تسعى حكومة بكين لإغلاق حوالى 40 ألف محطة توليد طاقة كهرومائية رغم أنها تبذل جهودا مكثفة لجعل اقتصادها الضخم يعتمد على الطاقة المتجددة بعيدا عن الوقود الأحفورى مثل البترول والفحم لتحقيق أهدافها الطموحة المرتبطة بالحياد الكربونى بحلول عام 2060.
وتعتزم الحكومة الصينية وقف العمل فى بناء سدود جورجيز الثلاثة العملاقة على نهر يانجتسى أكبر أنهار الصين ضمن خطتها لإلغاء العمل فى محطات الطاقة الكهرومائية المبنية على حوالى 40 ألف سد منتشرة فى أنحاء البلاد بسبب مشاكل بيئية ولأن الطاقة التى تولدها غير كافية ولم تعد لها جدوى اقتصادية.
ارتفاع تكاليف هدم السدود وإلغاء المشروعات
وهناك مشاكل تتعلق بتكاليف إلغاء المشروعات غير المرغوبة وإغلاق محطات الطاقة الكهرومائية وإزالة السدود ولاسيما الضخمة منها حيث تعانى مقاطعة «زوزى» مثلا فى منطقة «شانكسى» فى الشمال الغربى من ديون بقيمة 100 مليون يوان لإحدى الشركات التى وافقت على هدم ثلاث محطات لتوليد الطاقة الكهرومائية بخلاف 26 محطة أخرى تحتاج للإزالة، حيث أن إير ادات حكومة هذه المقاطعة بلغت خلال النصف الأول من العام الماضى حوالى 135 مليون يوان فقط.
وذكرت وكالة اسوشيتيدبرس أن حكومة الصين تبنى سدودا كبيرة وصغيرة ، منذ أن كان الرئيس الراحل ماوتسى تونج يشجع العمال خلال خمسينات القرن الماضى على غزو الطبيعة، بمعدلات مرتفعة لتوليد الطاقة وإنقاذ القرى من الفيضانات المدمرة وتوفير المياه للحقول الزراعية، والماء النقى للسكان فى المدن والريف.
سياسة فوضوية فى بناء آلاف السدود
ولكن هذه السدود العديدة الناتجة عن هذه السياسة الفوضوية باتت أصغر من أن تولد الطاقة بالحجم المطلوب بينما أصبحت سدود أخرى لا عمل لها وباتت خزاناتها مليئة بالطمى فقط لأن أنهارها أصابها الجفاف كما يقول وانج يونج شين مؤسس جمعية متطوعى الأرض الخضراء وهى منظمة غير حكومية مقرها العاصمة بكين تستهدف حماية الأنهار والذى أكد أن العديد من الصينيين كانوا يعتقدون لمدة طويلة أن مجرد جريان ماء النهر بدون فائدة مضيعة له ويجب حجز المياه وراء السدود للاستفادة منها.
ويتمتع عدد صغير من المشروعات بدعم واهتمام من حكومة بكين ولاسيما مشروع «موشيكو» الذى يدخل ضمن «الحزام الثقافى» لنهر يونج دينج والذى تم ملء خزانه بالمياه ليس من النهر ولكن من مشروع حكومى بتكلفة 4 مليارات دولار لتحويل المياه من النهر الأصفر ثانى أكبر نهر فى الصين لاستعادة الحياة الطبيعية والنظام البيئى .
وينتقد وانج يونج الحكومة الصينية لإنفاقها أموال طائلة على حل مشاكل سطحية مثل جعل النهر يبدو بشكل أفضل، لكنها لاتهتم بعلاج النظم البيئية التى أصابها الدمار بسبب مشاريعها التى لم تخطط لها وأنها مازالت تحل مشاكل نهر ما بالضغط على نهر آخر مما يسبب ضررا لهذا النهر وللحياة البيئية المحيطة به.
تحويل أشهر مشروعات محطات الطاقة الكهرومائية لمزار سياحى
وتحولت أشهر مشروعات محطات الطاقة الكهرومائية المبكرة الواقعة فى ضاحية موشيكو غرب بكين إلى مزار سياحى وبات عمال هذه المشروعات مشغولين فى رصف الطرق وتجميل البيوت والحدائق فى هذه المنطقة الجديدة القريبة من محطة موشيكو المهجورة.
وكانت محطة موشيكو التى تم بناؤها فى عام 1956 لتوليد 6 آلاف كيلووات فى مركز شيجينج شان الصناعى بمدينة بكين أول وأكبر محطة كهرومائية ومصدر فخر الجمهورية الشعبية الجديدة مبنية على ترعة فرعية لنهر يونج دينج الذى يطلق عليه النهر الأم لأنه المصدر الرئيسى لمياه الشرب لسكان العاصمة ولكن المياه باتت شديدة التلوث خلال تسعينات القرن الماضى.
بناء أكثر من 80 سداً فى منطقة بكين
ورغم بناء أكثر من 80 سدا فى منطقة بكين وحدها إلا أن العمل توقف تدريجيا فيها ولاسيما فى محطة موشيكو بسبب استمرار الجفاف فى شمال البلاد وتزايد الطلب على المياه من القرى المجاورة التى شيدت حواجز على النهر الذى يغذى المحطة لتوفير مياه لرى أراضيها الزراعية حيث بات النهر خلال العشر سنوات الماضية جافا لمدة تصل إلى 316 يوما كل عام .
