قال خبراء ومصرفيون إن معدلات النمو الكبيرة التى شهدتها المعاملات المالية الرقمية خلال الفترة الماضية تعود فى الأساس إلى الجهود المبذولة من قبل البنك المركزى المصرى والقطاع المصرفى ككل.
وأضافوا فى تصريحات لـ«المال» أنه بالرغم من ذلك مازالت نسب مؤشرات الشمول المالى فى مصر قليلة، وأن تنفيذ مبادرات التحول الرقمى تستلزم ارتفاع نسبة المواطنين الذين لديهم حسابات بنكية لتصل إلى نحو %80.
وكان البنك المركزى المصرى قد أصدر تقريرًا عن استراتيجية الشمول المالى يوم الأحد 27 نوفمبر، حيث تم تنفيذ مسح ميدانى للخدمات المالية لجانب الطلب على عينة ممثلة للأفراد والمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر (للقطاع الرسمى وغير الرسمي)، وذلك بالتعاون مع الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، بهدف وضع أهداف ورؤية واضحة لصياغة استراتيجية الشمول المالى 2022–2025، وكانت الفترة المرجعية للمسح الميدانى هى 12 شهرًا السابقة على تنفيذ المسح حتى ديسمبر 2020.
وأظهرت البيانات أن حوالى %52 من المواطنين 16 سنة فأكثر يستخدمون النقد فى عمليات التحويل، ومنها %56 من إجمالى عينة النساء، و%67 من إجمالى عينة الرجال، بالإضافة إلى حوالى %34 يستقبلون التحويلات المالية من خلال الخدمات المالية الرقمية، ونسبة %11 يستخدمون الخدمات المالية الرقمية فى المدفوعات.
وجاء فى التقرير أن حوالى %48 من المواطنين اقترضوا –خلال 12 شهرًا فترة المسح حتى ديسمبر 2020– وكذلك %33 من المواطنين قاموا بالادخار، كما أن الفجوة بين الجنسين فى امتلاك الحسابات بلغت %8.2 لنفس الفترة.
يرى وليد ناجي، نائب رئيس البنك العقارى المصرى العربي، أن نسب الشمول المالى تحسنت بشكل كبير فى الفترة الأخيرة.
وأضاف ناجي، فى تصريحات خاصة لـ«المال»، أنه مازالت هناك نسبة كبيرة من الشعب المصرى لا يستخدمون بطاقات الدفع أو المحافظ الإلكترونية، مضيفًا أن هذه النسبة متواجدة بالأساس فى المناطق النائية فى الأقاليم والصعيد.
وكان البنك المركزى المصرى قد أنشأ قاعدة بيانات الشمول المالي، ورصد التطور على جانب العرض من 2016 – يونيو 2022، حيث قسمت القاعدة حسب النوع للأفراد الطبيعين باستخدام الرقم القومى أو الرقم التعريفى الموحد كأساس لجمع البيانات من البنوك ومقدمى الخدمات المالية، بما يشمل البريد المصري.
وأشارت مؤشرات قاعدة البيانات إلى زيادة كبيرة فى معدلات الشمول المالى خلال الفترة من 2016 حتى يونيو 2022، محقققة معدل نمو بلغ %131 ليصل إجمالى المواطنين الذين لديهم حسابات تمكنهم من إجراء معاملات مالية إلى 39.6 مليون مواطن، بما يمثل %60.6 من المواطنين 16 سنة فأكثر –بحلول يونيو 2022- والبالغ عددهم 65.4 مليون مواطن وفق تقديرات السكان فى عام 2022.
وذكر ناجى أن نسبة الشمول المالى للأفراد الذين كانوا يمتلكون بطاقات ائتمان، وحسابات بنوك، وبطاقات خصم –قبل انطلاق المحافظ الإلكترونية- منذ حوالى 10 سنوات، مثلت %15 من المواطنين 16 سنة فأكثر، وبالتالى فهناك معدل نمو سريع وكبير تحقق منذ نقطة البداية (%15) حتى الوصول إلى %52 فى أقل من 10 سنوات، مشيرًا إلى أنه يعكس الجهود الكبيرة المبذولة من قبل البنك المركزى والقطاع المصرفى ككل فى مجال التحول الرقمي.
وقال إن الدول المتقدمة مازالت لم تصل إلى تحقيق %100 من الشمول المالي، مضيفًا أن هناك عوامل صعبة التضمين ضمن استراتيجية التحول الرقمي، ككبار السن والأفراد من ذوى القدرات الخاصة.
وأشار نائب رئيس البنك العقارى المصرى العربي، أن النسب المذكورة فى نتائج المسح الذى كشف عنه البنك المركزى فى التقرير، تم تنفيذها فى عام 2020 ولمدة 12 شهرًا فقط، مضيفًا أن هذه النسبة تطورت بشكل كبير من 2020 إلى 2022.
وأعرب عن أن جائحة كورونا من أكبر العوامل التى شجعت الأفراد على التحويلات باستخدام أدوات الدفع الإلكتروني، وعززت من انتشار فكرة التحول الرقمي، واستخدام الأفراد للمحافظ الإلكترونية مثل فودافون كاش وفون كاش التابع للبنك الأهلي، وذلك بدافع العزل المنزلى والإجراءات الاحترازية.
