حان‭ ‬الوقت‭ ‬لنشره

حان‭ ‬الوقت‭ ‬لنشره
حازم شريف

حازم شريف

9:55 ص, الأحد, 23 مايو 04

لو‭ ‬كان‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬متولى‭ ‬الشعراوى‭ – ‬رحمه‭ ‬الله‭ – ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬الآن،‭ ‬لربما‭ ‬خر‭ ‬ساجدا‭ – ‬للمرة‭ ‬الثانية‭ – ‬على‭ ‬نكسة‭ ‬الصفر،‭ ‬الذى‭ ‬ناله‭ ‬عن‭ ‬جدارة‭ ‬الملف‭ ‬المصري،‭ ‬لتنظيم‭ ‬كأس‭ ‬العالم‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭ ‬عام ‭ ‬2010،‬تماما‭ ‬كما‭ ‬سجد‭ ‬شكرا‭ ‬لله‭ – ‬على‭ ‬حد‭ ‬قوله‭ – ‬عند‭ ‬هزيمة‭ 67.‬
فى‭ ‬كلتا‭ ‬الحالتين‭ ‬لم‭ ‬تهزم‭ ‬الأمة،‭ ‬إلا‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬فعل‭ ‬بها‭ ‬وعيها‭ ‬الزائف،‭ ‬هوى‭ ‬بالون‭ ‬الذات‭ ‬المتضخمة‭ ‬عن‭ ‬غير‭ ‬حق،‭ ‬لترتطم‭ ‬فى‭ ‬قسوة‭ ‬بأرض‭ ‬الواقع‭ ‬المرير،‭ ‬وتنشطر‭ ‬أشلاؤها‭ ‬محدثة‭ ‬دويا‭ ‬شديدا،‭ ‬يصعب‭ ‬تجاهل‭ ‬سماعه‭ ‬أو‭ ‬التغافل‭ ‬عن‭ ‬صداه‭.‬
فى‭ ‬كليتهما‭ ‬اصطدم‭ ‬الوعى‭ ‬الجمعى‭ ‬المزيف‭ ‬بمقياس‭ ‬كمى‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التغضى‭ ‬عن‭ ‬رؤيته.

