حالة من «عدم اليقين» تُسيطر على الأسواق العالمية رغم التوقعات الإيجابية التى تفرض نفسها على أداء الاقتصاد العالمى فى الوقت الحالى، بالتزامن مع اقتراب نهاية أزمة «كورونا» إلا أنها لم تخرج من إطار «التفاؤل الحذر»، وتظل رهينة تطورات المواجهة مع الجائحة.
ويسود المجتمع الدولى حالة من الترقب بشأن طبيعة النظام الاقتصادى العالمى وسياساته النقدية بالتحديد فى ظل التوسع المستمر فى العملات المشفرة والرقمية وتوقعات الخبراء المتنوعة حول ملامح النظم المصرفية مستقبلًا.
محمد عبدالعال: المؤشرات الاقتصادية تشير إلى استقرار الوضع الاقتصادى والتضخم العالمى الطفيف «مؤشر إيجابى»
وقال محمد عبدالعال، الخبير المصرفى وعضو مجلس إدارة بنك قناة السويس سابقًا إن المؤشرات الاقتصادية تشير إلى تثبيت لجنة السياسة النقدية فى البنك المركزى المصرى خلال اجتماعها المرتقب الخميس المقبل أسعار الفائدة لاتساقها مع الأسعار الحالية المعلنة من قبل البنك.
وأوضح أنّ معدلات النمو ومؤشرات التصدير وميزان المدفوعات تتسق مع سعر الفائدة الحالى والذى يُعد متزنًا فى ظل الأوضاع القائمة، مشيرا إلى استقرار الاحتياطى النقدى رغم التغيرات الطفيفة خلال الفترة الماضية مع توقعات إيجابية بالنمو.
وعلّق على رفع أسعار البنزين 25 قرشًا من قبل الحكومة خلال يوليو الجارى بأنّه لن يؤثر بشكل مباشر على التضخم لتثبيت سعر السولار المستخدم فى عمليات النقل بشكل موسع.
وأشار إلى أنّ ارتفاع معدلات التضخم النسبية فى ظل اقتراب انتهاء جائحة كورونا عالميًا هو مؤشر محمود لخفض الركود الذى أحدثته الأزمة، فيما يتوقع ارتفاعًا طفيفًا فى بعض أسعار السلع الإستراتيجية فى حال ارتفاع أسعار المواد الخام عالميًا.
ويتوقع استقرار المستوى العام للأسعار حتى نهاية العام الجارى ليظل المعدل ما بين 5 – %6 موضحًا أن «المركزى» يضع فى الاعتبار معدلات التضخم المتوقعة فى قراراته وليست الحالية فحسب.
وعلل توقعه بعدم خفض سعر الفائدة لأنه يعكس بالضرورة وجود حالة ركود فى البلاد، الأمر الذى تنفيه جميع المؤشرات الإيجابية فى السوق حاليًا.
وأظهر البنك الدولى فى تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية أن حملات التطعيم التى بدأت العام الجارى أسهمت فى تعزيز النمو الاقتصادى، مع عودة الحياة إلى طبيعتها تدريجياً واستعادة النشاط فى اقتصادات العالم، ويتوقع أن تتسارع وتيرة النمو العالمى لتصل إلى %5.6 خلال العام الجاري؛لاستعادة الاقتصادات الكبرى نشاطها مثل الولايات المتحدة والصين.
وأوضح أنه من المتوقع أن تساهم كل من الولايات المتحدة والصين بنحو %25 من النمو العالمى فى 2021 بعد دعم الاقتصاد الأمريكى بحزمة تحفيزية، وتشير التوقعات إلى أن معدل النمو الأمريكى سيصل إلى %6.8 خلال العام الحالى فى مقابل التنين الصينى بنحو %8.5.
ويتوقع أن تتسارع وتيرة النمو فى اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية لتصل إلى %6 خلال العام الجاري؛لزيادة الطلب الخارجى وارتفاع أسعار السلع الأولية، فيما أشار إلى أنَّه على الرغم من الانتعاش المتوقع، فإن الناتج العالمى سيكون أقل بنسبة %2 تقريبا مقارنة مع توقعات ما قبل جائحة كورونا بحلول نهاية 2021.
