حروب وحملات التلاعب بالأديان لأغراض سياسية فى مثل هذه الأيام قبل قرن ونيف، فى أعقاب الحرب العظمى، احتلت بريطانيا مدينة القدس، ليعتلى الجنرال لورد «اللنبي» أحد تلالها ويعلن من فوق صهوة جواده «الآن انتهت الحروب الصليبية»، تلك التى توالت حملاتها منذ مطلع الألف الميلادية الثانية بين كرّ وفرّ مع العالم العربى الإسلامى، التى وإن كانت قد انتهت وفقا لمفهوم القائد البريطانى.. إلا سرعان ما استأنفت- بوتيرة أخرى- بموجب «وعد بلفور» 1917.. إيذاناً بتدفق موجات الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ضمن تحالف غير معلن بين العهدين القديم والجديد بالكتاب المقدس من ناحية، كما وفق صفقة سياسية من ناحية أخرى بين الرأسمالية الاستعمارية الاحتكارية الغربية والصهيونية الدولية، سيان بسيان، ولتصبح إسرائيل منذ زرعها 1948فى قلب الأرض العربية الإسلامية، قاعدة عسكرية وسياسية ثابتة للغرب (المسيحي)، حيث تبودلت الحروب بين الجانبين حتى منتصف السبعينيات، قبل مباشرتهما من القمة مسيرة سلام بارد لا ينبع من الجذور، فيما أخفقت الوحدات السياسية العربية من جانبها- فى التوفيق بين «القومية» و«الإسلاموية» جراء الغيرة السياسية فيما بينهم، ما خلق وضعية غير مألوفة اتسمت بالخلل بين طرفى النزاع العربى – الصهيونى، خصماً من المشروع التنموى النهضوى العربى، وإضافة إلى رصيد ما يسمى مجازاً بالحملات الصليبية- الصهيونية المتصلة لنحو ألف عام سابق من الزمان، ما أصبح معه العالم العربى- الإسلامى فى حالة اللا سلم واللا حرب السائدة اليوم.. عاجزاً عن شن الحرب أو بناء السلام، إلا من حالة الخلل واللا استقرار التى مهدت المناخ لشيوع منظمات الإسلام الراديكالى تطرق بالعنف كلا من العالمين العربى والغربى، سواء بسواء فيما تمضى إسرائيل فى إبادتها العنصرية «للأغيار» توطئة لبناء حلم الدولة الصهيونية الكبرى «من النيل للفرات»، حتى ولو أدى بها الأمر إلى التمرد على صنائعها الغربيين.. الذين لم يدر بخلدهم أثناء ثأرهم المقدس من الإسلام.. (الأندلس.. شبه الجزيرة الأيبيرية- جنوب فرنسا- غزوات بنى عثمان) أن تنسلخ إسرائيل عن سياقها الأوروبى لتكون طوع بنان الصهيونية الأميركية (المسيحية- الصهيونية)، وعلى النحو الذى لم يخطئه الرئيس بوش حين وصف الغزو الأميركى للعراق 2003 بالحرب الصليبية، وبحيث باتت الغايات العليا للصهيونية- فى معية الانحياز المطلق الأميركى- هى البديل المستحدث لاستئناف الحملات الصليبية التى توهم اللورد «اللنبي» نهايتها قبل قرن ونيف، ومن دون أن يدرى أن السحر قد ينقلب على الساحر حين يصبح الأوروبيون ضائعين وتائهين من تدفق المهاجرين على شواطئهم عبر بلدان شمال أفريقيا وعبر تركيا ومن مياه المتوسط، ما يشكل لهم تحدياً رئيسياً على المستوى الأمنى والسياسى والاجتماعى، ناهيك عن الصعوبات الثقافية والأعمال الإرهابية التى ضربت مدنهم وعواصمهم، ذلك بالتزامن مع صعيد آخر مواز للقوميات الرئيسية فى الجانب الإسلامى من عرب وترك وفرس، إذ هم فى حالة تنافس أقرب ما تكون إلى العداء فيما بينهم، ولصالح العبرانيين داخل الإقليم، وامتداداته إلى خارجه، فيما القدس التى تراوح مصيرها ما بين الحملات الصليبية الغابرة والمتجددة من ناحية.. وبين الفتوحات الإسلامية من ناحية أخرى، إذ بها تنشطر اليوم إلى نصفين، يقف المحتل الإسرائيلى- فى معية الأميركى- ليحكم تقسيمها بين المسلمين والمسيحيين، كالمرابى «شايلوك» فى رائعة شكسبير «تاجر البندقية»، إذ يقضم من الغنيمة قطعة تلو الأخرى، وباسم الصهيونية الظرفية المضادة للرب والأديان، ذلك فى غضون قرون متوالية من حروب وحملات التلاعب بالأديان لأغراض سياسية
End of current post