فضلت أن أكتب بعد أن خفت حدة الجنون.
تحولت ردود الأفعال على المذبحة المجنونة إلى جنون يفوق الخيال.
جنون تعجز حكاوى ألف ليلة وليلة عن محاكاته، أو إعادة انتاجه، ناهيك عن تصوره من الأساس.
هل كانت المذبحة مروعة؟
نعم.
هل كانت مأساوية؟
جداً.
هل تستحق أن تصيبنا جميعاً بالصدمة والدهشة والرعب والحزن؟
بالتأكيد.
هل كان يمكن ألا نصدقها؟
نعم.. لولا أن رجل الأعمال أيمن السويدى فعلها وأدمى قلوبنا جميعاً، كان بطل المذبحة ومرتكبها وضحيتها فى آن واحد، قتل زوجته الفنانة التونسية ذكرى ومعها مديره المالى وزوجته.. وغادرنا دون أن يخبرنا عن السبب، ليتركنا فريسة لعشرات الأسئلة الحائرة التى تبحث عن إجابة.
إلا أن الكثيرين يبخلون علينا بفسحة من الوقت، تسمح لنا باستخدام العقل للوصول إلى ردود مقنعة.
نصب البعض أنفسهم قضاة وملوكاً للحكمة، واحتكروا لأنفسهم القيم النبيلة والأخلاق الحميدة.
آخرون ركبوا الموجة لتحقيق مصلحة إعلامية أو إعلانية، وجرت الأغلبية فى ركابهم، علها تنجح فى الحصول على إجابة.. مجرد إجابة!
والمحصلة.. ردود أفعال أكثر مأساوية من المأساة ذاتها!
نجوم وأنصاف وأرباع نجوم ظهروا فجأة، ليدعوا صداقتهم الوطيدة ومعرفتهم الحميمة بهذا الطرف أو ذاك من أطراف المذبحة.
شركة إنتاج سارعت لاستئجار طائرة خاصة، لنقل جثمان الفنانة ذكرى، وتقديم برنامج باك عنها على القناة التى تملكها، لتثبت لنجومها المطربين، أنها خير من يتولى شئونهم فى حياتهم ومماتهم.
ملفات وملاحق بالصحف والمجلات وبرامج فضائية، تردد أسطوانات مشروخة، يختلط فيها الحب والغيرة والقتل والخيانة والمال والشهرة والثروة والفن بعلم النفس والدين.
أزمة مفتعلة بين بلدين- أى بلدين وليسا بالضرورة أن تكونا عربيتين بالمناسبة- رأى البعض فى جريمة قتل مبرراً كافياً، لاستنفار حالة من العداء على المستوى الشعبى بينهما.
رجال أعمال يدافعون عن صورتهم، وكأنهم جميعاً متهمون بالقتل وحيازة السلاح والنساء، وفنانات تدافعن فى ضراوة عن سمعة القتيلة، وكأن أى شيء يخدش هذه السمعة- وهو ما لا نملك عليه أى دليل- هو حجة دامغة على سوء سلوكهن أنفسهن.
جريدة الوفد «الليبرالية» المدافعة عن «الاقتصاد الحر»، نشرت الخميس قبل الماضى ملفاً حول المذبحة، استهلته بمقدمة تقول: «الوصية التى تركها رجل الأعمال أيمن السويدى، قبل أن يرتكب جريمته وينتحر، هى بمثابة رسالة تحذير وإنذار لرجال الأعمال فى مصر.. عليهم أن يقرأوا جيداً ويستوعبوا كلماتها، قبل أن يصل بهم الحال إلى ما وصل إليه «السويدي».. أى هدم المعبد على من فيه. وصية أيمن السويدى التى تركها لشقيقه، تطالبه بعدم الاقتراض من البنوك، لأنها كانت السبب وراء أزمته النفسية، وكادت تلقى به فى السجن، وتبعده عن حياة الترف التى اعتادها».
وهكذا أصبحت وصية رجل يائس مقدم على الانتحار حجة فى علم التمويل تجب ما عداها، وما على البنوك سوى أن تغلق أبوابها فى أوجه المودعين، لأنها ببساطة لن تجد سبيلاً لتوظيفها بحكم الوصية «الحجة»، التى نزعم أن الكثيرين قد باتوا يؤمنون بها فى مثل هذه الأجواء الهيستيرية، التى مهدت لها قضايا التعثر الشهيرة.
لماذا؟ لأن الوصية تبلغنا رسالة مفادها أن رجل الأعمال العاقل المتزن الشريف، ينبغى ألا يقترض من البنوك!
أما كل ما تعلمناه وعرفناه ونعلمه عن وظيفة المصارف التقليدية- فى أى اقتصاد وليس الاقتصاد الحر فقط- فى الاقراض وتمويل المشروعات سواء كانت مملوكة للقطاع الخاص أو العام.. فليذهب للجحيم!
وكذلك كل ما يخبرنا به علم تمويل المشروعات عن أهمية تشكيل هيكل تمويل متوازن للمشروع أو الشركة بهدف تعظيم قيمة المنشأة، يتضمن وسائل تمويلية مختلفة من أهمها الاقتراض سواء من البنوك أو الجمهور.. كل ذلك أيضاً فليذهب إلى ألف جحيم!
لماذا؟
لأن «رجل الأعمال» «المصري» المنتحر أيمن السويدى «اقترض» من البنوك واشترى أسلحة وبارا وجواهر وساعات ثمينة وعقارات فخيمة ثم قتل زوجته «الفنانة» «التونسية» ذكرى، ورحل بعد أن أوصى أخاه بعدم اللجوء إلى البنوك!
إنها حقاً لمأساة
حازم شريف
11:11 ص, الأحد, 14 ديسمبر 03
حازم شريف
11:11 ص, الأحد, 14 ديسمبر 03
End of current post