وحث وليد ناجى على بذل القطاع المصرفى للمزيد من المجهود للصعود بهذه النسب لمعدلات مرتفعة، مقارنة بمعدلات الدول المتقدمة، معربًا عن أن نجاح تطبيق استراتيجية الشمول المالى لا يتحقق بين عشية وضحاها، بل يحتاج الأمر لسنوات طويلة من التخطيط والعمل وبذل المجهود.
قال الدكتور عبدالوهاب غنيم، نائب رئيس الاتحاد العربى للاقتصاد الرقمى ومستشار كلية كامبريدج الدولية البريطانية، إن نسب مؤشرات الشمول المالى فى مصر مازالت قليلة، وذلك مقارنة بالدول المتقدمة، مضيفًا أن تنفيذ مبادرات التحول الرقمى يلزم أن تكون نسبة المواطنين الذين لديهم حسابات بنكية مرتفعة، لتمثل حوالى %80 من المواطنين، مشيرًا إلى أن تلك النسبة فى الدول الاسكندنافية تصل إلى %99 حيث إن جميع مواطنيهم تقريبًا يمتلكون حسابات بنكية.
وأضاف غنيم أن نسب الشمول المالى أصبحت الآن مرتفعة مقارنة بنفس النسب قبل عام 2020، وقبل صدور كارت “ميزة”.
وأكمل: “المشكلة تكمن فى الاقتصاد غير الرسمي، إذ إن فئة العمالة غير المنتظمة مازالوا لا يمتلكون حسابات بنكية، وفى هذه الفترة إذا أرادوا فتح حسابات بنكية، فالبنك سيرفض لعدم وجود دخل ثابت لهم”، مشيرًا إلى أن هذه المعضلة تم حلها بشكل كبير حين صدر كارت “ميزة” لأصحاب مبادرة تكافل وكرامة، إذ إن المنتسبين للمبادرة يقدر عددهم بالملايين، وبالتالى بتضمينهم داخل استراتيجية الشمول المالى أحدث فرقًا، إذ أصبح بإمكانهم التعامل به ككارت ائتمان بنكى يستطيعون من خلاله أن يدفعوا فواتير، كالكهرباء والغاز وغيره.
وأفاد أن ما نحتاج إليه فى هذه الفترة “مبادرات شجاعة”، مضيفًا أن البنك المركزى أصدر فى الفترة الأخيرة مبادرة لتمكين طلاب الجامعات من استخراج حسابات بنكية مجانًا.
واقترح الدكتور عبدالوهاب غنيم أن يتم إتاحة نفس المبادرة سالفة الذكر لكل الشباب البالغين من العمر 16 عامًا، وذلك عند استخراج البطاقة الشخصية، وكذلك تسهيل الإجراءات لهم من قبل القطاع المصرفي، كجعل الحد الأدنى للبطاقة الائتمانية 100 جنيه فقط، مراعاة لصغر عمرهم، وتشجيعًا لهم على الادخار، مؤكدًا أن بذل هذه الجهود سيجعل الدولة قادرة على معرفة مقدار النقد وحركة السيولة داخل الاقتصاد.
وأردف قائلاً: “الشمول المالى يُعد من أهم ركائز التنمية المستدامة، إذ إن الاقتصاد غير الرسمى يشكل من %40 إلى %80 من اقتصادات الدول النامية، وأموال هذا القطاع لا تدخل فى البنوك، وكذلك لا تدخل فى الحسابات القومية للدولة، حيث يسمى “بالاقتصاد الرمادي”، أما فى الدول المتقدمة فالإيرادات الضريبية تشمل جميع المواطنين”.
وقال إن بتضمين الاقتصاد غير الرسمى فى الحسابات القومية للدولة، سيدفع بالناتج المحلى الإجمالى إلى تسجيل معدلات أعلى بكثير مما هى عليه، وبدخول هذه الأموال إلى البنوك، تستطيع أن تقوم باستثمارها فى مشاريع قومية، وكذلك تمويل مشروعات القطاع الخاص، فتحقق البنوك عوائد لها، وتدفع بعجلة الاقتصاد القومى إلى الأمام.
وأشاد نائب رئيس الاتحاد العربى للاقتصاد الرقمي، بمجهودات الدولة والبنك المركزى فى تنفيذ استراتيجية الشمول المالي، مضيفاً أن كل ما نحتاج إليه هو توفير الحوافز التى تدفع العاملين بالقطاع غير الرسمى على دخول القطاع الرسمي، كتضمينهم فى التأمينات الاجتماعية، وإعفائهم مدة زمنية من دفع الضرائب، متابعًا أن البنك الزراعى المصرى على سبيل المثال إذا قام بطرح مبادرة “كارت الفلاح” لفتح حساب بنكى له، مقابل منح تسهيلات لهم، فذلك سيدفع عددًا ضخمًا من الفلاحين على دخول الاقتصاد الرسمي.