تنفيذ مقاولة إعمار غزة!

هو ما يدعونا لتكرار التساؤل عن الأهداف الجيوسياسية حول ما إذا كانت العمليات العسكرية فى غزة

تنفيذ مقاولة إعمار غزة!
محمد بكري

محمد بكري

10:11 ص, الخميس, 13 مارس 25

مرة أخرى، يثبت الأدب أنه مرآة استشراف المستقبل من الواقع! نشرت هنا في6 نوفمبر 2023 مقالًا بعنوان (مقاولة أعمار غزة)، راصدًا واقعًا أرضيًا قارنته بحالات مثل سابقة، توسمت أن “قضية إعمار غزة (كمدينة أو مشروع)، هى اللغز الإستراتيجى الحقيقى فى الأزمة!” لإعادة تشكيل المنطقة جيوسياسيًا، وهو ما ظهرت بوادره فى الآونة الأخيرة! فقد أعلنت إسرائيل عن بدء العمل فى مشروع قناة بن غوريون، بهدف ربط ميناء إيلات على البحر الأحمر بميناء عسقلان على البحر المتوسط، مما يُعتبر محاولة لمنافسة قناة السويس، وقد أثار هذا المشروع جدلاً واسعًا حول تأثيره المحتمل على الاقتصاد المصرى والأمن القومى للمنطقة، من جهة أخرى، تُقدر الأمم المتحدة أن إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان الإسرائيلى الذى استمر 15 شهرًا ستكلف مليارات الدولارات، مع تحديات كبيرة فى إزالة الركام وإعادة بناء البنية التحتية. وفى هذا السياق، تبنت القمة العربية الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة كبديل لمقترح الرئيس الأمريكى ترامب، الذى دعا إلى إقامة “ريفييرا الشرق الأوسط” فى غزة. وهو ما يدعونا لتكرار التساؤل عن الأهداف الجيوسياسية حول ما إذا كانت العمليات العسكرية فى غزة تهدف لتهيئة الظروف لتنفيذ مشاريع إستراتيجية، مثل “قناة بن جوريون”، مما يعكس استخدام الحروب كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية؟ كثيرا ما يكون فى الأدب صورا مستقبلية تستشرف الغد ويمكن الاستفادة منها فى التخطيط الإستراتيجي! ففى مقالى السابق وبعد شهر واحد من اندلاع النار فى الهشيم الغزاوي، لمحت فى ضوئها أشباح المصالح الدولية التى تستهدف الثابت (الأرض، الموارد، الموقع) تحت ستار المتغير (حماس والقضية الفلسطينية)! فالظاهر والثابت الآن أنه كان هناك تخطيط مُحكم لمقاولة هدم غزة، لإعمارها خدمة للمشاريع الجيوسياسية الجديدة! فنحن الآن فى مرحلة (تنفيذ) المقاولة، ومناقصات المقاولين، وهوية التصاميم! فكما ذكرت مسبقا “عقود مقاولة إعمار غزة تتجهز يا سادة (إن لم تكن وُقعت)! وما نحن فيه جزء من milestone توافقى محترف، يحتاج لوعى وحنكة أكثر احترافا ووطنية لإنقاذ الدار والدوار والدوارة والدردارة!” (يكفى استرجاع تصرفات وتصريحات القيادة الأمريكية فى هذا الأمر واختلاف رد الفعل العربي)! على مر الزمن أثبت الأدب أنه مرآة تعكس هذه التحولات بوضوح أكثر مما قد تفعله التحليلات السياسية المباشرة، ولعلنا نحتاج لإعادة قراءة للأدب العربى لنستشرف آفاق باقى القرن الـ٢١! وللتأكد.. هذا هو النص الأصلى للمقاولة التى تُنفذ حاليا!

((هل تعود غزة للحياة بعد الموات، مثل إعمار هيروشيما، ودمشق، وبروج بلجيكا، وساراييفو، البوسنة والهرسك – كنماذج لمدن تم تدميرها وأعيد بناؤها فكان بعضها مركزا حضاريا مزدهرا، والآخر استعاد بعض من روحها التاريخية والثقافية، والآخر مقاصد سياحية وتاريخية محمية؟ أم تنضم لحال حلب والرقة بسوريا، الفلوجة والموصل بالعراق – كنماذج تعرضت للدمار ولم تتم إعادة تعميرها أو عُمرت جزئيا؟ وهل عقود المقاولات والتعمير تم توقيعها فعلا، وتنتظر التسوية السياسية؟ أم سيذكر التاريخ “عملية طوفان الأقصى/السيوف الحديدية” فى غزة 2023، كإحدى حالات استخدام الحروب والتدمير لتحقيق أهداف سياسية، مثل هتلر فى الحرب العالمية 2، الحرب البارة بين الاتحاد السوفيتى وأمريكا وحلفائهما، وغزو العراق للكويت 1990؟، وكلها حالات لغزو الدول والتوسع الإقليمي، واستخدام الحروب والتدمير لتحقيق أهداف سياسية، أو السيطرة على موارد النفط؟ أم ستكون غزة الترجمة الدموية لصفقة قرن ترامب 2017 (غير المقدمة رسميا)، كحل القضية الفلسطينية بإقامة دولة فلسطينية بدون جيش بالضفة الغربية وقطاع غزة، وقيام مصر بمنح أراضٍ إضافية للفلسطينيين، لإنشاء مطار ومصانع للتبادل التجارى والزراعة، دون السماح للفلسطينيين للعيش فيها، مع الاتفاق على حجم الأراضى وثمنها، فضلا عن إنشاء جسر معلق يربط بين غزة والضفة لتسهيل الحركة؟ فهل سيكون إعمار غزة للغزاويين، أم للمتبقى منهم، أم لإسرائيل بعد تفريغها القطاع دمارا أو قصرا أو اتفاقا؟

