قال خبراء اقتصاديون إن تبنِّي البنك المركزى المصرى سياسة سعر صرف مرن –بعدما أصبحت قيمته تحدد وفقًا لآليات العرض والطلب- جعل صانعى السياسة النقدية أقل ارتباطًا بقرارات الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، لا سيما فيما يتعلق بأسعار الفائدة على الجنيه.
وأضافوا، فى تصريحات، لـ«المال»، أن البنك المركزى فى جعبته العديد من الأسلحة لمحاربة التضخم، وقد استعان ببعضها، مثل أداة السوق المفتوحة، وزيادة الاحتياطى الإلزامى إلى جانب أداة سعر الفائدة.
وقرر الاحتياطى الفيدرالى فى اجتماعه الأخير من الشهر الحالى رفع أسعار الفائدة بواقع %0.75 لترتفع من %3.25 إلى %4 .
وكان البنك المركزى قرر فى اجتماع استثنائى يوم 27 أكتوبر الماضى رفع أسعار الفائدة بواقع 200 نقطة أساس على الإيداع والإقراض، وسعر العملية الرئيسية، لتصبح عند مستوى 13.25% و14.25% و13.75% على الترتيب، كما قرر رفع الفائدة على سعر الائتمان والخصم لتصبح عند مستوى 13.75%.
قال هانى أبو الفتوح، الخبير المصرفى، فى تصريحات خاصة لـ«المال»، إن قرار الفيدرالى برفع الفائدة لم يكن هو المحدد لقرار البنك المركزى المصرى بشأن أسعار الفائدة فى الاجتماع القادم المقرر انعقاده فى 22 ديسمبر 2022.
وأشار إلى أن التخوفات السابقة بشأن رفع الفيدرالى الأمريكى للفائدة، لم تعد موجودة فى الوقت الحالى، وذلك لأن دافع تلك التخوفات كان عامل الضغط على العملة المحلية، فى ظل اتباع البنك المركزى لسياسة سعر الصرف المدار، أما بعد قرار تحرير سعر الصرف فأصبح الجنيه تحدد قيمته بدافع قوى العرض والطلب أمام الدولار.
وأفاد الخبير المصرفى بأن ما سيدفع البنك المركزى لاتخاذ قرار رفع الفائدة أم تثبيتها، سيكون مؤشرات التضخم فى الوقت الحالى، وذلك لأن هذا هو الهدف الرئيسى الذى يسعى البنك المركزى دائما للسيطرة عليه، من خلال اتباع ادوات السياسة النقدية، سواء بأسعار الفائدة، أم عمليات السوق المفتوحة، أم نسبة الاحتياطى الإلزامى الخاصة بالبنوك.
وفى حديث عن كيفية الحفاظ على قيمة العملة المحلية فى ظل اتباع الفيدرالى الأمريكى للمزيد من سياسة التشديد النقدى، قال هانى أبو الفتوح إن رفع الفيدرالى الأمريكى للفائدة على الدولار، كان يدفع البنوك المركزية فى دول العالم لاتباع نفس السياسة، وذلك حتى تحافظ على قيمة عملتها فى مقابل العملة الخضراء، ولكن بالنسبة لحالة مصر، فبعد اتباع سياسة سعر الصرف المرن – وكان عامل هام لمنع الدلورة – أصبحت السوق أكثر توازنًا، ومتوقع تدفق المزيد من العملة الأجنبية فى الفترة القادمة، بدافع أن مصر وجهة أرخص للسياحة، مقارنة بأماكن أخري.
وأكمل: «كما متوقع زيادة تدفقات تحويلات المصريين العاملين بالخارج، وذلك بدافع الشهادات الادخارية التى طرحتها البنوك المصرية بفائدة مرتفعة، والتى بلغت نحو 17.25% على الجنيه المصرى، ومن ثم سيقوم حائزو الدولار بالتنازل عنه فى سبيل الحصول على الجنيه، ومن ثم تلاشى ظاهرة الدولرة ومزيد من اتزان العملة المحلية أمام الدولار».
