ما هو الدور المطلوب من الصحافة الاقتصادية المستقلة أن تلعبه لدعم مشاركة القطاع الخاص في التنمية؟
سؤال ألح علي ذهني بشدة علي مدار الأشهر الماضية، أثناء متابعتي اليومية للتغطيات، التي قامت بها العديد من الصحف، لأخبار شركات القطاع الخاص.
فالرصد اليومي لفترات طويلة يمكنه أن يسفر عن العديد من الملاحظات:
أولها غياب الجانب السلبي في أغلب القصص الخبرية والموضوعات المنشورة… دائماً الأنباء الايجابية هي الأساس دون ذكر أية معلومات أو تحليلات تتعلق بالمؤشرات السيئة، مثل وجود مشاكل في الهياكل التمويلية، أو ضعف القدرة التنافسية سواء في الداخل أو في الخارج ـ أو كليهما معا ـ أو زيادة نسبة المخصصات، مما يدل علي ارتفاع نسبة الديون المشكوك في تحصيلها وغيرها.
والانصاف هنا يقتضي أن نشير إلي أن العكس ينطبق علي عدد آخر من الموضوعات، التي تركز فقط علي الجانب السلبي.
ثانيها الاعتماد بصورة كبيرة، إما علي البيانات الصحفية الصادرة عن الشركات، والتي تتم صياغتها شكلا وموضوعاً بصورة دعائية ـ وهو ما تعتبر الملاحظة الأولي نتيجة مباشرة له ـ أو علي «الوشايات» من طرف واحد ـ وهو ما يسفر غالبا عن الموضوعات التي تركز علي الجانب السلبي ـ وذلك دون محاولة تقصي ما وراء البيانات الصحفية والوشايات علي حد سواء.
وثالثها التأثر إلي حد كبير باللغة السائدة في التغطية الصحفية في الصحف الرسمية الحكومية، وهي لغة احادية، تتعامل مع افعال الحكومة بمنطق الانجازات، ومع انباء الشركات كإعلانات مدفوعة الأجر، حيث من غير المسموح نشر أسماء شركات القطاعين الخاص والعام علي حد سواء في هذه الصحف، إلا في حالتين محددتين، الأولي أن تأتي في صورة مادة إعلانية ـ وهو الأغلب الأعم ـ، والثانية أن يرد اسم الشركة علي لسان مسئول حكومي ـ هو في الأغلب رئيس الوزراء أو وزير قطاع الأعمال ـ عند طرحها للبيع ضمن برنامج الخصخصة.
ومن بين المفردات الدارجة لهذه اللغة الأحادية جمل وكلمات من عينة: شركة رائدة ـ انجازات ـ أكبر شركة في مصر والشرق الأوسط ـ دشنت أهم مشروع ـ اطلقت ابتكار ـ حصلت علي أهم جائزة علي مستوي العالم ـ… إلي آخره.
وحين تتقاطع السياسة التحريرية الدعائية للحكومة مع منطق التعامل مع اخبار الشركات من المنظور الاعلاني فقط ـ وذلك في حالة الصحف الحكومية ـ تنشأ المفارقات الطريفة.. بل وشديدة الطرافة وعلي سبيل المثال يمكن أن تطالع خبرا يحمل عنوانا يشبه «الافيه» كالتالي «شركة مايكروسوفت العالمية تتعاقد مع شركة مصرية في صناعة البرمجيات، والتفسير هنا واضح فالجريدة في حاجة لذكر اسم مايكروسوفت العالمية في العنوان، للتأكيد علي مدي جاذبية الاقتصاد المصري ـ الجانب الدعائي للحكومة ـ وهو ما لابد وأن يؤكده تصريح لمسئول بها في المتن، سواء أدلي به أو لم يدل وفي جميع الأحوال لن يجرؤ علي نفيه أو تصويبه، أما الشركة المصرية فما علي القارئ المهتم، سوي أن يسعي قدر طاقته وعلمه ومعرفته إلي استنتاج اسمها إن أفلح!
وهكذا يؤدي مأزق التعارض بين المنطق الدعائي للحكومة، والضوابط «الوهمية» الاعلانية، إلي نشر خبر يفتقد إلي أبسط عناصر الخبر الصحفي وهو عنصر «من»، ناهيك عن الاجابة الجدية عن باقي العناصر الخبرية المعروفة الأخري كلماذا وكيف.
