ما بين أقصى اليمين ويسار اليمين المتحالف مع الوسط.. تشكلت الحكومة الإسرائيلية – بعد لأى – بالمشاركة بينهما من بعد مضاربات حزبية وأيديولوجية دامت نحو العام، أودت بالدولة إلى حالة فراغ سياسى إلا من تصريف حكومة «نتنياهو» الأعمال دون مباشرة أو معالجة القضايا الرئيسية باستثناء المضى فى المراوغة عن تسديد مستحقات التسوية السياسية مع الفلسطينيين، المجمدة منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، إذ تخشى إسرائيل من سلبية توابع السلام النهائي- دون شروطها- على مكونات نسيجها الموزاييكى الهش من أن يتفكك جراء ما تمور به الدولة من توترات طائفية واجتماعية وعرقية.. إلخ، يحميها من الانفراط الإبقاء على التوحد الشعبى إزاء تهديدات خطر خارجى حقيقى أو محتمل.. تحول بين المشروع الصهيونى وتحقيق غاياته العليا (..) إذا ما حصل الإلتحام السلمى بديلاً عن الخطر الأمنى المفترض، ما يضع الرأى العام والحكومة الممثلة لأطيافه بين اختيارين، إما الاستمساك بالهروب من السلام إلا بشرط «ضم الأراضي» المحتلة إلى الدولة الصهيونية الكبرى، بحسب رؤية اليمين المتشدد (التوراتي)، وإما بمواجهة تحديات السلام من خلال «حل وسط إقليمي» يحبذه المجتمع الدولى وأنصار السلام، غالبيتهم من اليسار ويسار اليمين الإسرائيليين، لكن دون أن يعنى ذلك التباين بين الاختيارين.. تشارك رأسا الحكومة- حزبا الليكود والجنرالات- فى مواجهة العرب الفلسطينيين إما بالرصاص أو السم أيهما أقرب وأجدى، ومن خلال العزف على أوتار مشاعر مجمل الرأى العام – الموصوفة من قبل خبراء إسرائيليين فى الاجتماع السياسي- بالفزع والسيكوباتية، بحيث يتسابق رموز من رأسي الحكومة فى استرضاء جماهيرهما عن أيهما الأكثر قسوة فى إبادة الفلسطينيين، حتى إن أحد الجنرالات السابقين (..) يتباهى برؤيتهم عند القتل.. «والشرر الأبيض يتطاير من أحداقهم فزعاً»، أى أن رأسي الحكومة غير معنيين بالسلام الحقيقى العادل بقدر تباين الرغبة بينهما فى اقتناص أفضل السبل لبناء «إسرائيل الكبرى»، ما يدعو حزب الجنرالات (كحول لفان)- للمفارقة على سبيل المثال- لمحاولة التحالف مع «القائمة العربية» (14 نائباً تشكل ثالث الكتل الانتخابية فى الكنيست) حين سعى لتشكيل الحكومة بمفرده، قبل أن يتراجع عن هذا الائتلاف المزمع وقتئذ.. أمام اتهام منافسيه من حزب الليكود له «بالتحالف مع الإرهاب»، وإلى الفشل من ثم فى ضم نواب عرب إلى الحكومة الإسرائيلية لأول مرة فى تاريخ الدولة السياسى منذ إنشائها 1948، لكن ليس إلى ما لا نهاية إذ يظل السجال حول السلطة قائماً للتوصل إما إلى «حل الدولتين» المستقلتين أو نحو «دولة ذات نقاء يهودي»، بين ضم الأراضى «المدارة» أو بين الحل الوسط الإقليمي، أو إلى كيان فلسطينى «غير موصول» أشبه بالكانتونات والبانتوستات وسط زخم من المستوطنات الإسرائيلية، الأمر الذى طال الحسم بشأنه لنحو سبعة عقود فيما تتكسر خلالها النصال على النصال، وما زالت المعركة مستمرة فى إطار حكومة باتت ذات رأسين.. لا يتوانيان حال حانت فرصة إجراء انتخابات نيابية رابعة خلال العام المنصرم، ليشكل أحدهما حكومة خالصة تنفذ أجندة هذا الحزب أو ذاك، إذ يراهن اليمين الليكودى (نتنياهو) على استمرار التحالف مع اليمين الشعبوى الأميركى (ترامب)، بهدف التمكن من ضم المزيد من الأراضى المحتلة لإسرائيل، فيما يحذر حزب الجنرالات من مغبة أن تؤدى سياسة شريكه الحكومى للمزيد من العزلة الإقليمية والدولية، كما إلى مخاطر نشوب انتفاضة فلسطينية ثالثة إذا ما وصل اليأس بالفلسطينيين إلى منتهاه، خاصة مع اتجاه حركتى «فتح» و«حماس» للسعى إلى برنامج سياسى مشترك، فضلاً عن توجس حزب الجنرالات من ظرفية التحالف الوقتى بين الليكود والبيت الأبيض فى ظل تقدم الديمقراطيين فى الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، إذ لا يختلف المتنافسان الأميركيان على الرئاسة فيما يتصل بممانعتهما ضم إسرائيل لأراضى من الضفة إليها، ما يتفق مع رؤية حزب الجنرالات فى هذا الشأن.. باعتبار أنه ليس هناك تاريخ مقدس لذلك الضم.. إلا من دولة إسرائيل وأمنها- هو المقدس، فضلاً عن إلغاء رئيس الحزب «جانتس» قراراً سابقاً من الليكود بتجميد بنوك فلسطينية، كخطوة ذات مغزى للتقارب مع الفلسطينيين، ولتهدئة غضبهم من اعتقال رئيس الحكومة لكل من محافظ القدس ومدير مخابراتها الفلسطينيين، واصفين القرار بأنه «تأكيد لعقلية العصابات التى تحكم دولة الاحتلال، الضاربة بعرض الحائط كل المواثيق والأعراف الدولية».. ناهيكم عن أن صدور قرار إسرائيل المحتمل بضم غور الأردن إليها بات متداولاً، لا ينقصه غير توافقات مع الإدارة الأميركية، ومع المؤسسة الأمنية العسكرية، ومع «جانتس» شخصياً، تطال الشكل قبل المضمون والتوقيت والمبدأ، إذ ثمة من يتوقع، فى حال صدر قرار الضم، وفى ضوء الضعف الفلسطيني، وبالتوازى مع بناء «إسرائيل الكبرى»، تهجيراً واسعاً للفلسطينيين إلى الأردن.. يخل بالتوازنات فى داخله، إلا لو انتعشت الجهود نحو «حل الدولتين».
خلاصة القول، إن إسرائيل التى تدير مقاديرها حكومة ذات رأسين.. ليس من المؤكد استمرارها بالسلطة فى ظل تنافس فريقيها المتناطحين أيديولوجيا، وبشأن مستقبل الأراضى المحتلة منذ 1967، وبانتظار انتخابات جديدة قد تمتد بحالة الفراغ السياسى القائمة منذ نحو عام، فيما الأحداث تتطور بشكل دراماتيكى على الصعيدين الإقليمى والدولى، بما قد لا يكون لصالح القضية الفلسطينية المحاصرة بين السيكوباتية الإسرائيلية والهشاشة العربية.