توقعت مؤسسة كيرنى الأوروبية لاستشارات الأسواق المالية فى تقريرها الصادر مؤخرا بعنوان مراقبة قطاع التجزئة البنكية فى أوروبا «ERBR» هبوط إيرادات التجزئة المصرفية بحوالى %20 هذا العام فى السيناريو الأساسى الذى وضعته فى ظل تداعيات وباء فيروس كورونا الذى أدى لانهيار إنفاق المستهلكين فى القارة العجوز.
ورأت مؤسسة كيرنى فى بعض السيناريوهات الأخرى أن إيرادات التجزئة البنكية من الممكن أن تهبط أكثر بنسبة تتراوح بين %35 و%40 وفقا لمستوى إنفاق المستهلكين فى أوروبا التى احتلت المركز الرابع بين قارات العالم بعد الأمريكتين الجنوبية والشمالية وآسيا فى عدد الإصابات التى اقتربت من 3.5 مليون حالة وفى المركز الثانى بعد أمريكا الجنوبية فى عدد الوفيات التى بلغت حوالى 206 آلاف ضحية فى دول أوروبا.
وأكد جيمس كينج الذى شارك فى كتابة تقرير ERBR أن البنوك الأوروبية تواجه تحديات عديدة مع انتشار وباء كورونا الذى كثف الضغوط عليها لدرجة أن عليها أن تتبنى تغييرات جوهرية أو ما يشبه الثورة إذا أرادت أن تنجو من الأزمة الصحية الحالية التى أدت لإغلاق أنشطة اقتصادية متعددة وتأخير مدفوعات العملاء على القروض والرهن العقارى و رفع الحد الأقصى للبطاقات الائتمانية وإلغاء بعض الرسوم التى كانت تتقاضها البنوك على خدماتها للعملاء لتخفيف تداعيات الوباء.
وتضمن تقرير ERBR تزايد ضغوط القواعد التنظيمية وانخفاض أسعار الفائدة إلى الصفر وحتى إلى أرقام سالبة وتفاقم تحديات التحول إلى العمليات البنكية الديجيتال والإتجاهات الديموجرافية وغيرها من المشاكل التى تعوق مستقبل قطاع التجزئة البنكية ومنها أنشطة التوفير والإدخار.
وأدى اندلاع وباء كورونا فى أكثر من 200 دولة وإصابة ما يزيد عن 24 مليون شخصا حول العالم إلى تزايد التحديات التى تواجه البنوك فى أوروبا خلال 12 إلى 18 شهرا القادمة والتى تستدعى ثورة هائلة فى القواعد التنظيمية على الأجل القريب مع هبوط إيراداتها و بقاء تكاليف التشغيل ثابتة نسبيا فى ظل توقع موجة قادمة من القروض المعدومة .
واكتشف البنك المركزى الأوروبى فى بحث نشره مؤخرا قام فيه بتحليل 88 أزمة بنكية منذ 1990 وحتى الآن ليتعرف على الدروس التى يمكن تطبيقها على أزمة مرض كوفيد 19 الحالية أن %20 فقط من الحالات كانت فيها نسبة الديون المعدومة إلى إجمالى القروض أقل من %7 والباقى أعلى منها بكثير.
كانت حكومات اقتصادات أوروبية عديدة ولاسيما تلك التى تعرضت لخسائر ضخمة بسبب وباء كورونا ومنها أسبانيا وإيطاليا وبريطانيا إتخذت تدابير دعم وتحفيز للعاملين وللشركات ولكن مع انتهاء برامج التحفيز والدعم فستظهر تداعيات اقتصادية مدمرة بسبب وباء كورونا وستواجه البنوك مشاكل خطيرة ولاسيما فى قطاع التجزئة و أنشطة التوفير.
وفى ظل هذه الظروف ليس هناك فرصة لرفع أسعار الفائدة المتدنية رغم أنه قبل ظهور الوباء كان يوجد احتمال أن أسعار الفائدة وصلت إلى أدنى مستوى لها وستبدأ فى الارتفاع فى غضون العام الحالى ولكن كورونا أحدثت صدمة انكماشية هائلة مما جعل أسعار الفائدة تظل منخفضة وربما تواصل هبوطها لفترة طويلة قادمة وهذا يعنى استمرار تراجع إيرادات التجزئة البنكية.
كان بنك أوف إنجلند (البنك المركزى البريطانى) خفض فى 11 مارس الماضى عندما أعلنت منظمة الصحة العالمية رسميا أن فيروس كورونا وباء عالمى سعر الفائدة الرئيسى من %0.75 إلى %0.25 ثم خفضه أكثر إلى %0.1 فى 19 من نفس الشهر ليسجل أدنى مستوى فى تاريخه مع تفاقم انتشار مرض كوفيد 19 فى أنحاء العالم ولاسيما فى أوروبا .
أما البنك المركزى الأوروبى فقد خفض سعر الفائدة على الودائع إلى سالب %0.5 منذ سبتمبر الماضى بينما حددت عدة بنوك أخرى ومنها بنك ريكس السويدى هذه النسبة حاليا عند الصفر لفترة غير معلومة مما أدى إلى تزايد خسائر قطاع خدمات التجزئة والإدخار فى بنوك أوروبا بسبب الوباء الذى قضى على أى فرصة لتخفيف المعاناة عنها لسنوات طويلة قادمة، مما يتعين على البنوك الأوروبية أن تخطط لثورة هائلة للتكيف مع الظروف الجديدة التى لم تشهدها فى تاريخها من قبل لأنها الوسيلة الوحيدة للنجاة من الأزمة غير المسبوقة.
واشتكى كريس دى نوس العضو المنتدب للمجموعة الأوروبية للمدخرات و أنشطة التجزئة البنكية ESBG من الخسائر التى تكبدتها البنوك بسبب تدنى هوامش أسعار الفائدة وكذلك خسائر أصحاب المدخرات وحسابات التوفير فى ظل كورونا الذى أدى إلى ضرورة التحرك نحو التكيف مع ظروف السوق التى جعلت البنوك تتجه إلى تقليل التكاليف من خلال تسريح أعداد من العاملين وإغلاق فروع خلال الشهور القادمة وفقا لتقرير ERBR والتى ستتجاوز بكثير ما حدث منذ أزمة عام 2007 وحتى الآن حيث تم تسريح 600 ألف موظف و إغلاق 61 ألف فرع.