حول بناء الإنسان المصري!

حول بناء الإنسان المصري!
محمد بكري

محمد بكري

10:30 ص, الأثنين, 31 مايو 21

طالعتنا الصحف بتصريح رئيس الوزراء بتوجيهات الرئيس السيسى لبناء الإنسان المصري.

ذكرت بمقالى (من كبارى الأرض لجسور العقل) فبراير 2021 (وكما وُجدت مخططات للطريق الجديد، فحتمًا يوجد للعقل الجديد)، واقترحت بناء جسور لجُزر العقل المصرى المنعزلة؛ أسوة بطفرة كبارى ومحاور الأرض، حيث (نجح طريق مصر الجديد، لأن لدينا إحداثيات الأرض والعوائق ومواطن الضعف والاختناق، أما جسور الناس فمرجعها رؤاهم وحصتهم من المصالح، وسؤالي: هل لدينا إحداثيات الجُزر المنعزلة للعقل المصري، لدرجة الربط بينها؟).

نستبشر خيرًا بتوجيهات قيادة الرؤية لبناء الإنسان المصري، فمعناها بزوغ أوان تنميته وتطويره ونهضته، لتصدق مقولتى بالمقال (فكرتى تحتاج لرؤية وقرار جريء بإنقاذ العقل المصرى لمصلحة المكان، وإلا عُمّرت جنة لغير أهلها!)، كما ورد بمقالى «تحرير دخل الفرد» مايو 2021 (فتحرير دخل الفرد، سيكون مشروعًا لمعنى جديد للفرد، يستهدف معالجة أُسس تكوين وعيه وقيمه ومعلوماته وسلوكه، ليثمر تحرير وعيه الجمعى بمشاكل مجتمعه وتنميته ودور الدولة ودوره شخصيًّا بنهضتها، لينعكس حتمًا بنوع وجودة عمله، وبالتالى دخله بمنظومة العرض والطلب الجديدة، قد يبدأ ذلك بإطلاق مشروع قومى للمصرى الجديد، مدته 20 سنة موازيًا للنظم الجارية، فالأمل بتبنّى نُظم خبيرة تستهدف التنظيم البشرى لمواجهة المستقبل).

التوجيه ببناء الإنسان المصري، معنى ومسئولية خطيرة جدًّا، لجواز زعم بعض الخبثاء أن البناء للماحي، وعليه فلا وجود للإنسان المصرى حاليًّا! أو المقصود بالبناء إعمار المنقوض، وأيضًا فالموجود حاليًّا محتاج تنكيس! ولكن قبل تكالب الجهات الحكومية الحالية لتنفيذ «التوجيهات» بميزانياتها ومخصصاتها وبرامجها ومميزاتها، دَعونا نفصل بين أـ إنسان نحتاج لبنائه، وب- مصر جديدة تحتاج لإنسان مصرى جديد، وج- مصرى حالى يحتاج لتنكيس شامل! التوجيه جوهرى وحرِج لأنه (عام مجرد) دون ضوابط للسن أو الإقامة أو الديانة أو الوظيفة، ولمساسه بمفهوم هوية الإنسان، أى فكره وقيمه وسلوكه وانتمائه.

للبناء المحترف طابع ثم نُظم فتجهيز، والأهم غاية، وتوظيف المبنى لهدف طويل المدى. بناء الإنسان لن يكون بإنشاء صندوق سيادى أو إرشادات ملصقة أو تعليمات كالمرور وكورونا، أو تنازع اختصاص الوزارات المعنية! فالتوجيه الرئاسى يتضمن إشارة لكون الكيانات الخادمة للإنسان المصرى الحالى غير كافية لتأهليه لمصر الجديدة! وعليه فمن المنطقى ألا يكون المتسبب فى الاحتياج للبناء هو نفسه البانى للجديد!

التوجيهات الرئاسية تنطلق من جُعبة رؤية وتخطيط إستراتيجى لصورة حقيقية لمصر القرن 21، الخطورة فى الانتقال من الرؤية للتوجيه، للتنفيذ! وتنفيذ التوجيهات طبيعى يمر خلال القنوات الحكومية، المتخمة بالملفات والقضايا والأزمات المنشغلة بإرث الماضى وصراعات الحاضر ونتؤات الـ10 سنوات المقبلة.

المشكلة الحقيقية بجينات الجهاز الإدارى من 60 سنة، المحكومة بمفاهيم وسياسات وأشكال نتائج معينة، تفتقر للابتكار والتجديد والتحديث! ليتمخمض بناء الإنسان الجديد عن دور بمبنى فاخر، بطقم إدارى أنيق ورواتب خرافية، وسلسلة مؤتمرات وكتيبات شاحنة، معززة بحملة إعلانية وإعلامية محترمة وملصقات شوارعية وبروتوكولات وسفريات لدول العالم كيف بنوا ناسهم واحتمال فرض رسم جديد لبناء الإنسان المصرى مع تنمية موارد الدولة.. ودمتم! الرابح الوحيد الطاقم الإدارى وجميع مقدمى الخدمات… إلخ، لكن أين البناء والإنسان المصري؟!

أبعاد الموضوع أخطر! فهل أسس البناء ستكون دينية أم علمانية أم (مصرية)؟ (وهو ما سيعكس بهوية وأفكار وقيم البانى أو المشترك بالبناء)، ما العناصر المستهدفة للبناء بالإنسان، هل فكره ومناهج تفكيره واعتقاده؟ هل البناء سيستدعى تنظيف الفاسد والمُشتبه ونزح التالف وما قد يؤدى لتصفية منابع الشر (إذا كان شرًّا فعلًا)؟ أم سلوكياته، وتصفية كل الانماط المُشتبه بها ومتخذها قدوة فاسدة؟ هل بناء ثقافته، بتعليمه حقيقة حريتى الرأى والاختلاف واحترام الآخر واحترافية البحث ومفهوم وأهمية تطوير الذات… إلخ؟

تزخر مصر بعقول متفردة بجميع المجالات، وقادرة لبناء منظومة تأهيل الإنسان المصرى الحقيقى لمصر الجديدة، عقول ليست بالضرورة رسمية أو حاملة ألقاب أو حائزة الرضا الحكومي، فهل سيكون التوجيه الرئاسى دعوة حقيقية لاستنفار هذه العقول لتكليفها بأول هيئة حكومية تتبع ديوان رئاسة الجمهورية مباشرة، مهمتها (رؤية وإستراتيجية ومنهج وطرق وآليات بناء الإنسان المصري)؟

أتصور تكليف الهيئة بمحاور، مراجعة رؤية مصر القرن 21/ مواصفات المصرى المطلوب لمصر الجديدة/ القيم والفكر والسلوك المتناسب مع ميراث مصر ومستقبلها للعالمية/ الخروج من معضلة الدولة الدينية أم العلمانية، بنحت الدولة المصرية الوسطية/ صياغة مناهج وسياسات الدولة لترجمة المحاور السابقة بالتعليم والإعلام والتدريب وسلطات الدين/ مقارنة مخرجات ما سبق مع الجاري، لمعرفة حجم المصيبة الحالية، وتحويل الخوف لوعى حتمى بالإصلاح/ تقسيم المصرى الحالى لفئات عمرية من 22 لـ45، بعمل تصحيحات موضوعية تدريجية، بمنهجية التعليم والدين ورسالة الإعلام والمحتوى الثقافى والإعلامي.

إن الطبيعة البحثية المستقبلية للهيئة ستطبعها بطابع المشروع القومى بلا إبهار أو دعاية، لكن مخرجاته دراسات، خارطة طريق، مناهج، أوراق عمل، خطط تنفيذية، سياسات وقرارات تفعيلية. بل أتصور أن تُعزز الهيئة بحكومة ظل- إن جاز التعبير، تعمل تدريجيًّا بالتسيق مع الحكومة على الجاري، لحين إحلال وتجديد الجيل الجديد للأجيال المهترئة الحالية.

توجيه الرئيس السيسى يبشر بالأمل، بشرط ألا يكون طول تنفيذه من المُهلكات!

* محامى وكاتب مصرى

‏bakriway@gmail.com