في الوكسة الأولى 7% من أرض الوطن اقتطعها في ساعات، عدو كان هذا الوعي الزائف قبل لحظات من الصدمة، يهيأ لنا أننا على وشك ابتلاعه ودحره في عقر داره، ‭ ‬وفى‭ ‬الثانية‭ ‬جاء‭ ‬الصفر،‭ ‬ليبدد‭ ‬سيناريو‭ ‬صانعى‭ ‬الأوهام‭ ‬فى‭ ‬اكتساح‭ ‬المنافسين،‭ ‬ولما‭ ‬لا‭ ‬نكتسحهم؟‭ ‬أوليس‭ ‬الكل‭ – ‬كل‭ ‬العالم‭- ‬وبلا‭ ‬جدال‭ ‬يعرف‭ ‬مصر‭ ‬وحضارة‭ ‬مصر‭ ‬وتاريخ‭ ‬مصر‭ ‬وريادة‭ ‬مصر‭ ‬ووزن‭ ‬مصر‭ ‬و‭……‬،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تكون‭ ‬النتيجة‭ ‬الطبيعية‭ ‬أن‭ ‬مصر‭ ‬اليوم‭ ‬فى‭ ‬عيد‭! ‬أو‭ ‬بمعنى‭ ‬أصح،‭ ‬كان‭ ‬ينبغى‭ ‬أن‭ ‬تكون،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الصفر‭ ‬اللعين،‭ ‬حال‭ ‬بيننا‭ ‬وبين‭ ‬فرحة‭ ‬ذلك‭ ‬العيد‭ ‬المنتظر‭.‬
يقول‭ ‬البعض،‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬حاز‭ ‬الصفر،‭ ‬هم‭ ‬أصحاب‭ ‬الملف‭ ‬وليست‭ ‬قدرات‭ ‬مصر‭ ‬ومكانتها،‭ ‬ويدعى‭ ‬آخرون‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬هزم،‭ ‬هو‭ ‬النظام‭ ‬الذى‭ ‬ندير‭ ‬به‭ ‬أمورنا‭ ‬وشئون‭ ‬حياتنا،‭ ‬وليس‭ ‬المصريون‭ ‬أنفسهم،‭ ‬الذين‭ ‬أثبت‭ ‬الكثيرون‭ ‬منهم‭ ‬نجاحهم‭ ‬فى‭ ‬الخارج‭ ‬وفى‭ ‬الداخل‭.‬
لكن‭ ‬ما‭ ‬هى‭ ‬قدرات‭ ‬بلد‭ ‬تقترب‭ ‬نسبة‭ ‬الأمية‭ ‬به‭ ‬من ‬%50،‭ ‬ويعانى‭ ‬نظام‭ ‬التعليم‭ ‬به‭ ‬تدهورا،‭ ‬يجعل‭ ‬خريجيه‭ ‬ليسوا‭ ‬أفضل‭ ‬حالا‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬أقرانهم‭ ‬الأميين؟‭ ‬هذا‭ ‬مع‭ ‬تغافلنا‭ ‬عن‭ ‬تدهور‭ ‬مستوى‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تدهور‭ ‬صحة‭ ‬الرعاية‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭.‬
ما‭ ‬هى‭ ‬إمكانات‭ ‬دولة‭ ‬محدودة‭ ‬الموارد‭ ‬يعيش‭ ‬شعبها‭ ‬على‭ ‬شريط‭ ‬ضيق‭ ‬من‭ ‬أرضها‭ ‬الشاسعة،‭ ‬وينتج‭ ‬أقل‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬يستهلك،‭ ‬وتغيب‭ ‬عن‭ ‬أغلبه‭ ‬قيمة‭ ‬تقديس‭ ‬واحترام‭ ‬العمل؟‭ ‬ولن‭ ‬نتطرق‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬الأخرى،‭ ‬كالتعسف‭ ‬فى‭ ‬استخدام‭ ‬البيروقراطية،‭ ‬وتشابك‭ ‬وتعقد‭ ‬القوانين‭ ‬وعدم‭ ‬احترامها‭ ‬من‭ ‬الأساس،‭ ‬وبطء‭ ‬إجراءات‭ ‬التقاضى‭.‬
أما‭ ‬من‭ ‬يعتبر‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬محض‭ ‬افتراء،‭ ‬فليتفضل‭ ‬مشكورا‭ ‬بمراجعة‭ ‬تقارير‭ ‬البنك‭ ‬الدولى‭ ‬والصندوق‭ ‬الدولى‭ ‬وتقارير‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية،‭ ‬ليتعرف‭ ‬بجلاء‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬حجم‭ ‬اقتصادنا‭ ‬ومعدلات‭ ‬نموه‭ ‬ومؤشراته‭ ‬الكلية‭ ‬الأخرى‭.‬
ثم‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الذى‭ ‬ندير‭ ‬به‭ ‬حياتنا؟‭ ‬أليس‭ ‬نحن؟‭ ‬ومن‭ ‬هم‭ ‬القائمون‭ ‬عليه؟‭ ‬أليسوا‭ ‬النخب‭ ‬التى‭ ‬صعدناها‭ ‬وصنعناها‭ ‬من‭ ‬أنفسنا؟‭ ‬أليس‭ ‬هو‭ ‬قريبك‭ ‬وقريبى،‭ ‬جارك‭ ‬وجارى،‭ ‬زميلى‭ ‬وزميل‭ ‬دراستك،‭ ‬الذى‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬رحلة‭ ‬الحراك‭ ‬الاجتماعى،‭ ‬فولج‭ ‬من‭ ‬منظمة‭ ‬الشباب‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكى‭ ‬إلى‭ ‬حزب‭ ‬مصر‭ ‬إلى‭ ‬الحزب‭ ‬الوطنى،‭ ‬ومن‭ ‬مجلس‭ ‬الأمة‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬الشعب،‭ ‬ومن‭ ‬المحليات‭ ‬إلى‭ ‬المحافظة‭ ‬إلى‭ ‬مقاعد‭ ‬الوزارة،‭ ‬ثم‭ ‬من‭ ‬الوزارة‭ ‬إلى‭ ‬جمعيات‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭ ‬أو‭ ‬لرئاسة‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬أحد‭ ‬البنوك‭!‬