وتابع أبو الفتوح قائلًا: «حصول مصر على تمويلات من صندوق النقد الدولى والشركاء الدوليين عامل هام، سيسهم فى تهدأة أوضاع السوق، إذ إن المزيد من تدفقات العملة الأجنبية للداخل، يترجم إلى نظرة تفاؤلية من قبل المؤسسات الدولية، والمستثمرين الأجانب إلى الاقتصاد المصرى».
وأعرب «أبو الفتوح» عن العواقب الوخيمة التى تواجهها اقتصادات العالم فى ظل اتباع مزيد من سياسة التشديد النقدى، مضيفًا أن هذه السياسات الانكماشية تدفع إلى الركود الاقتصادى، لارتفاع تكلفة الإقراض على المستثمرين، وبالتالى انخفاض الاسثمار، وتسريح العمالة، ومزيد من الارتفاع فى معدلات البطالة.
ولفت الخبير المصرفى إلى أن إعلان البنك المركزى بإطلاق مؤشر للجنيه المصرى، يسهم فى خفض الارتباط بين الجنيه والدولار، مشيرًا إلى أن السماح للبنوك ببداية العمل بعقود المشتقات الآجلة، تعطى نوعًا من التحوط ضد التقلبات فى أسعار الصرف والفائدة للمستثمرين، ومن ثم المزيد من تدفق السيولة وزيادة الاستقرار فى السوق المحلية.
وذكر «أبو الفتوح» أن عمليات السوق المفتوحة تعد آلية هامة وسلاحا آخر يستخدمه البنك المركزى لسحب السيولة، بخلاف رفع الفائدة ونسبة الاحتياطى الإلزامى للبنوك، إذ سحب المركزى سيولة كبيرة من السوق باستخدام تلك الآلية.
وقال الدكتور أحمد شوقى، عضو الهيئة الاستشارية لمركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن الفيدرالى الأمريكى يرفع سعر الفائدة على الدولار لجذب المزيد من الاستثمارات ناحية الولايات المتحدة، وكذلك ليقلل من الفجوات التمويلية لديه، مضيفًا أن رفعه الفائدة بمعدلات كبيرة يخفض معدلات التضخم بنسب ضئيلة بالمقارنة بها، وبالتالى المحصلة هى تصدير الأزمة للعالم بأكمله، ومن ضمنه الاقتصادات الناشئة مثل مصر.
وأضاف «شوقى» فى تصريحات لـ«المال»، أن الاقتصاد المصرى غير مرتبط بالأمريكى، وأننا لدينا شركاء تجاريون بخلاف الولايات المتحدة وذلك حسب تصريح سابق من البنك المركزي.
وأكد «شوقى» أن اتباع مصر لسياسة التشديد النقدى وزيادة الفائدة، إثر رفع الفيدرالى، سوف يدفع إلى ارتفاع أعباء خدمة الدين المحلى، ومن ثم تعميق أزمة عجز الموازنة، مضيفًا أن ذلك سيؤدى إلى رفع تكلفة التمويل على المستثمرين، وبالتالى خفض الاقتراض، والإنتاجية.
وأفاد بأن الأزمة الموجودة حاليًا التى تسببت فى ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير، هى أزمة فى جانب العرض بشكل رئيسى، وبالتالى زيادة أسعار الفائدة ليس هو الحل الأمثل لكبح جماح التضخم فى الوقت الحالي.
وأشاد «شوقى» بقرارات البنك المركزى من تثبيت أسعار الفائدة ورفع نسبة الاحتياطى الإلزامى التى تحتفظ بها البنوك لدى البنك المركزى من %14 إلى %18 مشيرًا إلى أنها كانت سياسات «فى محلها» على حد وصفه، وذلك لتنويع «المركزي» فى استخدامه أدوات السياسة النقدية.
وأعرب «شوقى» عن أهمية استخدام أدوات السياسة المالية للحكومة جنبًا إلى جنب مع السياسة النقدية، كمعدلات الضرائب والدعم المقدم من الحكومة للفئات الأكثر تضررًا من الأزمة.