إلى أين سوف تمضى بنا، وبنفسها، الدولة الإثيوبية ذات الـ110 مليون نسمة، والتى تنطوى على 10 إثنيات عرقية و90 لغة، والموزعة بين الإسلام %34.. والمسيحية %63، سواء فى مضيّها نحو تأكيد مركزية الحكومة الاتحادية فى أديس أبابا، على حساب أقاليمها وعرقياتها، أو سواء باتجاه العمل على الانتقاص من حصة مصر المائية (55 مليار متر مكعب) لحساب إسرائيل القابعة بالقرب من نهاية مصب نهر النيل، الظامئة- تاريخياً- لمياهه، ما يدفعها إلى تحريض دولة أعالى النهر (الأثيوبية) لبناء «سد النهضة» مقابل الارتقاء بمركزها الإقليمى، كنموذج واعد لنمر أفريقى اقتصادى، حتى ولو كان ذلك على حساب إشعال التوتر واللا استقرار فى مجمل الإقليم.. حيث المخاوف من قيام حروب أهلية مفتوحة لما هو خارج حدود أثيوبيا، وإلى واجهات القواعد العسكرية المنتشرة لحساب مختلف القوى الكبرى فى منطقة القرن الأفريقى التى تمتلك- وجيرانها- ثروات لا مثيل لها.. لولا تورطها دون توقف فى أتون صراعات سياسية واجتماعية.. تهدد بتوقف مؤهلات التقدم والتنمية، خاصة فى دولة كبيرة مثل أثيوبيا أمسكت بها النيران مؤخراً لترفع لهيب الحرب الأهلية التى لا يستطيع أحد حتى الآن التنبؤ بمداها الزمنى أو المكاني.
إلى ذلك السياق الذى يتصل بالتاريخ غير البعيد لأثيوبيا، بدءًا من هزيمتها الإيطاليين 1896، وبالتزامن مع الحملة المصرية- البريطانية على السودان، المتاخم (للحبشة) التى توارثت النظم الإمبراطورية عروشها منذ 1270، إلى أن تربعت عليه فى 1930 أول امرأة تتقلد مثل هذا المنصب فى أفريقيا، ليخلفها من بعد «هيلا سلاسي» الذى حكم إثيوبيا- بعد لأى من الداخل والخارج- كإمبراطور مطلق فى أواسط الستينيات، حيث أمعن- وأسرته- فى الإنفاق الباذخ، فيما كانت المجاعة تحصد آلاف الأرواح 72 – 1974، إلى أن أطاح به وقتئذ الضابط «منجستو» لحساب عهد جديد يتبنى الماركسية – اللينينية، الملتحق بالنفوذ السوفيتى، قبل أن يسقط من ثم ما سمي بـ«عهد الإرهاب الأحمر» فى العام 1991 على يد «ميليس ميناوي» (المنتمى لإقليم تيجراي).. الذى وصف أحوال الأثيوبيين آنئذ بالقول عن خلاصة طموحه بأن يتمكن الأثيوبى من «تناول وجبات ثلاث فى يومه»، ذلك قبل أن يصل إلى السلطة من بعد رحيله فى 2018 «آيبى أحمد»، كرجل دولة وسياسى داهية، أسلم أذنه لمخططات إسرائيل بشأن «سد النهضة»، ذلك من قبل اندلاع الحرب الجارية حتى اليوم بين السلطة المركزية فى أديس أبابا.. وجبهة إقليم تيجراى التى سبق لها أن لعبت الدور العسكرى الأبرز فى إضعاف «منجستو» ثم إسقاطه، الأمر الذى يثير المخاوف من عودة حرب أهلية مفتوحة إلى الواجهة الإثيوبية، وجوارها، سواء مع أريتريا أو الصومال الجريح منذ العام 1992، ناهيك عن توابع الأزمات الإنسانية الناتجة عن تدفق اللاجئين إلى أريتريا وجنوب السودان، ومن دون استثناء انعكاس حالة اللا استقرار على ملف سد النهضة، إذ سوف تتذرع أديس أبابا بالحرب لتجميد المفاوضات بشأنه، كسباً لمزيد من الوقت لاستكمال بناء السد وفق رؤيتها وشروطها، خاصة مع التغير الآتى للرئاسة الأميركية، ما قد يستدعى حينئذ من مصر استنفاد السبل الدبلوماسية.. اللجوء للتفكير إلى استخدام خيارات أخرى تحسم الموقف، بحيث قد تتحول أثيوبيا عندئذ إلى ما سمته صحيفة الجارديان البريطانية «ليبيا شرق أفريقيا»- كاحتمال وارد إذا طال أمد النزاع، سواء فى شقه الأثيوبى- الأثيوبى أو بينها وبين مصر، ذلك فيما تقف معظم الكتل الخمس الجغرافية التى تتوزع عليها القارة الأفريقية إلى جانب موقف مصر من قضية السد، باستثناء بعض أصوات فى القارة تمالئ أثيوبيا، ما ينعكس على الموقف داخل الاتحاد الأفريقى، المهدد للتحول بسبب قضية سد النهضة إلى اتحاد هش يعانى مشكلات جمة لا تحتاج إلى المزيد من الخلافات لكى تضرب محاولات العمل الجمعى الأفريقى الذى سيكون عندئذ أول من يدفع الثمن.. لو لم ينجح فى تطويع أثيوبيا ما بين الدبلوماسية أو الحرب.