خواطر مواطن مهموم (141)

خواطر مواطن مهموم (141)
توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

6:59 ص, الأحد, 29 مايو 22

قليل من الثقة فى النفس

تأمل آخِر 12 سنة فى مصر. أولًا لا تنس معدلات الزيادة السكانية وما تشكله من تحديات. بلد أغلبيته أطفال ومراهقون معناها بلد تشكل فيها قوة العمل نسبة صغيرة من السكان، معناها دولة مجبَرة على الاستثمار دون توقف فى الصحة والتعليم والبنية التحتية والإسكان. من لم يعمل فى دولة تتعامل مع هذه التحديات يوميًّا، لا يعرف كمْ ثقيلٌ هو الحِمل.

ثانيًا مصر عرفت ثورة حقيقية سنة 2011.. بصرف النظر عن الجدل حول مسئولية الفاعلين فى الدولة والشعب والقوى السياسية والخارج فهى ثورة حقيقية. وعندما أقول ثورة حقيقية أقصد أنها لم تكن كثورات أوروبا الشرقية فى نهاية الثمانينات، عملية تحول ديمقراطى تمت نسبيًّا بسلاسة. الثورة المصرية تشبه ثورات 1848 فى أوروبا، وكانت ثورة عنيفة وجذرية استمرت سنتين أو أكثر، وتركت جراحًا لن تلتئم بسرعة. وبعد حسم تحالف واسع للموقف، خاضت مصر حربًا ضروسًا ضد الإرهاب على جبهتين، وربما ثلاثة.. فى وادى النيل وفى سيناء وعلى الحدود الغربية للبلاد.

مصر شاهدت انهيار شرطتها، وليبيا وسوريا واليمن فى الفترة نفسها، واستغلال إثيوبيا للظرف، وازدادت مضايقات الرئيس السودانى السابق، وانهيار ليبيا.. تسبب فى حصول الإرهاب على أسلحة لم يكن يحلم بها، وحرم عشرات الآلاف من العائلات المصرية من دخل ضرورى.. كل هذه الانهيارات تسببت فى زيادة أعباء القوات المسلحة وعدد الجبهات التى تدافع فيها عن مصر.

ثالثًا ومما زاد الطين بلة موقف إدارة الرئيس أوباما.. رئيس معتز بنفسه حَسَن الظن بذكائه وفهمه.. ولكن ممارسة السلطة فضحت جهله التام بأبجديات الإستراتيجية وعدم فهمه آليات الصراع الدولى واحتقاره العميق للعرب ولنا.. وأقلُّ ما يقال فيما يتعلق بنا أنه راهن رهانًا خاطئًا ثم حاول أن يعاقبنا عندما قلنا كلمتنا ولم تعجبه. وعلينا ألا ننسى وقفة السعودية والإمارات معنا. لولاهما لدارت معركة فرض كلمتنا فى ظروف أصعب بكثير.

ولعب الإعلام الغربى المنحاز انحيازًا مريعًا ضد سلطات مصر، دورًا هامًّا فى تصوير بلدنا وكأنها غير آمنة، وهذا أثّر طبعًا على السياحة، وبدرجة أقل على الاستثمارات.. طبعًا نتحمل قسطًا من المسئولية لسوء إدارتنا بعض الأزمات، ولكن دور الإعلام كان أكثر جسامة.. إلى يومنا هذا نطّلع على تقاريرَ تنم عن قدرات ومواهب هائلة فى “الاستعباط”.

والقراءة الدقيقة للتهديدات ولضرورات التأمين- تأمين الحدود والبحرين المتوسط والأحمر- ولتبِعات تغير الجوار وانهياره، دفعت القيادة السياسية على النهوض بالقوات المسلَّحة، وأثبتت التطورات اللاحقة كم كان هذا النهوض ضروريًّا رغم ارتفاع كلفته، لولا هذا المجهود لما توقّف الرئيس التركى سنة 2020، لولا هذا المجهود لما استمع أحدٌ إلينا.

وفى نهاية سنة 2016 خاضت الدولة معركة إصلاح اقتصادى ومالى شديدة القسوة، ودفعت هى والشعب ثمن ممارسة القيادات السابقة سياسة النعامة وتأجيل العمليات الجراحية الضرورية. وهذا الإصلاح يستمر سنوات قبل أن نقطف ثماره.

وهنا تدخَّل سوء حظ نادر.. جائحة حصدت ملايين من الأرواح وأوقفت الاقتصاد العالمى والطيران والسياحة وأرهقت الميزانيات وأربكت خطوط الإمداد وتسببت فى رفع تكلفة الصحة وحملت منظومة المستشفيات ما لا يمكن تحمله.. إلخ. وتدريجيًّا تعلَّمنا نحن وغيرنا كيفية الحياة معها، وكيفية محاربتها دون إيقاف الاقتصاد.

وفى سنة 2022 فوجئنا بروسيا تشنّ حربًا تتسبب هى والجفاف الذى أصاب عدة مناطق فى العالم، فى نقص حاد بالمعروض من القمح فى الأسواق العالمية وفى ارتفاع جنونى بأسعاره وفى أسعار السلع الغذائية. وفى الوقت نفسه ضربت هذه الحرب السياحة فى مصر؛ لأنها كانت تعتمد على الروس والأوكرانيين. يضاف إلى هذا ضرورات السياسة النقدية ومخاطر محاولات البعض استغلال المستجدّات.

تأمل تجربتنا ومرارتها. هل وقعنا؟ لا.. نحن مجتمع ودولة يجيدان الصمود.

* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية