من بعد تناوب الإمبراطوريات القديمة إلى الحكم العربى، فقد تعاقب العثمانيون قرونًا على الفلسطينيين (مديرية فلسطين)، قبل أن يحتلهم الإنجليز (1917 تحت الانتداب) إذ يمنحون فيما لا يملكونه (وطن قومى لليهود) لمن لا تستحقه الصهيونية الدولية، التى تناوبت لقرون- كالتابع الذليل- استجداء القوى الأكثر انكشارية فى العالم تباعًا.. من أجل انعتاق «اليهودى التائه» من سيكوباتيات الشتات، كما فى سبيل تعظيم الاحتكارات المالية الصهيونية، مقابل العمل «قرة قوز» للإمبرياليات المتتالية، وليس آخرًا لفصل مشارق العالم العربى عن مغاربه.. سطوًا على دور مصر الحيوى فى محيطها المنظور لئلا تقوم له قائمة مرة أخرى، وليتشتت الفلسطينيون من ثم فى 1948 – لسبعين عامًا- إلى الآن، إما تحت الاحتلال فى أرض إسرائيل أو فى الضفة الغربية منذ 1967، أو ما بين مخيمات اللاجئين فى الجوار العربى، كما إلى وجع ومذلات الغربة فى مختلف بقاع العالم، إلا أنهم حافظوا رغم ذلك على هويتهم من الاندثار، محققين إحدى أعلى نسب التعليم فى العالم، فيما يتزايدون ديموغرافيًّا، مستمسكين فى الوقت نفسه بالبندقية فى اليد، أو بالحجارة بديلًا إذا عزّت الوسيلة لمقاومة آلة الحرب الجهنمية فى إسرائيل، ليس دفاعًا عن وجودهم الإنسانى فحسب فى مواجهة الاستيطان الصهيونى، بل أيضًا للدفاع كنسق مباشر ضد التوسع الصهيونى من «النيل إلى الفرات»، حيث لم يفتَّ فى عضدهم سخف تخلخل الالتحام الدفاعى والسياسى إزاء الأخطار المحيقة بالمنظومة العربية من جانب خصومها التاريخيين، إذ يبقى للرأى العام العربى والفلسطيني، ربما بالمخالفة لبعض الحكام، الكلمة الفصل لإجبار إسرائيل على التخلى الصهيوني- كضرورة- مقابل الاعتراف بها كدولة طبيعية بجانب دول الجوار العربى، وهى المعركة التى تدور لسبعين عامًا بلا انقطاع بين إسرائيل وأصحاب الأرض الأصليين، إذ يتوقف على أعتابها الاتفاق من عدمه بشأن كيفية الشروط النهائية للتسوية.. التى تشهد بدورها تحولًا رئيسيًّا من اعتماد السلاح كوسيلة للتسوية بينهما بالمطلق.. إلى اتجاه تجريبهما الآليات الانتخابية الديمقراطية بديلًا عن العنف، وعلى النحو المشهود مؤخرًا على ساحتيهما، ما قد يحمل مؤشرات غير مسبوقة نحو المستقبل، خاصة من بعد أن أفرزت المواجهات بالسلاح بين بعضهم البعض، بلا غالب أو مغلوب بصفة نهائية، إلا أن الاحتكام إلى الديمقراطية الانتخابية يشهد على الجانبين- مع الفارق- شيوع الخلافات والانقسامات الداخلية، سواء فى صفوف قوائمهما الانتخابية أو بالنسبة للنتائج المتوقعة عنها، خاصة لما يتصل برؤاهما لمستقبل العلاقات الفلسطينية- الإسرائيلية، ذلك من حيث انقسام حركة «فتح»- كبرى الفصائل الفلسطينية- بين ثلاث قوائم انتخابية متنافسة، فضلًا عن صراع موازن بين أبومازن- البرغوثى حول منصب الرئيس، فيما يتقدم التيار الإسلامى «حماس» بقائمة موحدة انتخابية، هذا بخلاف توزع «اليسار» على العديد من القوائم (..) كما يتفق المستقلون على قائمة تضم اقتصاديين وأكاديميين وأسرى، الأمر الذى يشجع إسرائيل لتوظيف الانقسام الفلسطينى للنحو على المزيد من المراوغة بشأن التسوية النهائية، إلا بشروطها، لولا أن انقسامات مشابهة على الجانب الإسرائيلى، تجعلهما فى الهم شرقًا كما يقال، سواء بين «الرئيس» وحزب «الليكود» تتضمن «هجوم منفلت» على المنصب الأول، كما إلى خلافات بين الأحزاب حول هوية المرشح لرئاسة الحكومة، إذ يتهافتون على المقاعد العربية بالكنيست لتأمين «حصة الائتلاف» المطلوبة.. إلخ، بحيث باتت إسرائيل قوة مأزومة داخلية يمكن وصفها بالعجز عن شن الحرب، أو صنع السلام، خاصة مع تغيرات فى الإدارة الأميركية الجديدة، مقارنة بانحياز الإدارة السالفة إليها، ناهيك عن التصدعات والتوترات الاجتماعية والطائفية التقليدية والمستجدّة، وإلى ارتباك الاصطفافات السياسية المألوفة والجديدة.. وما ينتج عنها من إسقاطات الذهاب إلى أربع جولات انتخابية خلال أقل من عامين، ذلك دون استثناء المواقف المركزية القائمة للجانبين بشأن سائر أزمات وقضايا المنطقة، فى صدارتهما المسألة الفلسطينية فيما قد يطلق عليه معضلة «حل الدولتين» لأمتين مأزومتين تاريخيًّا
شريف عطية
8:09 ص, الأحد, 4 أبريل 21
End of current post