وقال جين شينج جيان (60 سنة) والذى عاش طوال حياته فى منطقة شيجنج شان إن المناخ تعرض لتغيرات شديدة خلال السنوات الماضية لدرجة أنه بعد أن اعتاد فى طفولته وشبابه العوم فى الترعة المتفرعة من نهر يونج دينج بالقرب من محطة توليد الطاقة، لم يعد يستطيع النزول إلى هذا النهر الذى باتت المياه فيه الآن شحيحة وملوثة ومليئة بالقاذورات.
أما سد ويزشوى الذى بنى فى عام 1980 وبلغ طوله 68 مترا واستغرق حوالى ست سنوات لاستكمال العمل فيه، فإنه لم يتم تشغيله بسبب التصميم السئ وظهور عيوب خطيرة فيه لدرجة أنه معرض للانهيار فى أى لحظة مما جعل الحكومة تغلق الطرق المؤدية إليه.
استمرار موجة بناء السدود فى الصين حتى 2017
واستمرت موجة بناء السدود فى الصين ليصل عدد محطات توليد الطاقة الكهرومائية إلى أكثر من 24 ألف محطة مع نهاية عام 2017 مبنية على نهر يانجتسى أطول أنهار الصين والذى يطل عليه أكثر من 10 أقاليم، ولكن هناك 930 سدا على الأقل مبنية دون مراعاة للنواحى البيئية والحياة فى بيئات هذه المناطق المبنية فيها هذه السدود.
وأعلن وزير الموارد المائية فى الصين أن سدودا عديدة تواجه تهديدات خطيرة للأمن والسلامة ولاسيما أثناء الفيضانات الصيفية حيث انفجر 3515 خزان مياه خلال الفترة من 1951 إلى 2011 ومنها سد بانكياو فى مدينة هينان والذى تعرض للتدمير مع 61 سداً آخر بسبب ألأمطار الغزيرة فى أغسطس 1975 والتى تسببت فى انهيار هذه السدود ومصرع حوالى 240 ألف صينى.
ومازالت السدود تنهار فى المنطقة فقد تسببت الأمطار الغزيرة فى بداية هذا العام فى سقوط سدين فى منغوليا ولقى 300 شخص مصرعه خلال الصيف الحالى، وفى منطقة هينان حذر الجيش من انهيار السدود فيها فى أى لحظة.
السدود الضخمة وخزاناتها تسبب تدمير للبيئة
وتعرضت السدود الضخمة وخزاناتها لانتقادات شديدة نتيجة تدميرها للبيئة فقد غيرت مسار تدفق مياه الأنهار وتسببت فى أضرار جسيمة للحياة النباتية والحيوانية وأثرت على هجرة الأسماك وتوالدها مما أدى إلى اختفاء أنواع عديدة منها وجفت مياه العديد من روافد نهر يانجتسى منذ الانتهاء من بناء سدود جورجيز الثلاثة فى عام 2006 والتى استغرق العمل فى تشييدها عشرين سنة.
ومازالت حكومة الصين تواصل بناء السدود الضخمة ومنها مشروع منطقة بايهيتان لتوليد الطاقة الكهرومائية والذى افتتحه هذا العام الحزب الشيوعى فى موعده بمناسبة مرور 100 سنة على إنشائه قررت الحكومة لأول مرة عدم بناء سدود صغيرة فى هذه المنطقة لحماية البيئة برغم أنها مازالت تنفذ خطتها الخمسية ال 13 التى بدأتها عام 2016 لبناء سدود ومحطات طاقة كهرومائية.
وعندما زار الرئيس تشى منطقة يانجتسى وجبال كينلين فى الشمال الغربى وطالب بحماية أفضل للبيئة انطلقت حملة قومية لهدم أو تحسين 40 ألف محطة صغيرة لتوليد الطاقة الكهرومائية كما ذكر ما جون مدير معهد الشئون العامة والبيئية الذى اعترف بأن أنهار الصين تعرضت لإفراط فى الاستغلال على مدار عشرات السنين من بناء السدود عليها بدون أى تخطيط سليم.
مؤيدو الطاقة الكهرومائية يطالبون بمزيد من السدود للحماية من الفيضانات المدمرة
ولكن المؤيدين للطاقة الكهرومائية يطالبون ببناء المزيد من السدود لمساعدة البلاد فى الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة والتخلص من الوقود الأحفورى الذى يسبب تلوث للهواء فى جميع المدن الصناعية فى الصين، ويرى زانج بوتينج نائب الأمين العام لجمعية هندسة الطاقة المائية أنه يجب إزالة محطات الفحم وإلغاء مشروعات الفحم الجديدة والتركيز على محطات الطاقة الكهرومائية من أجل تحقيق هدف الحياد الكربونى.
واجتاحت مياه الفيضانات المدمرة منذ يوليو الماضى وحتى هذا الشهر وسط وشمال الصين ليرتفع ونسوبها إلى 3.5 متر فى بلدة ليولين بمقاطعة هوبى وسط الصين ومقاطعة خنان فى شمالى الصين وتسببت فى مصرع أكثر من 300 شخص.
والفيضانات الموسمية أمر معتاد فى الصين ولكن هذه العام يبدو الأمر مختلفا للغاية، حيث هطلت أمطارا غزيرة على عدة مناطق بالبلاد خلال أيام بما يعادل متوسط سقوط الأمطار خلال عام كامل لتؤدى إلى أضرار لحقت بحوالى 8 آلاف شخص وخسائر بأكثر من 14 مليار دولار.