ونعود الآن إلي موضوع تساؤلنا الرئيسي، حول الدور المفترض للمطبوعات الاقتصادية المتخصصة، التي من البديهي أن يتوقع منها الجميع، المساهمة في توفير البيئة والثقافة المناسبتين، لعمل القطاع الخاص، وفي ضوء الملاحظات السابقة، يمكننا القول بإن مقومات هذا الدور لا تزال مفتقدة حتي اليوم فيما تقدمه هذه المطبوعات من مادة صحفية، سواء علي مستوي حجية ودقة المعلومات التي تحتويها عن السوق والقطاعات والشركات المختلفة، أو علي المستوي التحليلي الغائب للجوانب المتعددة، الخاصة بموضوع التغطية وأوجه النظر المختلفة.
أما الشيء الأخطر فهو التعامل مع القطاع الخاص بنفس المنطق الدعائي الذي تتعامل به الصحف الرسمية مع الحكومة، لأن ذلك من شأنه ـ من وجهة نظرنا ـ أن يضعفه، لا ان يقويه كما نرغب جميعا ـ أو علي الاقل كما ندعي نحن.
ولنا أن ننبه أن التعامل مع القطاع الخاص بمنطق إغفال الحقائق، وتأليه الانتصارات وتحويلها إلي انجازات مؤداه تحويله إلي ما يمكن أن نطلق عليه ـ إن جاز التعبير ـ قطاعا خاصا «حكوميا»، غير قادر علي رصد الثغرات ومعالجتها، ولا علي اكتشاف ما يحيق به من مخاطر في الداخل والخارج، وتحديد سبل مواجهتها.
باختصار.. إن التعامل صحفيا مع خبر فوز إحدي الشركات بصفقة هامة ومؤثرة ـ سواء كانت في الداخل أو في الخارج ـ بمنطق أن «مصر اليوم في عيد» ـ ناهيك عن ركاكته ـ له من الأضرار والانعكاسات السلبية، ما هو أكثر بكثير من الجوانب الايجابية، علي الشركة ذاتها، وعلي المطبوعة الاقتصادية صاحبة التغطية، وعلي مناخ الأعمال، ومستقبل القطاع الخاص ككل!
سؤال ألح علي ذهني بشدة علي مدار الأشهر الماضية، أثناء متابعتي اليومية للتغطيات، التي قامت بها العديد من الصحف، لأخبار شركات القطاع الخاص.
فالرصد اليومي لفترات طويلة يمكنه أن يسفر عن العديد من الملاحظات:
أولها غياب الجانب السلبي في أغلب القصص الخبرية والموضوعات المنشورة… دائماً الأنباء الايجابية هي الأساس دون ذكر أية معلومات أو تحليلات تتعلق بالمؤشرات السيئة، مثل وجود مشاكل في الهياكل التمويلية، أو ضعف القدرة التنافسية سواء في الداخل أو في الخارج ـ أو كليهما معا ـ أو زيادة نسبة المخصصات، مما يدل علي ارتفاع نسبة الديون المشكوك في تحصيلها وغيرها.
والانصاف هنا يقتضي أن نشير إلي أن العكس ينطبق علي عدد آخر من الموضوعات، التي تركز فقط علي الجانب السلبي.
ثانيها الاعتماد بصورة كبيرة، إما علي البيانات الصحفية الصادرة عن الشركات، والتي تتم صياغتها شكلا وموضوعاً بصورة دعائية ـ وهو ما تعتبر الملاحظة الأولي نتيجة مباشرة له ـ أو علي «الوشايات» من طرف واحد ـ وهو ما يسفر غالبا عن الموضوعات التي تركز علي الجانب السلبي ـ وذلك دون محاولة تقصي ما وراء البيانات الصحفية والوشايات علي حد سواء.
وثالثها التأثر إلي حد كبير باللغة السائدة في التغطية الصحفية في الصحف الرسمية الحكومية، وهي لغة احادية، تتعامل مع افعال الحكومة بمنطق الانجازات، ومع انباء الشركات كإعلانات مدفوعة الأجر، حيث من غير المسموح نشر أسماء شركات القطاعين الخاص والعام علي حد سواء في هذه الصحف، إلا في حالتين محددتين، الأولي أن تأتي في صورة مادة إعلانية ـ وهو الأغلب الأعم ـ، والثانية أن يرد اسم الشركة علي لسان مسئول حكومي ـ هو في الأغلب رئيس الوزراء أو وزير قطاع الأعمال ـ عند طرحها للبيع ضمن برنامج الخصخصة.
