وبينما أنا قابع فى مكتبى أتثاءب مثلكم فى انتظار التغيير.. عرجت أناملى إلى لوحة مفاتيح جهاز الكمبيوتر بجوارى- كعادتى لقتل الوقت والملل- وانفرجت معها حدقتاى استعداداً لا شعورياً منهما، لمزاولة هواية التجوال بين مواقع الانترنت المختلفة، ومن المواقع الاخبارية إلى الاقتصادية والمالية والثقافية، بل والترفيهية والرياضية، بدت جميع الأنباء والموضوعات متشابهة مكررة، لا جديد فيها رغم جدتها فى كثير من الأحيان.
وفى أتون الضجر تسمرت عيناى فجأة على سؤال بدا بسيطا- وربما ساذجا- على موقع مصراوي دوت كوم، طرحه محرروه فى خبث محمود لا يمكن إنكاره في صورة استقصاء للرأى: هل سعدت بقرب استقالة عاطف عبيد؟ ولم يدعوا مجالا للمتجولين والزائرين وعابرى السبيل من أمثالي إلا بالتصويت بإحدى الإجابتين.. نعم أو لا.
وبسرعة البرق قفزت بكف يدي على «الماوس»-أو الفارة كما يصر البعض على تسميتها على سبيل التعريب- أكاد أن أعتصرها، لأضغط بلهفة لا تخلو من عنف على الدائرة المخصصة للاجابة بنعم.
مرت لحظات من الصمت الثقيل انتظاراً للنتيجة، أطلت بعدها الويندو- أو النافذة لمن يفضل التعريب- المخصصة لعرض النتائج.. 13431 زائرا أدلوا بأصواتهم، وهو عدد ربما يفوق عدد المصوتين الحقيقيين في أكبر دائرة على مستوى الجمهورية فى أى انتخابات وذلك بالطبع قبل إضافة العدد اللازم من الموتى والمتغيبين والمغيبين، لإنجاح المرشح المطلوب، سواء كان ابن الحزب أو أبناً سابقاً له- الحزب- صار منشقا مستقلا، يسعى لاستخدام ما يملكه من نفوذ وعدة وعتاد وبلطجية، لتأديب من تجاوزه فى الاختيار!
والطريف أن النتيجة جاءت أيضاً مشابهة لما جبلنا عليه فى اقتراعاتنا بالغة «الديمقراطية».. %96.54 قالوا «نعم» أى نعم سعدنا بقرب استقالة عاطف عبيد و%3.46 قالوا (لا)!
وبداية أود التنبير على تحفظى الدائم على نتائج هذه النوعية من استطلاعات الرأي وذلك لسببين:
أولهما أنها لا تمنح الفرصة للمقترعين إلا للاختيار ما بين إجابات محدودة ضيقة مفروضة عليهم سلفا وهو ما قد ينجم عنه فى كثير من الأحيان، إغفال لاختيار معين- بدون قصد- ربما كان وجوده كفيلا، بقلب النتائج النهائية للاستقصاء رأساً على عقب.
وعلى سبيل المثال لنا أن نتخيل إضافة اختيار ثالث للاستقصاء السابق من عينة: لم يسعدنى ولم يحزنى، أو أنا غير مهتم، أو أنا مكتئب فى جميع الأحوال، أو زيد زى «عبيد»، وأزعم أن هذا الخيار الذى تعمدت صياغته فى أربعة عبارات مختلفة، لم يكن ليقل نسبة المصوتين لصالحه عن 50%، لأنه ببساطة يعبر عن واقع حال وسلوك الأغلبية الصامتة، وأتصور أن هؤلاء قد اضطروا إلى اصطناع السعادة برحيل عبيد، مؤثرين ذلك التصنع على بذل مجهود نفسى يفوق قدرة البشر بإدعائهم، أنهم تعساء لاستقالته، وهو ضمنياً فحوى الخيار الثانى الذي أتاحه لهم المسئولون عن الاستقصاء بالموقع.
أما ثانى أسباب تحفظي، فيعود إلى عدم قدرة النتائج الناجمة عن هذه الاستقصاءات على منح تفسيرات علمية، لما يدور فى أرض الواقع، وأعلم تماماً أن لا أحد يدعي أن هذا دورها، فهى تصمم فى جميع أنحاء العالم، لمجرد قياس اتجاهات محددة، إلا أن بعض ممن يدركون هذه الحقيقة، قد يخرجون بنتائج مضللة فى حالتنا هذه، فقد يعتقد البعض- على سبيل الخطأ- أن اتجاه التصويت يعتبر مؤشراً لا يدع مجالاً للشك على كراهية المواطنين لشخص رئيس الوزراء، أو تدهور بالغ لشعبيته يستلزم معه تغييره أو استبداله، في حين أننا نتصور أن التصويت لم يكن موجها لشخصه، وإنما لعبيد كرمز لأوضاع قائمة لم يصنعها، وإنا أنتجته هي، وستعيد إنتاج أى عبيد آخر قد يأتى إلى مقعده!
وبرغم كل تحفظاتنا، يظل اختراع «الإنترنت» وسيلة تكاد تكون وحيدة فى أيدي كل هؤلاء المحرومين من الحرية، للتعبير والتنفيس عما يختلج فى صدورهم من رغبة فى التغيير.
حازم شريف
7:54 ص, الأحد, 27 يونيو 04
حازم شريف
7:54 ص, الأحد, 27 يونيو 04
End of current post