لقرون طويلة من العزلة «الرائعة»، يجيء التحذير عن أهمية «ترك الصين نائمة».. منسوبًا إلى «نابليون بونابرت» 1769 -1821، ذلك قبل أن يستطيع الضغط الغربى، القوات البريطانية والفرنسية، شق الطريق بالقوة لفض عزلة بكين فى القرن 19، إيذانًا بانهيار إمبراطورية «المانشو».. لتقوم محله جمهورية الصين 1912..التى سرعان ما اشتعلت فيها الحرب الأهلية بين الشمال (حكومة بكين) وبين الجنوب (صن يات صن) 1918 -1928، غير أن التاريخ الصينى الحديث لم يبدأ إلا بانتصار الثورة الشعبية (ماو تسى تونج 1949) على «تشيانج كاى تشيك» الذى انسحب إلى جزيرة فورموزا (تايوان)، وليزداد من ذلك التاريخ صعوبة الباحثين الغربيين حول حقيقة ماهية السياسة الخارجية للصين بالمفهوم الحديث، إما بين العودة للتقاليد الأصلية (الكونفوشيوسية) فى عهد «الصين الوطنية».. أو لعهد «المانشو» البعيد.. أم إلى سياسة شيوعية فى ضوء النظريات الماركسية الليتينية الستالينية، كأيديولوجية مشتركة مع الاتحاد السوفيتي.. تمكنت الولايات المتحدة مطلع السبعينيات (نيكسون- كيسنجر) من إحداث شرخ بها بين أكبر دولتين ماركسيتين فى العالم- من واقع اختلاف إيقاعهما الأيديولوجي- حول توقيت الوصول «معًا» إلى المرحلة الرومانسية للاشتراكية، ما أدى بعدئذ بالصين إلى نهج مستقل جديد 1978(هسياو دنج) يجمع بين الانفتاح الاقتصادى والبيروقراطية المركزية، أفضت- بالتراكم- لأن تصبح ثانى اقتصادات العالم بعد الولايات المتحدة، قبل أن يتحول تعاونهما إلى المنافسة بشأن قلق «القطبية الأميركية» على أحاديتها، من توقعات تشير إلى تبوء الصين المركز الأول اقتصاديًّا- وقبل الهند -2030 تليهما الولايات المتحدة (وآخرون)، الأمر الذى أدى فى السنوات الأخيرة إلى اندلاع حرب الرسوم التجارية، ومن ثم إلى نشوء جبهتان جديدتان فى الصراع الأميركي- الصينى، حول العملة.. والتوترات الصاروخية، ذلك بخلاف الاتهامات المتبادلة حول المسئولية عن الجائحة الفيروسية، ناهيك عن مضيّ الولايات المتحدة فى خطط نشر صواريخ أرضية متوسطة المدى فى منطقة آسيا- المحيط الهادى.. التى تحولت إليها الإستراتيجية الدفاعية الأميركية منذ 2010 باعتبارها المنطقة الأهم إستراتيجيًّا واقتصاديًّا بالنسبة للعالم فى القرن 21، كذلك فى إطار محاصرتها للنفوذ الصينى داخل محيط مجالها الحيوى، بحيث بات من الصعب على بكين أن تبقى مكتوفة الأيدى، سواء باعتماد مبادرتها العالمية «الحزام والطريق»، كما فى اتفاقها- كمثال غير أخير- للتعاون الإستراتيجى مع إيران داخل منطقة الشرق الأوسط.. من مراكز النفوذ التقليدية للولايات المتحدة.. التى سرعان ما أشهرت من جانبها سجل حقوق الإنسان ضد الصين، كما فى التشاور مع حلفائها بشأن مقاطعة الدورة الأوليمبية فبراير 2022 فى بكين التى تحذر بدورها من عواقب المقاطعة الغربية، وما وراءها من دوافع سياسية أميركية.. تتمادى فى السعي- إضافة لما سبق- باقتراح إنشاء بديل للمبادرة الصينية «الحزام والطريق»، أطلق عليها الرئيس «بايدن» مبادرة «حزام واحد- طريق واحد» من جانب الديمقراطيات- لمساعدة المجتمعات فى جميع أنحاء العالم التى تحتاج حقًّا إلى المساعدة، ذلك بالتوازى مع مطالبة «هنرى كيسنجر» الولايات المتحدة بالتوصل إلى تفاهم مع الصين حول نظام دولى جديد لضمان الاستقرار العالمي- قبل أن يواجه فترة خطيرة مثل تلك التى سبقت الحرب العالمية الأولى»، متسائلًا حول إمكانية وصول الغرب إلى تفاهم مع الصين بهذا الشأن، مستعيدًا بذلك على الأرجح أطياف وثبته الإستراتيجية نحو الصين قبل نصف قرن، والتى أدت آنئذ إلى فضّ التحالف بين موسكو وبكين، لربما يعيد التاريخ نفسه اليوم، لولا الشكوك التى تنتاب العاصمتين الشرقيتين من النوايا الأميركية البعيدة إزاءهما، ما يشير إلى استمرار الحرب الباردة بينهما وبين الولايات المتحدة التى تصفهما بالـ»عدوتين»، ما يضع العالم على شفا مخاطر ليست بعيدة الوقوع عن نفاد صبر الصين التى حذر «بونابرت» قبل نحو قرنين من الزمان من أن استيقاظها سوف يهز العالم.
End of current post