بقدر تزايد العزلة الإسرائيلية على الصعيدين الإقليمى والدولى- رغم التطبيع العربى الحالى مع الدولة العبرية- يطّرد المكسب الهائل الذى تحرزه القضية الفلسطينية ممثلًا بتحولات للرأى العام العالمى إلى جانبها؛ ليس فحسب لصمود شعبها لأكثر من سبعين عامًا فى مواجهة الآلة العسكرية الجهنمية لإسرائيل المدللة منذاك وسط رقعة شطرنج يتحرك عليها بيادق العالم لأجلها ومن حولها، بل أيضًا لقابلية التحول العالمى الجارى نحو العدالة المناهضة للعنصرية والتمييز، ومن ثم إلى استبعاد سابق الانحياز إلى تاريخية الغدر الصهيونى.. منذ عهد العلاقة الفرعونية بآل موسى من الأرقاء والموالى الذى صنع بهم- بالتوراة- وبما اكتسبوه من حضارة مصر القديمة- تاريخًا وشعبًا، يزخر بأصول ربانية مجانية وبزخم سياسى لشعب يبحث عن مكان له فى التاريخ.. تصل مطامعه إلى مياه النيل منذ «هرتزل» 1904 إلى «اليشع كالى» 1974، ومن مفاوضات مدريد 1991 إلى سد النهضة حتى الآن، ذلك فى إطار مشروع وجود إستراتيجى يتطور مع الزمن من العداوة إلى التطبيع، وصولًا ربما إلى تحالف غير متكافئ يستهين بالأسباب الموضوعية والتاريخية للصراع العربى الإسرائيلى التى ابتسرها الرئيس السادات 1979 فى أسباب نفسية داخل حواجز زجاجية لا تخفى بالتأكيد المسلك العدائى الإسرائيلى.. الذى بدأ العالم استنكاره مؤخرًا وبشكل لم يشهده من قبل، من الأبارتايد إلى المطالبة بمحاكمات دولية لقادة إسرائيليين إلى مقاطعة منتجات المستوطنات اليهودية إلى جانب حملات موازية لرفض التطبيع معها، ناهيك عن إنهاء السيطرة الصهيونية عن وسائل الاتصال العالمية بحيث تغيرت النظرة إلى إسرائيل لاعتبارها دولة مارقة تضرب عرض الحائط بالقانون الدولى وبقرارات المنظمات الدولية، ما يدفع- مثالًا- أصوات من الكونجرس إلى نقد سياستها العدوانية، وما إلى ذلك من متغيرات سياسية وأكاديمية تؤكد عزلة دولة إسرائيل التى تلجأ من ثم إلى التراجع خطوة عن سلوكياتها العدائية (..) مقابل التقدم خطوتين نحو تحقيق أهدافها التوسعية (..)، موظفة فى هذا السبيل التبادلى الماكر كلًّا من هشاشة الموقف العربى، إلى جانب قوة اللوبى اليهودى فى الولايات المتحدة، كعاملين أساسيين لتشجيع وللتأكيد من جانبها على «الجذر الديني» فيما يطلق عليه «المسيحية الصهيونية» التى تلقى قبولًا واسعًا فى أوساط الأميركيين غير المهتمين بفضائل العدالة الدولية، ما يشجع المستوطنين اليهود (وأترابهم) رغم سياسة التطبيع مع العرب إلى مواصلة انتهاك المسجد الأقصى، سعيًا لاستبداله بالهيكل (المزعوم) استعدادًا لعودة المسيح- من وجهة نظر العهد القديم- باعتباره مصدر «المسيحية الصهيونية». إلى سياق موازٍ لما سبق، تسعى إسرائيل- وهى تواجه العزلة الدولية والإقليمية- إلى نقل مأزقها نحو الجانب العربى، من خلال التمهيد لاستكمال التطبيع معه.. سبيلًا إلى التلويح باستئناف التفاوض مع الفلسطينيين فى إطار «حل الدولتين» الذى ربما لا يسفر إلا عن دولة فلسطينية «غير موصولة»، أى ليست قطعة واحدة، لكنها قد تحول بسلامها المراوغ بين استمرار سلسلة الاغتيالات للقادة على الجانبين (السادات- رابين- عرفات….)، ومن ثم للحيلولة دون اندلاع حرب أهلية معلقة فى الأفق لأسباب دينية وسياسية، ذلك فيما تُواصل إسرائيل الرقص على أنغام غياب الرؤية القومية العربية كشرط لأن يضم ائتلافها الحكومى أعضاء من القائمة العربية الإسلامية، لكن دون التزام إسرائيل بالتخلى فى المقابل عن التوسع الصهيونى، المتوّج على قمة الغايات العليا لوجودها الإستراتيجى
شريف عطية
7:10 ص, الخميس, 5 أغسطس 21
End of current post