أكد من ملاك السفن والوحدات البحرية، وجود مجموعة من المعوقات تقف أمام خطة التوسع فى استغلال موقع مصر بزيادة حجم السفن التى ترفع العلم المصري، بالتزامن مع الإعلان عن تطوير الترسانات البحرية، فى نفس الوقت الذى استفادت كثير من الدول الأخرى من هذا النشاط، منها «بنما واليونان، وليبيريا» على سبيل المثال.
وحدد عدد من العاملين فى القطاع، 5 عوامل تساعد فى عودة الروح إلى الأسطول التجارى المصرى لسابق عهده، ليحتل مرتبة متقدمة بين الدول الأخرى حال تنفيذها فى السنوات المقبلة.
جاء فى صدارتها، ضرورة منح مجموعة من الحوافز الضريبية باعتبارها أحد الأدوات الجاذبة لرفع العلم المصرى على السفن، بالإضافة إلى ضرورة ثبات قرارات الجهات القائمة على تنظيم عمل السفن منها الهيئة المصرية لسلامة الملاحة البحرية، خاصة أنها تتغير بشكل مستمر، فضلًا عن تسهيل إجراءات التسجيل التى تسيطر عليها البيروقراطية الشديدة فى الوقت الحالي.
شملت مقترحات العاملين فى القطاع أيضًا، ضرورة تغيير مفهوم قطاع البنوك لمجال الاستثمار فى السفن، وإطلاق مبادرة تمويلية بشروط تضمن تحقيق هدف الدولة نحو زيادة السفن الرافعة للعلم المصري، وأخيرًا تعديل التشريعات الحاكمة لخريطة العمل فى صيانة وبيع السفن داخل السوق المحلية.
كشف تقرير لقطاع النقل البحرى -المشرف على الموانئ المصرية- نهاية أبريل الماضي، عن وصول عدد سفن الأسطول الوطنى حتى نهاية عام 2021 لقرابة 118 سفينة بحمولة تصل إلى 1.5 مليون طن، كما وصلت الموانئ البحرية المصرية إلى 54 ميناء منها 15 ميناء تجاريًّا و39 ميناء تخصصيًّا بنهاية 2021.
العقاد: «الضريبية» فى صدارة المطالب.. ووجود قناة السويس عامل مساعد فى النجاح
فى البداية أشار المهندس أحمد العقاد، رئيس شركة ماهونى للملاحة المالكة لسفن بحرية، إلى أن الأسطول الوطنى كان يزيد عن 170 سفينة ترفع العلم المصري، إلا أنه تراجع بصورة كبيرة خلال الفترة الأخيرة.
وأوضح أن وزارة النقل تنبهت لهذا الأمر خلال إنشائها لمحطات الحاويات، وأصبحت تبحث عن خطوط ملاحية للدخول فى تلك المشروعات، لافتًا إلى أن أحد أسباب نجاح المحطات هى إقبال سفن عليها لتحقيق معدلات تشغيلية تجارية.
وتابع «العقاد» أن النقل البحرى ليس حاويات فقط، موضحًا أن سفن الصب تُعَدُّ جزءًا كبيرًا من تجارة مصر خاصة «الجاف»، مشيرًا إلى أن الاستثمار فى تملك وتشغيل السفن التجارية بأنواعها من أعلى الاستثمارات، لاسيما مع زيادة الإقبال على النقل البحرى باعتباره أرخص الوسائل، وأقلها تكلفة.
وأشار رئيس شركة ماهوني، إلى أن ما يمر به العالم الآن من تقلبات وحروب، يجبر المستثمرين على توخى الحذر فى عملية تملك السفن، نظرًا للتكاليف العالية، لافتًا إلى أنه أصبح هناك ندرة فى السفن المستعملة المعروضة للبيع، والتى تصلح لتكوين أسطول تجاري، بالإضافة إلى ارتفاع مدخلات صناعة السفن من ناحية أخرى.
ولفت الى أن السفينة التى تم بناؤها منذ 10 سنوات، سيكون عمرها الافتراضى 25 عاما، بمعنى أنها ستعمل فقط لمدة 15 عامًا، بينما الاستثمار فى محطات الحاويات يزيد عن 35 عامًا، لذا فى حالة أن يكون أن هناك رغبة لزيادة عدد السفن المصرية فلابد من وجود مزايا تفضيلية لهذا النشاط تحفز على الدخول.
