أن نميز بين أمرين، إدمان فصائل أقصى اليسار المشاغبة بأسلوب مسرحى يشبه مدرسة المشاغبين، ونفاد الصبر أمر مفهوم، ولكن هذا الأداء فى حد ذاته كان يلعب فى صالح القوى الأخرى بما فيها حزب الرئيس.
ومن ناحية أخرى لم يكن حزب الرئيس متمتعا بأغلبية مطلقة، وفشل فى تشكيل تحالف أو ائتلاف. والرئيس يتحمل نصيبا من المسؤولية فى هذا.
يتبع..
* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية
ويخططون للتواجد فى الساحل الشمالى