بقلم : شريف عطية
من نافل القول أن تُولى مصر أهمية فائقة لعلاقاتها مع الدول العظمى فى العالم، إذ بقدر ثقلها الدولى تترسخ أوضاعها الإقليمية، وبالعكس، تتقدمها الدولتان العظميان منذ خمسينيات القرن الماضى، بجانب الصين الصاعدة آنذاك، وحيث من دلالاته الراهنة.. محادثات القمة بين مصر والولايات المتحدة أبريل الجاري، وقمة مصرية- روسية قبل نهاية العام الحالي.. وفى إطار تكثيف التحضرات إلى قمة روسية- أفريقية فى «سوتشي» يرأسها كل من رئيسى روسيا.. ومصر القائمة بالرئاسة الدورية للمنظمة الأفريقية فى أكتوبر المقبل، يسبقهما استقبال مصر 6 أبريل الحالى وزير الخارجية الروسى فى إطار دعم «التفاهمات» بين الرئيسين والتعاون الثنائى بين البلدين، ذلك دون استثناء الزيارة الهامة لوزير دفاع الصين مارس الماضى لمصر (والسعودية)، استكمالاً لأربع جولات من المحادثات أجراها الرئيس المصرى فى بكين منذ 2014 بمعدل زيارة سنوياً تبرهن على عمق العلاقة بين البلدين.
ولما كانت مصر قد سبق لها أن عركت تطورات الحرب الباردة طوال النصف الثانى من القرن العشرين، من قبل تجددها فى العقد الأخير- لا تزال- فقد تراكم لديها طوال هذه الفترة العديد من التعهدات والشراكات والاتفاقات الثنائية مع كل من واشنطن وموسكو يصعب التراجع عنها.. بنفس القدر الذى من غير الحصافة التورط مجدداً فى أتون الحرب الباردة الممتدة بينهما، بمعنى أن تنحاز لطرف دون آخر كما كان الحال من قبل، بل عليها موازنتهما من فوق سلك مشدود يشكل شبكة المصالح وما يتصل بها من نوايا واستراتيجيات.. ناهيك عن المناورات المستخدمة للتمويه عليها، ما يعرضنا فى مصر لأنواع مختلفة من الضغوط.. تهدف لاستقطابنا لهذا الطرف الدولى أو ذاك، ما يضع السياسة الخارجية المصرية فى ظروف استثنائية معقدة مع عواصم القرار الدولى، كما تستوجب منها التوقف عندئذ عند نقطة «تعبوية» ثالثة بين الشرق والغرب.
إلى ذلك، ومن غير استثناء روسيا التى تواكبت نهضتها «البطرسية» مع قدوم الألف الثانية بعد الميلاد.. تلبية لطموحاتها الدولية ما بين الأساطير والآمال، فقد يمكن القول أن الولايات المتحدة منذ (1945) إلى جانب الصين منذ (1949).. باتا- من بعد- محور سياسة العالم فى القرن الواحد والعشرين، ورغم حالة التوتر والصراع بينهما.. فإن التطورات الدولية الجارية راهناً .. هى مزيج مختلط من التعاون والتنافس، بحيث يصعب على الدول المتوسطة والصغرى أو الصاعدة أن تنأى بنفسها عن قلب حالة الالتحام بينهما، ربما عود إلى بدء على غرار حالة الاستقطاب التى كانت خلال الثنائية القطبية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى السابق، إلا أن يتجنب العالم القديم- بالضرورة- الوقوع مجدداً فى أكبر كمين تاريخى واستراتيجى قد يعصف به خلال القرن الأميركي- الصينى القادم.
ولما كان التاريخ السياسى لكل من الأطراف الرئيسية لنظم الدول السابقة قد بات معروفاً مراميه وأهدافه، إلا أن الصين لا تزال غامضة فى أولى خطوات الانتقال من مرحلة «العزوف الدبلوماسي» لتصبح عنصراً فاعلاً فى النظام العالمى الجديد الآخذ فى التشكل، الأمر الذى تدركه القوى الكبرى الأخرى وتحاول احتواءه دون جدوي، إذ على سبيل المثال.. تنضم إيطاليا- كأول دولة من الدول الصناعية الكبرى السبع- إلى نادى المشروع الصينى (الكوني)- الحزام والطريق- (طريق الحرير قبل ألف عام).. لنقل التوابل والحرير من الشرق إلى الغرب قبل أن يصير الآن شبكة برية بحرية يرتبط بها سكان كوكب الأرض.. بالتوازي- للمفارقة- مع جهود الصين لغزو الفضاء، وباستثمار 150 مليار دولار سنوياً، وقد انخرطت فيه 13 دولة أوروبية حتى الآن، ما يؤمن وصول الصين بحراً إلى السوق الأوروبية للقارة العجوز التى تعيش على وقع الحرب التجارية (والدفاعية) الأميركية، والبريكست البريطانى، ولغزو البضائع الصينية لها بسيان، كما انضمت 70 دولة أخرى فى العالم إلى المشروع الذى أعلنت عنه الصين 2013، ما قد يجعل منها- حال استكماله- كأمبراطورية تختلف عن نظيراتها السابقة، من خلال هذا المشروع العابر للقارات، آسيا وأوروبا وأفريقيا، وتمتد عوائده لتشمل العالم كله، ومع أن مظهره الرئيسى اقتصادياً وتجاريا إلا أن تداعياته السياسية والاستراتيجية تقدم نموذجاً مضاداً ومختلفاً عن العولمة الرأسمالية المتوحشة، وأيضاً عن كيفية تعامل المشروع مع دول إقليمية.. من الصين إلى إيران وإسرائيل ومع السعودية وباكستان ودولة الإمارات، ناهيك عن محور إقليم قناة السويس الذى يتضمن إقامة المناطق الصناعية واللوجستية، بحيث تكون مصر مدخل الصين التجارى عبر المعبر المائى إلى أوروبا، كذلك نحو أفريقيا عبر خط السكك الحديدية من القاهرة حتى كيب تاون فى جنوب أفريقيا.. وما إلى ذلك من مجالات تعاونية مختلفة متعددة، سوف تجعل من مبادرة الحزام والطريق فرصة استراتيجية كبرى لمصر، يعززها التقدير الصينى التاريخى (المماثل) لحضارة مصر القديمة، واستباق مصر «عبدالناصر» الاعتراف كأول دولة عربية وأفريقية بالصين 1955 وليس انتهاءً بإبرام مصر «السيسي» اتفاقية الشراكة الشاملة بين البلدين فى 2014، ما سوف يدعم توقف مصر فى علاقاتها مع الدول العظمى.. عند الصين.