ومن بين المفردات الدارجة لهذه اللغة الأحادية جمل وكلمات من عينة: شركة رائدة ـ انجازات ـ أكبر شركة في مصر والشرق الأوسط ـ دشنت أهم مشروع ـ اطلقت ابتكار ـ حصلت علي أهم جائزة علي مستوي العالم ـ… إلي آخره.
وحين تتقاطع السياسة التحريرية الدعائية للحكومة مع منطق التعامل مع اخبار الشركات من المنظور الاعلاني فقط ـ وذلك في حالة الصحف الحكومية ـ تنشأ المفارقات الطريفة.. بل وشديدة الطرافة وعلي سبيل المثال يمكن أن تطالع خبرا يحمل عنوانا يشبه «الافيه» كالتالي «شركة مايكروسوفت العالمية تتعاقد مع شركة مصرية في صناعة البرمجيات، والتفسير هنا واضح فالجريدة في حاجة لذكر اسم مايكروسوفت العالمية في العنوان، للتأكيد علي مدي جاذبية الاقتصاد المصري ـ الجانب الدعائي للحكومة ـ وهو ما لابد وأن يؤكده تصريح لمسئول بها في المتن، سواء أدلي به أو لم يدل وفي جميع الأحوال لن يجرؤ علي نفيه أو تصويبه، أما الشركة المصرية فما علي القارئ المهتم، سوي أن يسعي قدر طاقته وعلمه ومعرفته إلي استنتاج اسمها إن أفلح!
وهكذا يؤدي مأزق التعارض بين المنطق الدعائي للحكومة، والضوابط «الوهمية» الاعلانية، إلي نشر خبر يفتقد إلي أبسط عناصر الخبر الصحفي وهو عنصر «من»، ناهيك عن الاجابة الجدية عن باقي العناصر الخبرية المعروفة الأخري كلماذا وكيف.
ونعود الآن إلي موضوع تساؤلنا الرئيسي، حول الدور المفترض للمطبوعات الاقتصادية المتخصصة، التي من البديهي أن يتوقع منها الجميع، المساهمة في توفير البيئة والثقافة المناسبتين، لعمل القطاع الخاص، وفي ضوء الملاحظات السابقة، يمكننا القول بإن مقومات هذا الدور لا تزال مفتقدة حتي اليوم فيما تقدمه هذه المطبوعات من مادة صحفية، سواء علي مستوي حجية ودقة المعلومات التي تحتويها عن السوق والقطاعات والشركات المختلفة، أو علي المستوي التحليلي الغائب للجوانب المتعددة، الخاصة بموضوع التغطية وأوجه النظر المختلفة.
أما الشيء الأخطر فهو التعامل مع القطاع الخاص بنفس المنطق الدعائي الذي تتعامل به الصحف الرسمية مع الحكومة، لأن ذلك من شأنه ـ من وجهة نظرنا ـ أن يضعفه، لا ان يقويه كما نرغب جميعا ـ أو علي الاقل كما ندعي نحن.
ولنا أن ننبه أن التعامل مع القطاع الخاص بمنطق إغفال الحقائق، وتأليه الانتصارات وتحويلها إلي انجازات مؤداه تحويله إلي ما يمكن أن نطلق عليه ـ إن جاز التعبير ـ قطاعا خاصا «حكوميا»، غير قادر علي رصد الثغرات ومعالجتها، ولا علي اكتشاف ما يحيق به من مخاطر في الداخل والخارج، وتحديد سبل مواجهتها.
باختصار.. إن التعامل صحفيا مع خبر فوز إحدي الشركات بصفقة هامة ومؤثرة ـ سواء كانت في الداخل أو في الخارج ـ بمنطق أن «مصر اليوم في عيد» ـ ناهيك عن ركاكته ـ له من الأضرار والانعكاسات السلبية، ما هو أكثر بكثير من الجوانب الايجابية، علي الشركة ذاتها، وعلي المطبوعة الاقتصادية صاحبة التغطية، وعلي مناخ الأعمال، ومستقبل القطاع الخاص ككل!