خواطر مواطن مهموم «16»

خواطر مواطن مهموم «16»
توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

6:07 ص, الأحد, 8 ديسمبر 19

هل توجد فى مصر قاعدة تؤيد التفكير الحر الخلاق الجريء وتحميه؟ وهل من الممكن أصلا الرد على السؤال فى غياب استطلاعات رأي؟

دعونا نجتهد. علينا أن نميز أولا بين المجال الخاص والمجال العام والمجال الذى ينتمى إلى الإثنين، أى الصالونات التى ينحصر فيها الحضور فى عدد محدود من المعارف.

+

ومن الواضح أن هناك جماعات وأفراداً تخصصوا فى دور المطوع الدينى أو الوطني، ويزعمون أنهم يمثلون نبض الشارع. ولا يتورعو عن الملاحقة القضائية، وعن التكفير، وأحياناً عن ممارسة العنف.

والمشكلة أن هذه الفرق لا تتردد قبل الفعل، على عكس جمهور التفكير الحر. فالأخير يعتقد أنه أقلية، وبعضه يجيد اللغات الأجنبية، ويصل بسهولة إلى الكتاب الأجنبي، أى أنه لا يحس بحاجة إلى «منتج وطني». اختفاء هذا المنتج مؤسف ولكن البديل متاح، لذلك لا تستحق القضية المخاطرة.

والسلطات ترى – وهى تخوض بإصرار معركة التنمية رغم الزيادة السكانية ومعارك الخارج مع قوى سريعة التكفير- أن التوقيت غير مناسب «لطرح القضايا الفكرية الخلافية»… وذلك رغم إصرار الرئيس على خوض معركة تجديد الثقافة وتصويب الخطاب الديني.

ولكن الوضع تغير إلى الأحسن، فمن يراقب وسائل الاتصال الاجتماعى ويحضر المناقشات فى التليفزيون وفى الجامعة يشاهد رغبة عارمة فى الاستماع إلى وجهات نظر متعددة، وجرأة متزايدة فى طرح الأسئلة وفى التعبير عن الرأي، وشجاعة فى تناول بعض الأدباء قضايا شائكة وموضوعات مسكوتاً عنها وفى تحدى ضغط المطوعين.

طبعاً الوضع ليس مثاليا، فالكثيرون يفضلون المراوغة، ويثقون بسهولة فى رجل الدين، بينما يتشككون فى المثقف، ويتبنون خيار التغيير الساكت أو المكتوم، بمعنى أن سلوكه ينم عن تغير فى رؤيته للعالم ولكنه سينكره.

من سنوات ـ أيام مشروع بوش الإبن عن الشرق الأوسط الأكبر- ظهرت إحصاءات تقول إن الدول العربية لا تترجم إلا القليل، وقال الخبراء الأجانب إن هذا دليل على الانغلاق الفكري. واعترضنا على هذا الكلام بشدة، وقلنا فى مجالس عديدة أن الغرب عليه أن يتساءل عن كم العرب الذين يقرأون كتبا باللغات الأجنبية، وهى بالتأكيد نسبة مرتفعة إن قورنت بنسب الأوروبيين. المشكلة – وهى مشكلة كبيرة قطعا- هى أن الناشر- حتى لو كان الدولة أو ممثلها- يخشى المطوعين.

وعلى العموم تغير الوضع إلى الأحسن وتكثفت حركة الترجمة. لا أحب نيتشة ولكننى سعدت سعادة بالغة عندما رأيت أعماله مترجمة.

وأوضح رأيى لدرء سوء الفهم، من الطبيعى أن المؤسسات الدينية ترى أن تفسير النصوص المقدسة يجب ألا يخضع للأهواء، وهى على حق إن رأت أن دورها تفسير النصوص لا إرضاء الجمهور، وأن فى التراث درراً خالدة لا يمكن التعرض لها دون احترام، ولكنها تكون على خطأ إن افترضت أن كل مثقف يرى غير رأيها صاحب غرض، وفى كل ابن للمؤسسة قديسا يعمل لوجه الله.

ومن ناحية أخرى نستغرب من كم القضايا التى لا تمت للدين بصلة مباشرة أو غير مباشرة والتى يثير التعرض لها هيستيريا مخيفة لدى حراس المعبد أيا كان هذا المعبد. هل تستطيع مثلاً أن تقول أن هذا الرمز الكبير التحق فى شبابه بمحفل ماسوني؟ أو أن هذا القطب لم يعترض فى مباحثات دولية على قيام دولة إسرائيل،

لست من مدمنى مقولة «الحوار والنقاش الحر هما الحل»، ولكنهما ضرورة إن أردنا النهوض.

* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية