يمر قطاع التأمين بتحول كبير في ممارسات الاكتتاب، في عصر يتشكل فيه التحول الرقمي والمخاوف البيئية الصناعات بشكل جذري، فالابتكارات في هذا المجال ليست مجرد تحسينات تدريجية، بل تمثل تحولا جذريا يعيد تشكيل كيفية تقييم المخاطر وتسعيرها وإدارتها.
فحجم البيانات الهائل الذي يتم توليده اليوم، من نشاطات وسائل التواصل الاجتماعي إلى صور الأقمار الصناعية، يوفر كنزا من المعلومات للمكتتبين التحليلات القائمة على البيانات الكبيرة جنبا إلى جنب مع الذكاء الاصطناعي، لتمكن شركات التأمين من معالجة وتحليل البيانات بسرعة غير مسبوقة، فهذه القدرة تحدث ثورة في تقييم المخاطر، ما يمكّن المكتتبين من التعرف على الأنماط وتوقع النتائج واتخاذ قرارات أكثر دقة من الطرق التقليدية، كما تتعلم نماذج الاكتتاب المعتمدة على الذكاء الاصطناعي من البيانات التاريخية لتحسين توقعاتها بشكل مستمر مما يضمن تطور تقييم المخاطر مع الاتجاهات الناشئة.
ويُحدث دمج التتبع الإلكتروني وإنترنت الأشياء في الاكتتاب التأميني تحولا في كيفية قياس المخاطر على أساس فردي، ففي تأمين السيارات، مثلا، تقوم أجهزة التتبع بمراقبة سلوك القيادة في الوقت الفعلي، ما يسمح لشركات التأمين بتقديم أقساط مخصصة بناء على عادات القيادة الفعلية بدلا من العوامل الديموغرافية العامة، وبالمثل، يمكن لأجهزة إنترنت الأشياء في المنازل مراقبة المخاطر المحتملة، مثل تسرب المياه أو مخاطر الحريق وتوفير بيانات في الوقت الفعلي تساعد المكتتبين في تقييم المخاطر والحد منها قبل أن تتحول إلى مطالبات، فهذا التحول نحو التأمين القائم على الاستخدام والسلوك يخلق نماذج تسعير أكثر عدلا ويعزز رضا العملاء.
“المال” تواصلت مع أماني الماحي، رئيس قطاع بشركة مصر للتأمين وعضو الاتحاد الأفروأسيوي للتجكيم الدولي، للحديث عن ذلك الموضوع، وقالت إن تزايد تأثيرات التغير المناخي، على سبيل المثال، جعل النماذج التقليدية لتقييم المخاطر غير كافية بشكل متزايد، بينما أصبحت أدوات نمذجة المخاطر المناخية المتقدمة ضرورية لتقييم التأثير المحتمل للكوارث الطبيعية بدقة، حيث تتضمن هذه النماذج كميات هائلة من البيانات البيئية، بما في ذلك أنماط الطقس وتغيرات مستوى البحر وسجلات الكوارث التاريخية، لتوفير رؤية أكثر شمولية للمخاطر المحتملة، ويمكن لشركات التأمين استخدام هذه النماذج ليس فقط لتسعير السياسات بدقة أكبر، ولكن أيضا لتطوير إستراتيجيات استباقية للحد من المخاطر، مثل تقديم نصائح حول ممارسات البناء المقاومة للمناخ.
التأمين البارامتري على سبيل المثال
وبينت “الماحي” أن التأمين البارامتري ابتكار ثوري يبسط عملية المطالبات من خلال ربط المدفوعات بمحفزات محددة مسبقا، فعلى سبيل المثال، قد تدفع سياسة التأمين تلقائيا عندما يصل إعصار إلى سرعة رياح معينة أو عندما يتجاوز الفيض مستوى مياه محدد، ويزيل هذا النهج الحاجة إلى تقييمات مطولة للمطالبات والنزاعات، ما يوفر الإغاثة بشكل أسرع للمؤمن عليهم، حيث إنه ذا قيمة خاصة في المناطق المعرضة للكوارث الطبيعية، حيث يمكن أن يكون الوصول السريع إلى الأموال أمرا حاسما لجهود التعافي.
وأفادت بأن تقنية البلوكشين تترك بصمتها في عملية الاكتتاب من خلال توفير سجل آمن وشفاف وغير قابل للتغيير للمعاملات، بينما في سياق إعادة التأمين، يمكن للبلوكشين تبسيط الشبكة المعقدة من العقود والمطالبات، ما يقلل من التكاليف الإدارية ويقلل من خطر التباين، من خلال ضمان أن جميع الأطراف يمكنها الوصول إلى نفس البيانات في الوقت الفعلي، ما يعزز الثقة والتعاون بين شركات التأمين وإعادة التأمين والمؤمن عليهم، وتفتح هذه التقنية أيضا الباب لمنتجات التأمين الجديدة التي تعتمد على العقود الذكية، التي تنفذ تلقائيا عند استيفاء الشروط المحددة مسبقا.
والجراف التالي يبين حجم الخسائر العالمية للكوارث الطبيعية في 20 عاما، وفق “ستاتيستا” العالمية:
تخصيص التغطية وفقا لأساليب الحياة الحديثة
وذكرت “الماحي” أن المنتجات التأمينية المخصصة، التي تتيح للمستهلكين اختيار خيارات تغطية محددة تتناسب مع احتياجاتهم الفردية، تشكل زخما، لأنها تلبي الابتكارات ومتطلبات أساليب الحياة الحديثة، وتفتح أسواقا جديدة لشركات التأمين، خاصة بين المستهلكين الأصغر سنا والمتمرسين في التكنولوجيا.
وأكدت أن قطاع التأمين يواصل التطور، وسيظل الاكتتاب في طليعة الابتكار، ولا تقتصر هذه التقدمات على تحسين الكفاءة أو تقليل التكاليف، بل تتعلق بإعادة التفكير بشكل جذري في كيفية تصور المخاطر وإدارتها، وفي السنوات القادمة، ستحدث تغييرات أكثر جذرية مع استمرار التكنولوجيا في دفع حدود ما هو ممكن في الاكتتاب، بينما أولئك الذين يتبنون هذه الابتكارات سيكونون في وضع جيد لقيادة الصناعة إلى عصر جديد من إدارة المخاطر المعتمدة على البيانات والمركزة على العملاء.