حظيت كلمة الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال قمة القادة للاجتماع بعد ظهر يوم 12 أكتوبر، باهتمام واسع من قِبل العديد من الخبراء الدوليين والعرب، الذين ثمّنوا دعواته وأعربوا عن تقديرهم لفكره حول الحضارة الإيكولوجية وخطوات الصين العملية باتجاه عالم أخضر. ويعد الاجتماع الذي يُعقد تحت عنوان “الحضارة الإيكولوجية: بناء مستقبل مشترك لجميع أشكال الحياة على الأرض”، أول مؤتمر عالمي تعقده الأمم المتحدة حول المفهوم الصيني للحضارة الإيكولوجية. وتقام فعاليات الاجتماع الـ15 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي، المعروف باسم كوب15، في كونمينغ؛ حاضرة مقاطعة يوننان بجنوب غربي الصين في الفترة من 11 إلى 15 أكتوبر الحالي، بمشاركة أكثر من 5000 ممثل افتراضي وواقعي على مستوى العالم. ويركز الاجتماع على تطوير إطار التنوع البيولوجي العالمي لما بعد عام 2020، لتوجيه إجراءات الحماية الإيكولوجية في جميع أنحاء العالم حتى عام 2030.
التناغم بين الإنسان والطبيعة
وفي كلمته الرئيسية أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ ضرورة احترام الطبيعة واتباع قوانينها وحمايتها، وبناء وطن مشترك على الأرض يتسم بالتعايش المتناغم بين الإنسان والطبيعة.
ودعا الرئيس شي المجتمع الدولي إلى تعزيز التعاون وبناء توافقات وتجميع القوة لـ”بناء مجتمع من جميع أشكال الحياة على الأرض”.
وتعليقًا على كلمة الرئيس شي في القمة، قال محمود ريا، رئيس تحرير موقع “الصين بعيون عربية” الإعلامي الذي يصدر من لبنان، إنها تمثل دليلًا على مدى الأهمية التي تُوليها القيادة الصينية لحماية البيئة وتعزيز التنوع البيولوجي؛ ليس في الصين فحسب، وإنما في كل أنحاء العالم.
وأضاف أنه من اللافت أن الرئيس شي دعا إلى قيام عالم أخضر يتناغم فيه البشر مع الطبيعة، وهي دعوة تحمل في طيّاتها الإحساس العميق بمدى ضرورة أن يتعامل البشر مع الطبيعة بما يحميها من الاستغلال الجائر؛ لأن في ذلك حماية للإنسان نفسه من الانقراض.
وقال إن “الرئيس شي كان واضحًا في تأكيده أن عملية حماية البيئة ليست مهمة بلد واحد أو مجتمع معين، وإنما هي مسئولية كل دول العالم، كما أن فوائدها يجب أن تعم دول العالم كافة”.
مساعدة الدول النامية
وفي سياق إشارته إلى تأثير جائحة كوفيد- 19 على التنمية العالمية، قال الرئيس شي إن “وجود إيكولوجيا وبيئة سليمة ليس أصلًا طبيعيًّا فحسب، بل أيضًا أصل اقتصادي ويؤثر على إمكانات وزخم التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.
وأشار إلى أن الدول النامية التي تواجه المهام المزدوجة للانتعاش الاقتصادي وحماية البيئة “تحتاج إلى مزيد من المساعدة والدعم من جميع الأطراف”، مؤكدًا ضرورة تعزيز التضامن للتغلب على الصعوبات والسماح لشعوب مختلف البلدان بالاستفادة بشكل أكبر وبطريقة أكثر عدلًا من نتائج التنمية ومن بيئة سليمة.
في هذا الصدد قال مصطفى فودة، مستشار وزير البيئة المصري للتنوع البيولوجي، إنه يتفق تمامًا مع ما جاء في كلمة الرئيس شي في أنه يتعين على المجتمع الدولي تعزيز التعاون بجدية في حماية التنوع البيولوجي، خاصة أن جائحة كوفيد- 19 لم تنتهِ بعد، “ففقط عندما نتحد، يمكن أن نبني وطنًا على الأرض يمكن فيه لجميع بلدان العالم أن تنمو معًا”.
وأضاف فودة أن العديد من البلدان النامية منزعجة من الفقدان الشديد في التنوع البيولوجي، وخاصة البلدان الأفريقية، حيث أصبح إيجاد حل مستدام أكثر إلحاحًا.
جدير بالذكر أن الصين تساعد الدول النامية في الحفاظ على التنوع البيولوجي من خلال قنوات متعددة الأطراف، من بينها مبادرة الحزام والطريق، والتعاون الجنوبي الجنوبي، وفقًا لأول وثيقة بيضاء حول التنوع البيولوجي نشرتها الصين، يوم الجمعة الماضي.
وقد أسّست الصين التحالف الدولي للتنمية الخضراء لمبادرة الحزام والطريق، وأطلقت منصة خدمات البيانات الضخمة للحزام والطريق بشأن الحماية الإيكولوجية والبيئية. بالإضافة إلى هذا، تعهدت الصين، العام الماضي، بأنها ستسعى جاهدة للوصول إلى ذروة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قبل 2030، والوصول إلى تحييد الكربون قبل 2060.
كما أعلنت الصين تقديم المزيد من الدعم لدول نامية أخرى لتطوير طاقة خضراء ومنخفضة الكربون، وتعهدت بعدم بناء المزيد من مشروعات الطاقة التي تعمل بالفحم في الخارج.
آليات وخطوات عملية
وقال الرئيس شي، في كلمته الرئيسية، إن تطوير الحضارة الإيكولوجية يجب أن يؤخذ كأداة توجيه وإرشاد لتنسيق العلاقة بين البشر والطبيعة، مضيفًا أن الأنشطة البشرية يجب أن تبقى ضمن حدود الإيكولوجيا والبيئة.
ورأى محمود ريا أن تعهدات الصين ليست مجرد شعارات رنانة غير قابلة للتطبيق، مشيرًا إلى أن” الأرقام التي قدمها الرئيس شي في كلمته تكفي لإعطاء صورة مبهرة عن هذه التجربة.”
وكانت الصين بالفعل قائدة ورائدة في هذا الشأن. فقد قامت الدولة بدمج الحضارة الإيكولوجية في سياستها التنموية الوطنية وأدرجتها في دستورها، وأنقذت عددًا من الكائنات المهددة بالانقراض، من بينها القرد الذهبي والطاووس الأخضر، اللذان زادت أعدادهما.
وأشار الرئيس شي، في كلمته الرئيسية، إلى أن الدفعة الأولى من الحدائق الوطنية في الصين، بمساحة محمية تبلغ 230 ألف كيلومتر مربع، تضم ما يقرب من 30 بالمائة من أنواع الحياة البرية الأرضية الرئيسية الموجودة في البلاد.
وأوضح محمود ريا أيضًا أن الصين بدأت بالعمل على إنتاج مئة مليون كيلووات من الطاقة من خلال وسائل إنتاج الطاقة النظيفة كالرياح والمياه والطاقة الشمسية وغيرها، ما يوفر على البشرية الإختناق بمخلفات الطاقة الأحفورية كالكربون والغبار وحتى الضجيج والتلوث السمعي والبصري.
ورأى فودة أن الخبر المثير في كلمة شي هو اقتراح الصين إنشاء صندوق كونمينغ للتنوع البيولوجي، والذي ستموله بحوالي 233 مليون دولار لدعم حماية التنوع البيولوجي في البلدان النامية. وأكد أن الصين بذلت جهودًا كبيرة في الحفاظ على التنوع البيولوجي.
وكان لحسين الشمري، وهو خبير إعلامي سعودي، وجهة نظره الخاصة أيضًا تجاه حدث كونمينغ، قائلًا إن المؤتمر جاء “في الوقت المناسب” في ظل تأثير الجائحة العالمية واهتمام العالم بتحقيق هدف ذروة الكربون وحياد الكربون.
وأضاف أن التوجيهات التي جاءت في كلمة الرئيس شي تتفق مع مبادرتي “السعودية الخضراء” و”الشرق الأوسط الأخضر”، مشيرًا إلى أن تعديل الهيكل الصناعي وهيكل الطاقة يعتبران من التحديات المشتركة لجميع الدول.
وشدد على أن تطوير اقتصاد أخضر ومنخفض الكربون يتطلب تعزيز التعاون بين الصين والسعودية والتعاون الدولي. فمن خلال هذه الطريقة فقط، يمكن تقاسم ثمار التنمية الخضراء.
وكانت الصين من بين أوائل الدول التي أصبحت طرفًا في اتفاقية التنوع البيولوجي التي دخلت حيز التنفيذ في عام 1993. وحتى الآن تضم الاتفاقية 196 طرفًا ومؤتمر الأطراف هو أعلى آلية للمناقشة واتخاذ القرارات بشأن الاتفاقية.
من المتوقع أن يشهد الجزء الثاني من الاجتماع الذي سيعقد واقعيًّا في النصف الأول من عام 2022، الانتهاء من إطار تنوع بيولوجي عالمي طموح وعملي لما بعد عام 2020، واعتماده.