ما يتم التركيز عليه عالميا حاليا منذ 7 أكتوبر 23، هو رصد المجازر البشرية وتدمير المدينة، ومناشدات وقف إطلاق النار وحماية المدنيين بالجانبين، وتقديم المساعدات الإنسانية، ونسج روايات المؤامرة حول تنفيذ الصفقة غفلة أو عنوة أو اتفاقا! – ولأسباب كثيرة جدا، لن يسمح جحا بنزع مسماره أو ضربه أو كسر هيبته! كذلك فإن تحول المسمار لخازوق وإسفين صمم خريطة اقتصادية جديدة من شقوق البيت ووعيه الجمعي، جعل للشقوق مصالح حقيقية فى المسمرة تحتاج بقاءها، لتتماسك بالخريطة المعدلة لضمان استمرارها.

وبالتالي؛ هل تكون حرب غزة هى حصان طروادة القرن 21 لتمرير “قناة بن جوريون”، للربط بين إيلات والبحر الأبيض المتوسط، لكون أرض غزة فقط القابلة للحفر بخلاف أراضى المنطقة الصخرية؟ وعليه تكون الحرب هى الأداة العملية، التى حشد لها مينالاوس وأجاممنون الإعلام، لتحقيق أطماع سياسية واقتصادية بالمقام الأول؟ وبغض النظر عن تدمير المدينة وتحويل شعبها لأرقام وأهداف، لينفذ الخازوق شقه الأخير بمشروع القناة، مهددا مصر والأردن؟ فينخفض مدخول مصر من 8 مليارات إلى 4 مليارات دولار تحصلها إسرائيل، فطالما نجح الخازوق فى إحياء كميات من البحر الميت بالصب فى قناته، فستكون شراكة سياحية رائعة ومحرجة للجيران، ولكنها ستدعم اقتصادا منهارا! وبالتالى سيكون تدمير غزة هدفا ساميا لإعمار بن جوريون، وتغييرا مبدعا لخريطة النقل العالمي، ومقدمة “لمشاريع أكبر مثل مد أنابيب عبر الأردن أو بطريق محاذٍ للأردن، لمد أوروبا بالنفط والغاز” كرأى الاقتصادى الأردنى حسام عايش!

لذلك فقضية إعمار غزة (كمدينة أو مشروع)، هى اللغز الإستراتيجى الحقيقى فى الأزمة! فلا شك أن أهوال الحروب وآثارها ودمارها تعز عن الوصف أو التبرير، ولكن البعض يأخذها كعملية “فصد” بسحب الدم الفاسد من الجسم، حلا لضغوط الإرهاب، وأشباح الإفلاس الاقتصادى والسياسي، وإعادة ترتيب الجغرافيا لصنع تاريخ جديد! تخيل قناة بديلة لقناة السويس، وتقبل إلغاء كامب ديفيد، وشراكة تجارية وسياحية رسمية مع الأردن، ودعم أمريكى مستمر، وتطبيع اقتصادى مع أغنى دول عربية الإمارات وقطر والسعودية قادمة، والشرط الوحيد حل مسألة غزة بالقضاء على حماس نهائيا )هدية للمُطبع الجديد) وإضعاف الفلسطينيين وطردهم من أراضيهم لمصر أو الأردن أو أى مكان آخر، لإفساح الطريق لـ”بن جوريون” الجديد (وتسمية القناة به مقصودة، لرمزية تأثير بن جوريون فى قيادة الاستيطان منذ 1920، ثم تأسيس إسرائيل كأول رئيس وزراء يستمر 30 سنة، وقيادته لحرب الاستقلال 1948)، وبالتالى فتجميع أشلاء غزة برمتها، كحصان طروادة، لولادة دولة القناة الحديثة، هو إعمار مستهدف لباقى القرن 21، يستثمر فيه الخازوق أطماع جحا وشبق الشقوق، لبناء بيوت جديدة تشغى بالمسامير والخوازيق والصناعات المستفيدة والمقاولات المستمرة.

فإذا كانت دماء غزة هى البساط الأحمر ومفتاح المشروع الجديد، لاستحداث واقع أجدد، وتاريخ أوجع، فمن أدار المفتاح الآن؟ من أوقد نار حرب يستطيع إخمادها؟ هل ستنز “ويكيلكس” وثائق قريبا عن كواليس غزة وبن جوريون؟ هل ستدفن أسرار صفقة القرن تحت حفر الـ 10 أمتار أعمق من قناة السويس؟ هل ستشهد بنوك سويسرا وليشتنشتاين وكايمن والإمارات حسابات بأسماء النجوم؟ هل ستنجح غزة فى تعميرها بسواعدها أم بالشركات العالمية؟ وهل ستتحمل مصر والأردن فاتورة إعمار غزة، فى الأرض والاقتصاد وغضب الشارع؟

عقود مقاولة إعمار غزة تتجهز يا سادة (إن لم تكن وُقعت)! وما نحن فيه جزء من milestone توافقى محترف، يحتاج لوعى وحنكة أكثر احترافا ووطنية لإنقاذ الدار والدوار والدوارة والدردارة! وإلا ستنضم طروادة، لنهضة، دائنين يحرصون على الموات لا الموت! لتكون طروادة /غزة رايح جاي؟))

* محامى وكاتب مصرى

‏bakriway@gmail.com