تحتدم السجالات الخلافية- دون حسم- بين أجنحة جماعة «الإخوان المسلمين» وجبهاتها المختلفة، سواء المتركزة فى الخارج أو ضمن فروعها المحلية داخل الإقليم أو عبر قيادات الجماعة المحصورة داخل السجون المصرية، إما لجهة الخروج المخزى للتنظيم من حركة التاريخ من بعد أن شاخت أدبياته المرهونة بكراهية الناس له.. بعد اكتشافهم عجزه يقينًا عن قيادة بلاد مهمة.. بعدما أتيحت له فرص الوصول إلى سُدة الحكم، وإما إلى السعى نحو محاولات قد تسفر عنها السجالات فيما بين القيادات القديمة منذ يونيو الماضى، لإعادة تكوين جسم إخوانى أعضاؤه من الشباب.. كى يبعث فيه الشرعية المفتقدة من جديد، ما تعبر عنه الأزمة الأعنف فى اختيارات الجماعة منذ إنشائها 1928، كمنظومة دعوية آنئذ فحسب، اجتذبت إليها أول الأمر زمر المهمشين ديمقراطيًّا واجتماعيًّا.. ممن استثنتهم عن التمثيل «لجنة الثلاثين» التى وضعت دستور 1923، بالتوازى مع الفراغ الذى خلفه سقوط «دولة الخلافة» 1924 من بعد هيمنتها لنحو خمسة قرون على الشعوب الإسلامية الخاضعة خلالها للإمبراطورية العثمانية قبل هزيمتها فى الحرب العظمى 1917 على يد التحالف الأوروبى، الذى سعى لوراثة منهجها فى الاستعمال السياسى للإسلام بهدف تطويع الحراك الوطنى والقومى الصاعد، ما ساعد ضمنًا على تضخم أتباع الجماعة فى الثلاثينات، وفى الجمع بين دعويتها الدينية والممارسة السياسية، ولتتسابق الجماعات السياسية، كالقصر والأحزاب، نحو مداراتها أو اكتساب ودّها، ليستفحل وجودها من ثم فى الشارع السياسى سواء بالتظاهر السلمى أو من خلال استخدام وسائل العنف والاغتيالات حتى نهاية الأربعينات، إلى أن مثلت الجناح المدنى فى ثورة يوليو 1952.. قبل اصطدامها حول السلطة مع الجناح العسكرى فى العام 1954، ليزج بكوادرها إلى السجون بالتوازى مع تحديث الأزهر وإنشاء مجمع البحوث الإسلامية وإذاعة القرآن الكريم، وإلى تحولات اجتماعية عميقة قطعت طريق الأمل على جماعة الإخوان فى إعادة استخدام البعد الاجتماعى والدينى والنفسى لإحياء ظهورها من جديد، لولا أنها عادت للحياة السياسية بفعل ما لحق النظام المصرى من متغيرات أيديولوجية منذ السبعينيات التى انتهت باغتيال «الرئيس» على أيدى متطرفين إسلاميين فى أكتوبر 1981، ولتدخل الجماعة مع النظام التالى، ولثلاثة عقود، من شد وجذب أقرب إلى المهادنة فى حضور متصاعد، وانتشار غير محدود إلى استثمارات متنوعة سمحت لها فى العام 2005 بمشاركة نحو مائة من أعضائها فى البرلمان المصرى الذى خلت دورته التالية، وبسبب مواءمات مسألة «التوريث»، من أى عنصر معارض، إيذاناً باندلاع ثورة يناير 2011 التى سرعان أن قفزت جماعة الإخوان للإمساك بزمامها، ومن ثم الصعود إلى سدة الحكم فى 2012، ولعام تال، انكشفت خلاله عجزها عن إدارة شئون الحكم، إلى أن ثار الشعب لخلعهم فى 2013، كأول مواجهة بينهما من ثمانية عقود، لم تفلح خلالها فى تحجيمهم لا المطاردة ولا المعتقلات أو السجون، غير تلك المواجهة غير المسبوقة بين الشعب والجماعة التى أسقطت زيف دعاواهم لمرة واحدة، وربما الأخيرة، ولتتفكك الجماعة من الداخل كأمر متوقع من بعد افتقادها ظهيرها الشعبى، تنظيمًا أو تعاطفًا، وفى وقت تتوسع فيه أزمة انشقاق «الإخوان» وسط اتهامات متبادلة بين ما يعرف بجبهتى لندن وإسطنبول، حيث يسير المشهد إلى انقسام (إخواني) بين تنظيمين، وهى الحالة التى يراها خبراء نتيجة طبيعية لطريقة إنشاء التنظيم، ولتدخُّل أجهزة المخابرات الخارجية فى عمله»، كما لكمون هذه المشكلات الخلافية فى جسد التنظيم الضعيف منذ إنشائه، الأمر الذى لا يغيب عن القيادة المصرية المضى فى مهمتها لبناء الوعى لتصحيح الخطاب الدينى، على غرار ما حصل فى الستينات، ما لا يكتمل إلا بمراعاة الشق المكمل للفهم الصحيح للدين والمتمثل فى إعادة التوازن النفسى والاجتماعى لطبقات شعبية مسحوقة، إذ عندئذ فقط- بالاستنارة الدينية والعدالة الاجتماعية- يمكن سطر نهاية جماعة «الإخوان» من بعد بدايتها قبل نحو قرن من الزمان كخنجر مسموم فى خصر الشعوب الإسلامية.
شريف عطية
7:20 ص, الأحد, 24 أكتوبر 21
End of current post