خواطر مواطن مهموم 115 المخاطر الآتية من الجنوب والشرق (4)

خواطر مواطن مهموم 115 المخاطر الآتية من الجنوب والشرق (4)
توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

12:00 م, الأحد, 21 نوفمبر 21

إثيوبيا تعتبرنا بيضًا مستعمِرين- بكسر الميم- درجة ثانية، تقول إننا نحاول إيقاف مسيرتها فى التنمية، وقرر النظام بل قُل شبه النظام الإثيوبى أن يصور عملية بناء سدّه دون اتفاق معنا على أنها معركة تحرير كبرى، وسعى إلى توحيد الملل والإثنيات وراء هذا المشروع، وأكثر من التصريحات المُهينة لنا، وقاد معركة إعلامية ضدنا قال فيها إن الرخاء الذى تنعم به مصر- تخيلوا نعيش فى رخاء!- ثمرة استغلال جشع لمياه النيل وإدماننا حرمان إثيوبيا حرمانًا وحشيًّا من مياه النيل، واستغلّ سمعة أبى أحمد الطيبة دوليًّا والدعاية المضادة لنظامنا ليصورنا وكأننا وحوش كاسرة نريد استعباد الإثيوبيين استعبادًا أبديًّا. لا أظن أنهم يريدون قتلنا عطشًا، ولكنهم يريدون وضعنا فى وضع المتسول المتوسل، الراكع للحصول على المياه، وقلب موازين القوة فى حوض النيل وفى القرن الإفريقى.

وفى وقتٍ ما ليس بعيدًا كانت إثيوبيا تتمتع بسُمعة طيبة فى دوائر المستثمرين الدوليين؛ لأن الربح فيها كان سهلًا ومضمونًا. وشاهدنا نوعًا من التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا والصين وأوروبا لكسب ود نظام أديس أبابا، وسعت إثيوبيا إلى التشبيك مع عدد كبير من الدول الإفريقية، وكانت الخطوط الجوية الإثيوبية تلعب دورًا فى هذا التحرك. وقطعًا مصر خسرت صلاتٍ وأدوات ومعارف بعد تراجع إفريقيا فى قائمة أولوياتنا لعقد ونصف العقد ما بين محاولة اغتيال الرئيس الراحل حسنى مبارك سنة 1995 وثورة 2011.

ومع كل إهانة وكل استفزاز تصاعدت مطالب المصريين الغيورين على وطنهم باتخاذ إجراءات عسكرية ضد الإثيوبيين ولضرب السد، ولكن النظام فضَّل التروى، رغم تأثير هذا الموقف على شعبيته، وحضرت مؤتمرًا فى يوليو الماضى فى استاد القاهرة طالب فيه الجمهور بحماس ضرب إثيوبيا وتربيتها، وردّ الرئيس مخاطبًا الرأى العام فى كل من مصر وإثيوبيا داعيًا إلى الحل السلمى للمشكلة والتعاون والعمل الجماعى بين دول حوض النيل للتنمية والرخاء ومقاومة التحديات. وهذا هو الحل الأفضل للجميع؛ فمعركتنا للنهوض بمصر صعبة بما فيه الكفاية لنخصص موارد بشرية ومالية لخوض حروب إن كان من الممكن تفاديها بحلول معقولة. ونرى، على سبيل المثال، كيف أثّرت عنتريات الرئيس التركى على اقتصاد بلاده وكانت أسس هذا الاقتصاد أقوى من أسس اقتصادنا لفترات طويلة. طبعًا لا يعنى ما سبق أن مصر لن تحارب للدفاع عن حقوقها المشروعة ومصالحها الدائمة.

قد يعتقد البعض أن الأحداث المؤسفة فى إثيوبيا خير لنا، ولكننا لا نفرح أمام مآسى الآخرين وإن كانوا أعداءنا، وعلى العموم مصر تواجه تهديدين آتيين من الجنوب أقلّ حِدة من تهديد المياه ولكنهما يثيران القلق البالغ. الهجرة أولهما، من المعروف أن مصر تستضيف الملايين من اللاجئين، وأى شخص يشاهد تصاعد حِدة الصراعات الأهلية فى إفريقيا وارتفاع معدلات الإنجاب فيها وضعف أداء اقتصادات الدول التى تعرف فتنًا وموجات الهجرة إلى الشمال التى لا تتوقف، لا بد أن يصاب برعب، ولا سيما أن المؤشرات توحى بأن مصر قد تصبح قِبلة المهاجرين. التقارير تتوالى حول مخاطر المرور عبر ليبيا وحول صعوبة عبور المتوسط وحول رفض الدول الأوروبية وصول المهاجرين. قد تتقدم الدول الأوروبية بإعانات، ولكن العبء الأكبر سيكون على أكتافنا.

وهناك الإرهاب. يعرف القاصى والدانى أن الحركات الإرهابية حققت نجاحًا كبيرًا فى أفغانستان ضد القوة العالمية الأعظم، وأن هذا النصر يعطى دفعة قوية لمثيلاتها فى العالم، وهناك خطر آتٍ من الشرق، ولكننى أدعو القارئ إلى تأمل خريطة تمدد الإرهاب فى إفريقيا بطولها وعرضها، وتتبُّع بيانات المواقع المتخصصة حول حجم الخسائر البشرية والمادية التى يتسبب فيها الإرهابيون يوميًّا، وحول المكاسب المالية التى يحققونها من خلال انخراطهم فى شبكات الإجرام والتجارة غير المشروعة.

* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية