رأى خبراء ليبيون أن الخلاف العميق بين الأطراف الليبية حول آليات اختيار الحكومة الجديدة يهدد مصير ومستقبل الحوار الليبي ، الذي ترعاه الأمم المتحدة، ما يتطلب المزيد من التنازلات والضغوط الدولية على الفرقاء من أجل التوافق على شكل السلطة الانتقالية المرتقبة.
وانطلقت في التاسع من نوفمبر الجاري في قمرت بالضاحية الشمالية لتونس العاصمة، أعمال ملتقى الحوار السياسي الليبي المباشر، تحت عنوان: “ليبيا أولا”، بمشاركة 75 شخصية ليبية.
مستقبل الحوار الليبي
وانتهت الجولة الأولى من الحوار بتوافق الأطراف الليبية على إجراء الانتخابات العامة في 24 ديسمبر من العام 2021، قبل أن تنطلق جولة ثانية الإثنين الماضي.
وأعلنت الأمم المتحدة في ختام الجولة الثانية للحوار السياسي الأربعاء الماضي، استمرار الأطراف الليبية في مناقشة معايير اختيار السلطة التنفيذية الجديدة في البلاد.
وأكدت بعثة الأمم المتحدة عزمها تقديم حل عملي من أجل انتهاء الحوار حول آليات الترشيح و، دون تحديد شكل ومضمون هذا الحل أو موعد الجولة الثالثة المقبلة من الحوار السياسي.
ويهدف الحوار السياسي الليبي إلى “تحقيق رؤية موحدة حول إطار وترتيبات الحكم، التي ستفضي إلى إجراء انتخابات وطنية في أقصر إطار زمني ممكن من أجل استعادة سيادة ليبيا والشرعية الديمقراطية للمؤسسات الليبية”.
وقال أستاذ العلاقات الدولية في الجامعات الليبية خالد المنتصر، لوكالة أنباء ((شينخوا)) اليوم (الجمعة) إن “الخلافات التي تسود داخل أروقة الحوار السياسي صارت واضحة، بل إن الأمم المتحدة ألمحت إلى صعوبة حل الأزمة الليبية دفعة واحدة، ويحتاج الأمر إلى مراحل وجولات عديدة لخلق التوافق بين كافة الأطراف”.
وأضاف المنتصر: “عبرنا عن ترحيبنا باتفاق وقف إطلاق النار ونجاح المسار العسكري إلى حد كبير ليفسح المجال أمام المسار السياسي للانتهاء من تشكيل سلطة تنفيذية جديدة تنهي الانقسام وحالة التشظي في المؤسسات لتهيئة الأجواء للعملية الانتخابية المرتقبة”.
ووقعت اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5) برعاية أممية في الـ 23 من أكتوبر الماضي بجنيف، على اتفاق وقف إطلاق النار الدائم في ليبيا.
تجنب الصراع العسكري
وتجنبا لعودة الصراع العسكري، الذي توقف بموجب تفاهمات دولية لفسح المجال أمام الحوار السياسي لتوحيد سلطات البلاد، يرى المحلل السياسي الليبي عماد جلول، أن الحوار القائم بين الفرقاء الليبيين يجب خضوعه لضغوط دولية للانتهاء منه سريعا.
وقال جلول لـ (شينخوا) إن “اتفاق وقف إطلاق النار الأخير مهد بصورة واضحة للسياسيين الجلوس على طاولة التفاوض، بعدما كان هذا الأمر بعيد المنال قبل أشهر قليلة مضت، حينما كانت لغة المدافع السائدة في غرب ليبيا”.
وتابع أن “أطرافا إقليمية ودولية دفعت باتجاه وقف الحرب عقب انسحاب قوات حفتر، وذات الأطراف يمكنها لعب دور كبير من أجل الدفع نحو التوافق السريع حول آليات اختيار السلطة الجديدة التنفيذية (الحكومة)، وهو أمر ممكن متى توفرت الإرادة الدولية لذلك”.
وتحدثت تقارير تداولتها وسائل إعلام ليبية محلية، عن أن جوهر الخلاف حول آليات ومعايير اختيار الحكومة الجديدة في ملتقى الحوار السياسي يتمثل في طريقة التصويت على المرشحين لتولي رئاسة الحكومة والمجلس الرئاسي الجديد.
ويدور الخلاف حالياً بين المشاركين الـ 75 في الحوار حول ثلاثة مقترحات لاختيار الحكومة، الأول التصويت عبر طريقة الدوائر الانتخابية ال 13 التي يتشكل منها البرلمان الليبي، أو عبر اشتراط حصول المرشح على نسبة 75 بالمائة من أصوات المشاركين.
أما المقترح الثالث فيقوم على اعتماد التصويت وفق الأقاليم الثلاثة (برقة – طرابلس – فزان)، التي كانت سائدة إبان الحكم الملكي في ليبيا قبل عام 1969.
وأكدت المبعوثة الأممية إلى ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز، في إحاطتها الأخيرة أمام مجلس الأمن، أن الأزمة الليبية، التي تقترب من دخول العام العاشر، لا يمكن حلها في جلسات حوار قصيرة، وإنما تحتاج وقتا أكبر لمعالجة تداعياتها.
فشل البعثة الأممية
وهو ما فسر بـ”التلميح” من المبعوثة الأممية إلى الصعوبات التي تواجه الأمم المتحدة في تسيير جلسات الحوار الأخيرة، وعدم القدرة على إقناع الأطراف الليبية بالتوصل إلى حل توافقي.
ورأت الباحثة في الشؤون السياسية والأستاذة الجامعية إيمان جلال، أن البعثة الأممية فشلت حتى الآن في تحقيق أي تقدم في الحوار السياسي، وتحاول جاهدة إنقاذ ما يمكن إنقاذه وطرح مقترحات جديدة.
وقالت في هذا الصدد إن “الأمم المتحدة لم تنجح سوى في جمع الليبيين على طاولة واحدة، وهو نجاح شكلي لا يعكس من الواقع شيئا، حيث إن الحل والتوافق مازالا بعيدين”.
الإبقاء على حكومة الوفاق
وأضافت الباحثة في الشؤون السياسية والأستاذة الجامعية: “باعتقادي الأطراف السياسية لا تثق كثيرا في الحوار القائم، وإجبار البعثة الأممية جميع المشاركين على توقيع تعهد خطي بعدم مشاركتهم في السلطة التنفيذية الجديدة أمر لا يعجب الكثيرين منهم، وبالتالي يحاول البعض معاقبة الأمم المتحدة بعرقلة غير مباشرة للتوافق حول آليات اختيار الحكومة التي ستحل محل حكومة الوفاق“.
وحول البدائل الممكنة للخروج من هذا الانسداد السياسي الذي شهده الحوار، قالت الباحثة السياسية إن “هناك حديثا حول طرح الأمم المتحدة خيار الإبقاء على حكومة الوفاق الوطني حتى موعد الانتخابات المقبلة نهاية العام المقبل، وبالتالي ربما يكون حلاً منطقياً في ظل تعنت الأطراف الليبية في سرعة إنهاء التوافق حول الحكومة الجديدة”.
وتعاني ليبيا منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في العام 2011 فوضى أمنية وصراعا على السلطة، ويدور الصراع في الوقت الحالي بين حكومة الوفاق الوطني في طرابلس المعترف بها من المجتمع الدولي، وحكومة موازية في شرق البلاد يدعمها مجلس النواب وقوات “الجيش الوطني” بقيادة المشير خليفة حفتر.
يشار إلى أن هذه المقالة نقلا عن وكالة شينخوا الصينية بموجب اتفاق لتبادل المحتوى مع جريدة المال.