وعمن‭ ‬يعبر‭ ‬هؤلاء،‭ ‬عنى‭ ‬وعنك،‭ ‬عن‭ ‬قيمنا‭ ‬وتقاليدنا‭ ‬وعاداتنا‭ ‬المعلبة،‭ ‬فى‭ ‬التملق‭ ‬والتلون‭ ‬للصعود‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتلازم‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر،‭ ‬التشدق‭ ‬والتغنى‭ ‬بمكارم‭ ‬الأخلاق‭ ‬الحميدة،‭ ‬لدواعى‭ ‬الوجاهة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاستهلاك‭ ‬المحلى‭ ‬وأحيانا‭ ‬الخارجي‭!‬
ألم‭ ‬نتعود‭ ‬أن‭ ‬نطلق‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬شاطر‮»‬‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬منافق‭ ‬يستطيع‭ ‬الوصول‭ ‬بملكاته‭ ‬الخاصة‭ ‬إلى‭ ‬أرفع‭ ‬المناصب‭ ‬ومواقع‭ ‬النفوذ؟
أكثر‭ ‬من‭ ‬هذا،‭ ‬هل‭ ‬المصريون‭ ‬وحدهم‭ – ‬ووحدهم‭ ‬فقط‭ – ‬ينجحون‭ ‬فى‭ ‬الخارج،‭ ‬ويفشلون‭ ‬فى‭ ‬الداخل‭ ‬بسبب‭ ‬النظام‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬نظام‭ ‬من‭ ‬الأساس؟
نعم‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬منهم‭ ‬ينجحون‭ ‬فى‭ ‬الخارج‭ ‬حيث‭ ‬الظروف‭ ‬الموضوعية‭ ‬تمنح‭ ‬للمجتهدين‭ ‬وأصحاب‭ ‬القدرات‭ ‬الفرصة‭ ‬للنجاح،‭ ‬ولكنهم‭ – ‬وياللا‭ ‬العجب‭ – ‬لا‭ ‬ينجحون‭ ‬وحدهم،‭ ‬إنما‭ ‬يشاطرهم‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬الموهوبون‭ ‬من‭ ‬الهنود‭ ‬والباكستانيين‭ ‬والمغاربة‭ ‬وأبناء‭ ‬مملكة‭ ‬سورينام‭!‬،‭ ‬كما‭ – ‬وهذه‭ ‬المفاجأة‭ – ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬المصريين‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬باقى‭ ‬الجنسيات‭ ‬أيضا،‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬تحقيق‭ ‬نجاحا‭ ‬يذكر،‭ ‬اللهم‭ ‬إذا‭ ‬اعتبرنا‭ ‬مجرد‭ ‬بقائهم‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬نجاحا‭ ‬فى‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭.‬
إن‭ ‬النجاح‭ ‬يتوقف‭ ‬فى‭ ‬الأساس‭ ‬على‭ ‬عامل‭ ‬موضوعى‭ ‬ذاتى،‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬خانة‭ ‬الجنسية‭ ‬فى‭ ‬جواز‭ ‬السفر،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬جالونات‭ ‬مياه‭ ‬النيل‭ ‬التى‭ ‬تعاطاها‭ ‬المرء‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬حياته‭!‬
البعض‭ ‬لن‭ ‬يرى‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬نشر‭ ‬لغسيلنا‭ ‬الوسخ‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬القيام‭ ‬به‭ – ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬لماذا؟‭ – ‬وقليل‭ ‬من‭ ‬القراء‭ – ‬نأمل‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬كثيرين‭ ‬بعد‭ ‬الوكسة‭ ‬الأخيرة‭ – ‬سيتضامنون‭ ‬معى‭ ‬فى‭ ‬موقفي‭ ‬من‭ ‬نشره،‭ ‬كى‭ ‬نستطيع‭ ‬معالجته‭ ‬وتنظيفه،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬هذا،‭ ‬فإننى‭ ‬سأكون‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬يسجد‭ ‬لله‭ ‬شكرا‭ ‬على‭ ‬وكسة‭ ‬الصفر‭ ‬الأخيرة،‭ ‬برغم‭ ‬أننى‭ ‬كنت‭ ‬ومازلت‭ ‬لا‭ ‬أفهم‭ ‬ولا‭ ‬استسيغ‭ ‬سجدة‭ ‬الشعراوى‭ ‬الأولى، ‭ ‬سوى‭ ‬بمنطق‭ ‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬يحمد‭ ‬على‭ ‬مكروه‭ ‬سواه‭.‬
وقد‭ ‬كان‭ ‬مكروها‭ ‬وغما‭ ‬وكربا‭ ‬ودماء‭ ‬عشرات‭ ‬الألوف‭ ‬من‭ ‬الشهداء‭.‬