وأشار إلى أن معظم الدول الواعدة فى هذا النشاط تطبق نظامًا ضريبيًّا يختلف عن الأنشطة الأخرى، فيتم دفع الضريبة على الحمولة، ومن ثم تقسيم أنواع السفن وفقًا لحمولتها، وكل منها لها شريحة ضريبية، وهو النظام الذى يتم العمل به ويحفز من التحديث وتحسين الأداء البيئى للأساطيل التجارية.
ولفت «العقاد» إلى أن المزايا الأخرى التى يمكن منحها لزيادة حجم الأسطول التجارى المصرى على سبيل المثال لا الحصر، منح أولوية فيما يخص أولوية التراكى على الأرصفة والمعاملة النقدية بالموانئ، بحيث تكون أقل من السفن الأجنبية فى رسومها المدفوعة للموانئ والجهات المعنية.
وتابع شركة ماهونى تدير حاليًّا 3 سفن ترفع العلم المصري، تعمل فى نشاط الروافد بمنطقة البحر المتوسط، بالإضافة إلى 3 وحدات اخرى ترفع العلم الأجنبي، وذلك بالتعاون مع شركات أجنبية، والتى تعمل أيضًا فى نشاط الروافد بمنطقة الخليج العربى والبحر الأحمر.
وأوضح أن الشركة حاليًّا فى حالة ترقب بسبب تذبذب أسعار السفن، موضحًا أن ذلك بسبب تأثيرات السوق العالمية جراء كوفيد 19 والحرب الروسية الأوكرانية الأخيرة، وهو ما يعمل على إعادة النظر فى أية توسعات خلال الفترة المقبلة.
ولفت إلى أن فكرة تملك الأسطول التجارى ليس له علاقة بموقع مصر، فمثلًا شركة ام اس سى تعد أول شركة فى العالم من حيث تملك وتشغيل الأسطول، وهى سويسرية، وتُعد من الدول الحبيسة بأوروبا، وكذلك شركة ميرسك الدنماركية التى تقل موقعها ومساحتها عن مصر بشكل كبير، وهى ثانى شركة حاويات فى العالم، إلا أنه قد يكون تمتع مصر بالسواحل وقناة السويس دافع وراء زيادة الخدمات بالموانئ.
وأعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، خلال الاحتفالية التى أقيمت بمناسبة الإعلان عن افتتاح أول ستة أفرع خارجية لشركة «جسور»، التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام أن الحكومة تستهدف خلال المرحلة القادمة زيادة أسطول النقل البحري؛ من أجل تسهيل النقل والشحن وتقليل نفقاتهما، ومن ثم زيادة حجم الصادرات.
كامل: عزوف البنوك عن تمويل القطاع واعتباره عالى المخاطر حد من إقبال المستثمرين
ويرى الدكتور محمد كامل، المستشار الاقتصادى لإحدى شركات الملاحة، أن كثيرًا من جهات التمويل فى مصر لا تدعم قرار الاستثمار فى النقل البحرى من منطلق أنه عالى المخاطر.
ولفت إلى أن البعض يتصور أن مجرد توافر البضاعة كفيل بنجاح تملك وتشغيل سفن -هذا شرط لكن ليس كافيًا- خاصة أن صناعة النقل البحرى ترتبط بالتجارة العالمية، وليس مجرد الصادرات والواردات المحلية فقط، والتى تعد نسبتها محدودة فى حين يوجد منافسة كبيرة عليها من قبل الخطوط الملاحية العالمية.
وأوضح أن تملك أسطول يرفع العلم المصرى يواجه عدة إشكاليات أهمها النص التشريعى الذى يتطلب ضرورة الحصول على الموافقة الكتابية لوزير النقل قبل بيع السفينة، وأن بيع سفينة ما بين طرفين مصريين يشترط تسجيلها فى الشهر العقاري، رغم أنها ليست عقارًا، ويسدد عن تلك العملية مبالغ وإجراءات طويلة.
وقال «كامل» إن اقتناء سفينة يتطلب استثمار يتعدى مئات الملايين من الجنيهات، ففى بعض الحالات يفضل المستثمر أن يحصل على تمويل وتسهيلات، وفى حالة الحصول على التمويل من أطراف أجنبي، يصطدم بالتشريع مرة أخرى فى عدم قبول رهن السفينة لأطراف أجنبية، وعدم تفضيل جهات التمويل الوطنية تغطية هذا النوع من الاستثمار بما يجعل شريحة استثمارية لا تفضل رفع العلم المصري، وتلجأ لأعلام الدول التى لا تضع هذا العائق فى التسجيل.