عليا المهدى: تحريك «الكهرباء» للقطاع المنزلى فقط لن يؤثر على التضخم
وقالت عليا المهدى، أستاذ الاقتصاد وعميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة الأسبق إنّ رفع سعر البنزين بنحو 25 قرشًا لن ينعكس فى زيادة التضخم لأنها زيادة طفيفة ويعادلها ثبات أسعار السولار.
وأوضحت أنّها تتوقع تثبيت البنك المركزى لأسعار الفائدة “الكوريدور” فى ظل استقرار الحالة الاقتصادية، مشيرة إلى أنّ ارتفاع أسعار الكهرباء جاءت على القطاع المنزلى فحسب وليس التجارى أو الصناعى.
وفى سياق الموجات التضخمية التى تشهدها بعض الاقتصادات فى أعقاب جائحة كورونا، تتوقع “المهدي” تأثر السوق المصرية بشكل طفيف؛ نظرًا لأن الأسواق العالمية تضبط معدلاتها لتتحرك بين 1- %4 على أقصى تقدير.
وشدد البنك الدولى على أن وجود بوادر تثير التفاؤل بشأن الانتعاش العالمى، لا ينفى أن الجائحة لاتزال تنشر الفقر والتفاوت بين سكان البلدان النامية حول العالم، مؤكدًا على ضرورة التنسيق الدولى لضمان تسريع وتيرة توزيع اللقاحات وتخفيف عبء الديون، لاسيما عن البلدان منخفضة الدخل.
رضوى السويفى: ارتفاع طفيف مرتقب فى معدلات التضخم زيادة سعر البنزين خلال يوليو
فى السياق نفسه، قالت رضوى السويفى، رئيس قطاع البحوث فى شركة فاروس لتداول الأوراق المالية إنه من المتوقع أن يُثبّت البنك المركزى أسعار الفائدة خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية المقبل؛ وذلك لثبات غالبية المحددات الاقتصادية خلال الشهرين الماضيين.
وأوضحت أنّه من المتوقع أن تؤثر الزيادة فى أسعار السجائر والكهرباء على ارتفاع معدل التضخم نسبيًا، بزيادة نحو %1.2 على أساس شهرى و%5.8 على أساس سنوى.
ورغم تأكيد الحكومة عدم تأثر أسعار تعريفات ركوب المواصلات العامة والنقل بالزيادة المُعلنة فى أسعار البنزين، إلا أنّ “السويفى” تتوقع زيادة الأسعار بشكل طفيف من خلال استقراء الزيادات المعلنة مسبقًا وتحليلها خلال السنوات الماضية.
كما تتوقع استقرار سعر الصرف حتى شهر أكتوبر المقبل، موضحةً أن المبادرات المتنوعة التى أطلقها “المركزي” فى دعم القطاعات المختلفة تدعم الاقتصاد بشكل رئيس وتنفى الحاجة لتقليل سعر الفائدة على المدى القصير.
ومع انحسار الأزمة الصحية، سيكون لزامًا على واضعى السياسات معالجة الآثار الدائمة لجائحة «كورونا» واتخاذ الخطوات اللازمة لتحفيز النمو الأخضر الشامل والقادر على مواجهة الصدمات، مع الحفاظ فى الوقت نفسه على استقرار الاقتصاد الكلى.
وتابع البنك الدولى أن ارتفاع معدل التضخم عالميًا قد يؤدى إلى تعقد خيارات السياسات أمام بلدان الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية فى الأشهر المقبلة، مشيرًا إلى أنه لاتزال بعض الاقتصادات تعتمد على إجراءات المساندة التوسعية لضمان الانتعاش الدائم.
محمود عبادي: أتوقع التثبيت مع ارتفاع طفيف بمعدلات التضخم
من جانبه، قال محمود عبادى، المحلل المالى ومدير فرع شركة حلوان لتداول الأوراق المالية فى البحر الأحمر إننى أتوقع إبقاء البنك المركزى على سعر الفائدة فى معدله الحالى، مع ارتفاع طفيف فى معدلات التضخم؛ لارتفاع أسعار السلع العالمية والمواد الخام، والتقلبات الطفيفة فى أسعار الفواكه والخضراوات فى موسم الصيف.
وأوضح أنه يتوقع رفع “المركزي” لسعر الفائدة على المدى المتوسط؛ لضبط معدلات التضخم والتشجيع على الادخار وخفض الاستهلاك، وللحفاظ على تدفق استثمارات الأجانب، مشيرًا إلى أن تبعات ارتفاع معدلات الفائدة تعرقل جهود دعم الاستثمار والإنتاج أى مزيد من الانكماش والتباطؤ فى النمو الاقتصادى.
