الخطر المحدق بحصون مصر عبر مختلف اتجاهاتها الجغرافية، لا يزال قائمًا مثل أحزمة تتساند على بعضها لمحاصرتها، بأقله.. منذ أصبح جيش مصر الحديث فى الخمسينيات يضارع ما كانت عليه قوته فى أربعينيات وثمانينيات القرن 19، حين تعين على الخصوم آنئذ تفكيكه لمرتين خلال أربعة عقود، قبل معاودتهم الكرّة- ثالثًا- لتدميره فى العام 1967 لولا أن أعيد بناؤه فى التو ليخوض الحرب 1973 فى مواجهة نفس الخصوم التاريخيين الذين تمكنوا وقتئذ من توظيف تعقيدات الحرب والسلام، لصالحهم، بهدف «تحييد» قدرات مصر العسكرية بمقتضى ما تضمنته اتفاقيتا فض الاشتباك مع إسرائيل يناير 74 – سبتمبر 1975، ولتصبح قدرات الجيش من ثم أقرب إلى الشريك التابع للولايات المتحدة طوال الثمانينيات، سواء إلى حين انتهاء الحرب الباردة فى نهاية العقد.. أو من خلال تدريبات «النجم الساطع» لمكافحة الإرهاب (الدولي)، وبالتوازى مع استمرار الحظر الأميركى على القاهرة 1981.. لعدم التعامل مع القوى الراديكالية الإقليمية والدولية، خاصة مع موسكو فى مجال التسليح، لنحو ما يزيد على ثلاثة عقود متتالية.. تآكلت خلالها الأسلحة الرئيسية للجيش المصري، لكن دون أن يمس ذلك شرف احترافيتها الأخلاقية، التى صمدت بجهد جهيد فى مواجهة إرهاب «الدولة» إقليميا.. من الغزو الأميركى للعراق 2003 إلى تفعيل النشاط الإرهابى فى سيناء منذ 2004، بالتزامن مع تطويع ليبيا ونزع ترسانتها الصاروخية، إلى إصدار «الكونجرس» قراره «محاسبة سوريا» 2005، ناهيك عن المشروع الأميركى لبناء الشرق الأوسط الجديد «والموسع»، ما شجع الأطماع التوسعية للجارات الإقليميات غير العربيات خصمًا من الرصيد العربى الذى تمثل مصر «القومية» رمانة الميزان فى حمايته، من المفترض- بحسبهم- تشديد الحصار عليها حتى تسقط وجيشها كورقة خريف إبان أحداث «الربيع العربي» 2011، لولا أن اعتدلت بها كفة الميزان تدريجياً ابتداءً من صيف 2013، لتستأنف واردات السلاح من روسيا وفرنسا وغيرهما، وفى الاتجاه إلى دعم هيمنة الجيش الوطنى على الشرق الليبى المتاخم لحدودها الغربية، فضلاً عن إعادة انتشار الجيش فى سيناء (بالمخالفة لكامب ديفيد) لإحكام مقتضيات أمنها ضد التوسع الإرهابى فى ربوعها، ومن دون استثناء المتابعة الدقيقة النشطة لإنهاء حكم «المؤتمر الوطني»، الحزب الحاكم فى السودان (الفرع المحلى لجماعة الإخوان المسلمين)، ومن ثم إلى توافق موقفيهما- السابق تضاربهما- بشأن سد النهضة الإثيوبي، ذلك فيما أعلنت القيادة العسكرية المصرية خط «سرت/ الجفرة» فى ليبيا خطًّا أحمر يحول بين التدخل التركي، وميليشياته، نحو الشرق.
إلى ذلك، فإن الجهود التى بذلتها مصر لتفكيك محاولات الحصار المتشعبة من حولها، وإن قطعت نصف الطريق إلى أهدافها الوطنية فى تأمين حصونها، إلا أنها لا تزال فى مسيرتها الأمنية أن تقطع نصف الطريق الآخر.. لإغلاق منافذ التسلل المعادية إليها، إذ إن الغرب الليبى ما زال مرتعًا للأتراك والمرتزقة والدواعش المجلوبين إليه من مختلف الأنحاء، كما أن سيناء المؤمَّنة بفضل تضحيات جنود مصر وشهدائها.. لا تزال منافذ التسلل إليها مفتوحة من البحر وقطاع غزة.. ومن جانب الخصوم التاريخيين لجيش مصر المشتبك بالفعل على الحدود الشرقية، وإذا كان الما وراء النيلي فى السودان قد توقفت من خلاله عمليات تهريب السلاح، وما شابه من محاولة اغتيال الرئيس المصرى 1995، وما إلى ذلك من تقليص نفوذ جماعات الإسلام السياسى منذ 1989، إلا أنها لم تستأصل شأفتها بعد من السودان، فضلاً عن تعرضه- ومصر- لمخاطر المسّ بحصتهما المائية، وليس آخرًا باستهداف الجارات الإقليميات غير العربيات للمنطقة العربية التى تمثل لمصر أمنها القومى فى المدى المنظور لجغرافيتها السياسية «بين المحيطين»، حيث يقف بصلابة جيش مصر الذى يمثل عنصر قلق تاريخي- لخصومها.