وطالب بتطوير جذرى لهيئة السلامة، باعتبارها جهة تسجيل الوحدات البحرية وما تقدمه من خدمات، حتى تكون على المستوى المقبول لدى المستثمرين، مع الاستفادة بتجارب الدول التى ذات الخبرة العالية فى هذا المجال.
واتفق القبطان عبدالمجيد عبدالسلام، خبير إدارة السفن مع -سابقيه-، فإن الجهات المعنية رغم خبراتها البحرية الكبيرة فإنها تفتقر إلى المرونة مع التغيرات الدولية والوقوف على مدى احتياجات ملاك السفن إلى التسجيل العلم المصرى بأسرع وقت.
وأوضح أن هناك معوقات مرتبطة بعمر الباخرة، إذ يشترط أن يصل عمرها إلى 20 عاما فى حالة أنها مستعملة، والحديث منها مكلف للغاية مما يتطلب إعادة النظر.
وقال مصطفى كامل، مدير أحد التوكيلات الملاحية، أن أكثر دول العالم تسجل أعلى مؤشرات فى تسجيل العلم هى «بنما، ليبيريا، ومالطا، وجزر المارشال»، لمنحهم مزايا ضريبية كبيرة فى إجراءات التسجيل، عكس الموجود حاليا بمصر.
ولفت إلى أن دولة بنما لديها أكبر أسطول شحن فى العالم، إذ يضم نحو 7100 سفينة مسجلة، وذلك نتيجة سهولة الإجراءات والحوافز الضريبية، إذ يعد أحد العوامل الهامة الذى استغلها الكثير من المستثمرين.
وقال إن إجراءات تسجيل العلم المصرى تعد طاردة للمستثمرين والملاك، إذ يعانى من بيروقراطية فى الإجراءات، مما يدفعهم إلى العمل فى موانئ خارج المياه المصرية لتحقيق مكاسب، خاصة أن نوالين الشحن داخل السوق المصرى تعد منخفضة مقارنة بأسعار الخارج.
فتح الله: بدء تطوير مواقع بناء وصيانة السفن شرارة أمل يجب تكليلها بخطوات قوية لإزالة البيروقراطية
بدوره، أوضح المهندس فتح الله عبدالعزيز، رئيس الشركة الأهلية للملاحة، أهمية تنفيذ مشروع وزارة النقل لإعادة هيكلة الترسانات البحرية، والتى من المتوقع أن تقوم بزيادة طاقتها للإصلاح وبناء السفن، مطالبًا بضرورة النظر فى التوصيات التى صدرت عن الحوار المجتمعى الذى عقده قطاع النقل البحرى خلال السنوات الأخيرة مع المجتمع الملاحي.
وأشار إلى أن تكلفة بناء السفن فى مصر، يُعد منخفضًا نسبيًّا إذا تم مقارنتها بعملية الشراء حاليًا، مطالبًا بضرورة أن يتم وضع الترسانات المصرية على خارطة بناء السفن العالمية.
وطالب بضرورة إطلاق مبادرة من البنك المركزى تلزم البنوك بالقيام بتمويل ما يزيد عن %85 من تكاليف السفينة، على أن يتم تمويل الباقى من المشغلين وهو ما يعمل على تشجيع وزيادة حجم السفن رافعة العلم المصرى خلال الفترة المقبلة.
ولفت إلى وجود بعض المعوقات فى القوانين والقرارات الوزارية المعمول بها حاليًا مما يمنع دخول البنوك لتمويل هذا النشاط، وأهمها شروط تسجيل السفن فى الشهر العقارى، وموافقة الوزير على بيع أى سفينة ترفع العلم المصرى.
وتابع عبدالعزيز أنه يمكن أن تتقاسم البنوك ملكية السفن مع رجال الأعمال الراغبين فى اختراق هذا النشاط أو الذين لديهم خطط للتوسعات، وهى تجربة نجحت خلال السنوات الأخيرة بدخول البنك الأهلى كشريك بنسبة تزيد عن %30 فى شركة الملاحة الوطنية.