حروب محتملة عن انقلابات عالمية غير منضبطة

حروب محتملة عن انقلابات عالمية غير منضبطة
شريف عطية

شريف عطية

6:58 ص, الثلاثاء, 6 أبريل 21

هل للنظام الدولى من سبيل ينأى به عن صراعات قواه العظمى الثلاث، ومن فى فلكهم، تكاد أن تتحول بالعالم من معاصرة حالة السيولة لعقودٍ خلت إلى حالة غازية خلف حواجز زجاجية لا تخفى ما يتسرب خلالها من فيروسات مميتة تهدد مخاطرها مجمل الكوكب البشرى «مساميّ الحدود»، ذلك فيما تتسم حدّة التنافس العالمى بين كل من الولايات المتحدة والصين وروسيا، وفق تعبير مراقبين إستراتيجيين، بـ»الحرب الهادئة» أو «السلام الساخن»، لربما تتحول فى ظل انقلابات عالمية وإقليمية غير منضبطة إلى حروب مشتعلة، بالوكالة أو مباشرة، بين قوى تملك أضخم ترسانة من أدوات القتال الجهنمية، إلا حال العمل السياسى نحو بناء كتلة رابعة «موازنة» تنحاز فحسب إلى قيم العدل الإنساني، ولا تحيد عن مواجهة الظلم المجتمعي، ولكن أين النظام الدولى المنفلت مثل هذه الكينونة السياسية لمعادلة كفتى الميزان بين طغيان هيمنة الكبار.. وبين الدعوة الصارمة لمقتضيات الحكمة فى جبهة دولية متحدة، ربما أقرب إلى كتلة «عدم الانحياز» التى سبق أن انحسر زخمها بغياب مؤسسيها، نهرو- ناصر- تيتو، ورفاقهم، ذلك لو توافر للجبهة الدولية المفترضة قيادات عالمية على نفس الغرار الذى باتت من الندرة بمكانٍ تواجدُها، إذ لأمكن وقتئذ أن تكون بمثابة رأس حربة لمسيرة التوازن النهضوى الدولى المنشود، وفى الحيلولة دون اشتداد الصراع بين القوى الكبرى بعضها البعض، وعلى النحو السائر المشهود منذ العقد الأخير، حيث تقفز الولايات المتحدة إلى المحور الآسيوى فى إطار منافستها للصين، لمحاصرتها فى محيطها الحيوى بالقرب من تايوان وهونج كونج وبحر الصين الجنوبى.. إلخ، ذلك بينما تسعى الصين فى المقابل إلى توسيع نفوذها بالتعاون الإستراتيجى مع إيران، كما فى البحث عن شركاء آخرين محتملين فى الشرق الأوسط.. كالسعودية والإمارات وتركيا.. ومع إسرائيل التى تشعر واشنطن بالقلق إزاء تسارع تعاونها التقنى والاقتصادى مع بكين، الأمر الذى يتقارب مع نفس إستراتيجية روسيا- المستهدفة مع الصين- من جانب الولايات المتحدة، ما سوف يؤدى إلى تغيير موازين القوى فى آسيا والشرق الأوسط، ناهيك عن أوروبا التى فى حالة تأزم جيوسياسى بين الضغوطات الأميركية.. والاستثمارات الصينية، إذ مع الإلحاح الأميركى للفوز بحلفاء جدد فى خصومتها مع الصين، فمن غير المستبعد للاتحاد الأوروبى فى ضوء تفعيل «الأطلسية المتجددة».. مشاركة الولايات المتحدة فى اعتبار كل من روسيا والصين (وإيران) عناصر تهديد للنظام العالمى الراهن (مؤتمر ميونخ للأمن) الذى واجه روسيا من خلاله بموقف غربى حاد، إذ يرى فى عودتها للدخول إلى الشرق الأوسط.. قوة عالمية صاعدة غير متحدرة، وبمثابة «معضلة الماضى والمستقبل» بالنسبة للغرب، ذلك من وجهة نظر الولايات المتحدة التى تقترب من حافة فقدان قبضتها تمامًا- مثالًا- عن تركيا- حليفتها الإستراتيجية- المتجهة حثيثًا نحو روسيا، الأمر الذى قد يدفع بالقوى الكبرى ولو بالغصب- إلى مواجهات ليست غير مستبعدة، خاصة فى الشرق الأوسط وفى المحور الآسيوى، إذ يلزمهما أكثر من أقاليم العالم الأخرى للإسراع فى البحث عن وسائل براجماتية لبناء تكتل سياسى «موازن» بين القوى الكبرى المتصارعة، بأقله لإنقاذ منطقتيهما من ويلات حروب وشيكة، سواء كان تشكيلهما من خلال جبهة سياسية موحدة أو على جبهتين كلّ على حدة، سواء بين الهند واليابان وفيتنام وكوريا الجنوبية.. إلخ على المحور الآسيوى أو أن تسارع دول شرق أوسطية فى صدارتها مصر والسعودية والإمارات.. إلخ، نحو تشكيل تكتل سياسى، قد يكون نواته فيما يُعرف بتحالف دول «المشرق الجديد»، العراق- الأردن مع مصر، وقد تنضم إليهم السعودية التى تبدى حرصها مؤخرًا على تأكيد بقاء العراق فى محيطه العربى، خاصة مع اعتراف العالم بأَسره عن حجم الإصلاحات المهمة والجريئة لهذه الدول التى تتيسر لها إمكانيات مستقلة ومتنوعة تتيح لها كجبهة شرق أوسطية أن تعمل بكفاءة، سواء على انفراد أو بالتعاون مع التكتل الآسيوى المنشود، وذلك فى ضوء علاقاتهم المتوازنة مع كل القوى الكبرى، كى تحول بين حروب محتملة عن انقلابات عالمية غير منضبطة