ويتوقع البنك الدولى أن يؤدى ارتفاع أسعار الأغذية وتسارع معدل التضخم الكلى إلى تفاقم التحديات المرتبطة بانعدام الأمن الغذائى فى البلدان منخفضة الدخل، مطالبًا واضعى السياسات فى تلك البلدان بالتأكد من عدم تسبب معدلات التضخم المرتفعة فى تغيير التوقعات بشأن الأسعار، لتجنب فرض ضغوط تصاعدية على أسعار الغذاء العالمية.
عليا ممدوح: الوضع الاقتصادى ينفى الحاجة لتخفيض «الكوريدور»
وقالت عليا ممدوح، كبير الاقتصاديين لدى بنك الاستثمار بلتون إننى أتوقع استمرار “المركزي” فى تثبيت سعر الفائدة فى ظل استقرار السوق وانتفاء الحاجة إلى تخفيضها فى الوقت الحالى.
وأوضحت أن الزيادة الأخيرة فى أسعار البنزين لن تؤثر على المستوى العام للأسعار؛ حيث عللت ذلك بثبوت أسعار السولار.
وأشارت إلى أنه من المتوقع أنّ يرتفع معدل التضخم خلال يوليو بمعدل %1.4 على أساس شهرى، موضحة أن المعدل العام سيظل فى النطاق المحدد من قبل البنك المركزى عند %6 تقريبًا.
وتابعت إنّ سعر الصرف سيشهد استقرارًا على مدار الستة أشهر المقبلة من خلال استقراء المشهد العام وحركة السوق والقطاعات المختلفة فى البلاد.
محمد أبو باشا: الصعود الطفيف فى بعض السلع غير مؤثر
من جانبه، قال محمد أبو باشا، نائب رئيس قطاع البحوث فى بنك الاستثمار هيرمس إننا نتوقع تثبيت سعر الفائدة فى ظل استقرار السوق مع استمرار المعدل العام للتضخم فى نفس النسق.
وأوضح أنّ الارتفاعات الطفيفة فى بعض السلع مثل البنزين والكهرباء لم تكن بالقدر الذى قد يحرك معدل التضخم، متوقعًا امتصاص السوق لذلك الأثر دون ارتفاع يُذكر فى المعدل العام للأسعار.
ويتوقع أنّ ارتفاع معدلات التضخم فى بعض الاقتصادات العالمية قد يؤدى لارتفاع معدل التضخم المحلى نسبيًا بنهاية الربع الأخير من العام الجارى والربع الأول من العام المقبل.
وبحسب الخبراء فإن أزمة “كورونا” تختلف عن الأزمة المالية فى 1997 و2008، حيث أوضحوا أن الأزمات المالية يمكن معالجتها بسياسات اقتصادية ونقدية، لكن الأزمة الناجمة عن تداعيات “كورونا” تمس بشكل أساسى الإنسان، وهو أهم عنصر فى منظومة الإنتاج، وبالتالى لم يكن أمام العالم سياسة محددة لتخطى تلك الأزمة.
وتتوقع منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، نمو الاقتصاد العالمى بنحو %5.8 خلال العام الجارى، و%4.4 خلال 2022، فيما حذّرت من انتكاسة جديدة للاقتصاد العالمى نتيجة ارتفاع التضخم.
وبحسب بيانات وزارة العمل الأمريكية الصادرة يوم 13 يوليو الماضى فإن مؤشر أسعار المستهلك قفز بمعدل %4.5 خلال يونيو الماضى على أساس سنوى، وهو أكبر ارتفاع له منذ نوفمبر 1991 وأرجع المحللون الأمر إلى ارتفاع الأسعار عقب عودة الحياة لطبيعتها، رغم التوقعات حول معدل التضخم خلال الخمس سنوات المقبلة بما يصل إلى %2.4 متخطيًا نطاق مجلس الاحتياطى الفيدرالى البالغ %2.
ومن خلال استطلاع رأى أجرته «المال» على عدد من الخبراء والمحللين، جاءت نتيجته بالإجماع على التوقع بتثبيت البنك المركزى لأسعار الفائدة، إلا أن الآراء تباينت بشأن التضخم والأسباب التى قد تدفع باستقراره أو تقلبه الطفيف نتيجة بعض التغيرات خلال يوليو الماضى.