لو كان الشيخ محمد متولى الشعراوى – رحمه الله – على قيد الحياة الآن، لربما خر ساجدا – للمرة الثانية – على نكسة الصفر، الذى ناله عن جدارة الملف المصري، لتنظيم كأس العالم لكرة القدم عام 2010،تماما كما سجد شكرا لله – على حد قوله – عند هزيمة 67.
فى كلتا الحالتين لم تهزم الأمة، إلا بقدر ما فعل بها وعيها الزائف، هوى بالون الذات المتضخمة عن غير حق، لترتطم فى قسوة بأرض الواقع المرير، وتنشطر أشلاؤها محدثة دويا شديدا، يصعب تجاهل سماعه أو التغافل عن صداه.
فى كليتهما اصطدم الوعى الجمعى المزيف بمقياس كمى لا يمكن التغضى عن رؤيته.
في الوكسة الأولى 7% من أرض الوطن اقتطعها في ساعات، عدو كان هذا الوعي الزائف قبل لحظات من الصدمة، يهيأ لنا أننا على وشك ابتلاعه ودحره في عقر داره، وفى الثانية جاء الصفر، ليبدد سيناريو صانعى الأوهام فى اكتساح المنافسين، ولما لا نكتسحهم؟ أوليس الكل – كل العالم- وبلا جدال يعرف مصر وحضارة مصر وتاريخ مصر وريادة مصر ووزن مصر و……، ومن ثم تكون النتيجة الطبيعية أن مصر اليوم فى عيد! أو بمعنى أصح، كان ينبغى أن تكون، إلا أن هذا الصفر اللعين، حال بيننا وبين فرحة ذلك العيد المنتظر.
يقول البعض، إن من حاز الصفر، هم أصحاب الملف وليست قدرات مصر ومكانتها، ويدعى آخرون أن من هزم، هو النظام الذى ندير به أمورنا وشئون حياتنا، وليس المصريون أنفسهم، الذين أثبت الكثيرون منهم نجاحهم فى الخارج وفى الداخل.
لكن ما هى قدرات بلد تقترب نسبة الأمية به من %50، ويعانى نظام التعليم به تدهورا، يجعل خريجيه ليسوا أفضل حالا بكثير من أقرانهم الأميين؟ هذا مع تغافلنا عن تدهور مستوى الرعاية الصحية، ومن ثم تدهور صحة الرعاية من المواطنين.
ما هى إمكانات دولة محدودة الموارد يعيش شعبها على شريط ضيق من أرضها الشاسعة، وينتج أقل بكثير مما يستهلك، وتغيب عن أغلبه قيمة تقديس واحترام العمل؟ ولن نتطرق إلى الكثير من الأمور الأخرى، كالتعسف فى استخدام البيروقراطية، وتشابك وتعقد القوانين وعدم احترامها من الأساس، وبطء إجراءات التقاضى.
أما من يعتبر كل ذلك محض افتراء، فليتفضل مشكورا بمراجعة تقارير البنك الدولى والصندوق الدولى وتقارير التنمية البشرية، ليتعرف بجلاء على حقيقة حجم اقتصادنا ومعدلات نموه ومؤشراته الكلية الأخرى.
ثم من وضع هذا النظام الذى ندير به حياتنا؟ أليس نحن؟ ومن هم القائمون عليه؟ أليسوا النخب التى صعدناها وصنعناها من أنفسنا؟ أليس هو قريبك وقريبى، جارك وجارى، زميلى وزميل دراستك، الذى قرر أن يبدأ رحلة الحراك الاجتماعى، فولج من منظمة الشباب إلى الاتحاد الاشتراكى إلى حزب مصر إلى الحزب الوطنى، ومن مجلس الأمة إلى مجلس الشعب، ومن المحليات إلى المحافظة إلى مقاعد الوزارة، ثم من الوزارة إلى جمعيات رجال الأعمال أو لرئاسة مجلس إدارة أحد البنوك!
وعمن يعبر هؤلاء، عنى وعنك، عن قيمنا وتقاليدنا وعاداتنا المعلبة، فى التملق والتلون للصعود من ناحية، على أن يتلازم مع ذلك على الجانب الآخر، التشدق والتغنى بمكارم الأخلاق الحميدة، لدواعى الوجاهة الاجتماعية والاستهلاك المحلى وأحيانا الخارجي!
ألم نتعود أن نطلق كلمة «شاطر» على كل منافق يستطيع الوصول بملكاته الخاصة إلى أرفع المناصب ومواقع النفوذ؟
أكثر من هذا، هل المصريون وحدهم – ووحدهم فقط – ينجحون فى الخارج، ويفشلون فى الداخل بسبب النظام أو عدم وجود نظام من الأساس؟
نعم هناك الكثير منهم ينجحون فى الخارج حيث الظروف الموضوعية تمنح للمجتهدين وأصحاب القدرات الفرصة للنجاح، ولكنهم – وياللا العجب – لا ينجحون وحدهم، إنما يشاطرهم فى ذلك الموهوبون من الهنود والباكستانيين والمغاربة وأبناء مملكة سورينام!، كما – وهذه المفاجأة – أن أغلب المصريين وغيرهم من باقى الجنسيات أيضا، لا يستطيعون تحقيق نجاحا يذكر، اللهم إذا اعتبرنا مجرد بقائهم على قيد الحياة نجاحا فى حد ذاته.
إن النجاح يتوقف فى الأساس على عامل موضوعى ذاتى، وليس على خانة الجنسية فى جواز السفر، أو على عدد جالونات مياه النيل التى تعاطاها المرء على مدار حياته!
البعض لن يرى فى كل ما سبق أكثر من مجرد نشر لغسيلنا الوسخ لا يجوز القيام به – لا نعرف لماذا؟ – وقليل من القراء – نأمل أن يكونوا كثيرين بعد الوكسة الأخيرة – سيتضامنون معى فى موقفي من نشره، كى نستطيع معالجته وتنظيفه، وإذا ما تم هذا، فإننى سأكون أول من يسجد لله شكرا على وكسة الصفر الأخيرة، برغم أننى كنت ومازلت لا أفهم ولا استسيغ سجدة الشعراوى الأولى، سوى بمنطق الحمد لله الذى لا يحمد على مكروه سواه.
وقد كان مكروها وغما وكربا ودماء عشرات الألوف من الشهداء.