إيمان القاضي وعبدالغفور أحمد محسن
“نحن نستثمر في شركة مرافق بكراتشي في باكستان منذ 8 سنوات.. هذه دولة لا تُعرف بالشفافية.. كما أن حكومتها قد تطالبك في بعض الأحيان بمحاباة ما أو بعض المال أو أشياء من هذا القبيل.. لكننا ذهبنا إلى هناك ونفذنا كل أعمالنا كما يقول الكتاب.. تفادينا كل العراقيل التي كانت لتجبرنا على الاتصال بالحكومة”، قال عارف نقفي عارف مؤسس أبراج هذه العبارات عام 2017 في فعالية علنية بالولايات المتحدة، بينما كان بالفعل غارقا في دفع الرشوات للمسئولين الباكستانيين، وفقا لجهات التحقيق الأمريكية.
كلمات نقفي التي قالها لدى مشاركته في ندوة بمؤسسة “ملكن انستيتيوت” البحثية بالولايات المتحدة، كانت تستهدف الدفاع عن الاستثمار في الأسواق الناشئة وتبديد التقدير الغربي “غير العادل” لحجم المخاطر بتلك الأسواق، على حد تعبيره.
20 مليون دولار لمسئولين كبار “منتخبين”
لكن وبحسب لائحة اتهام جديدة موسعة لنقفي ومجموعة من مساعديه نشرتها جهات الادعاء الأمريكية، الخميس الماضي، وحصلت “المال” على نسخة منها، سمح نقفي في يونيو 2016 بتحويل 20 مليون دولار لحساب مسئول باكستاني كان على علاقة وثيقة بمسئولين كبيرين منتخبين في البلاد، فضلا عن رشوة أخرى لمسئول باكستاني آخر دفعها في الفترة من 2013 إلى 2016.
وكانت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية قد نشرت تحقيقا في أكتوبر من العام الماضي قالت فيه على لسان مصادر لم تسمها إن رشوة دفعها نقفي كانت موجهة لنواز شريف رئيس وزراء باكستان السابق وأخيه.
ويقبع شريف حاليا في السجن بعد أن قضت محكمة باكستانية في ديسمبر الماضي بسجنه 7 سنوات بعد إدانته في تهم فساد.
ووجهت السلطات الأمريكية التي اعتمدت على مكالمات هاتفية ومراسلات البريد الإلكتروني بين نقفي ومساعديه، اتهامات لمؤسس أبراج باختلاس أكثر من 250 مليون دولار فضلا عن تهم بالرشوة والفساد.
وشملت الاتهامات اشيش ديف المدير المالي السابق، ومصطفى عبد الودود المدير الشريك، ووقار صديق الشريك الإداري السابق والمشرف على العمليات، وسيف فيتيفيتبيلاي، الشريك الإداري السابق في أبراج ورئيس مجلس الإدارة التنفيذي لشركة “أوريوس” التي استحوذت عليها أبراج لاحقا.
فحوى المراسلات الإلكترونية المتعلقة بتلك الرشاوى أوردتها سلطات الادعاء الأمريكية ضمن الأدلة التي تثبت عن طريقها تعمد نقفي و5 من مساعديه تضليل المستثمرين وإساءة استخدام أموالهم فضلا عن اختلاس بعضها.
تسهيل بيع “كيه إليكتريك”
وبحسب المراسلات وجه نقفي شخصيا بدفع 20 مليون دولار إلى المسئول الباكستاني (المذكور أعلاه وقد أشارت إليه اللائحة برمز “السياسي رقم واحد”) على اعتبار أنه مستشار، لكن الغرض الحقيقي كان تسهيل صفقة جيدة لبيع حصة أبراج في شركة الكهرباء الباكستانية (كيه إليكتريك) التي تستثمر فيها أبراج 300 مليون دولار.
ووجه نقفي بحذف كل ما يتعلق من إشارات لشركة الكهرباء أو بمتلقي المبلغ من مستندات التحويل التي سيتم إيداعها في أبراج، طالبا جعل المسألة “عامة”، وأبلغ المسؤول التنفيذي المكلف بالتحويل قائلا:”هذا المستند يعتبر مادة متفجرة إذا وقع في الأيدي الخاطئة.. لا تستشر أي أحد آخر في هذه العملية”.
وبالفعل نفذ الموظف التعليمات وأخفى كل المعلومات الحقيقية المتعلقة بالتحويل، وسُجلت في أوراق أبراج على أنها دفعة لبعض شركات الاستشارات، فيما أبلغ “السياسي رقم واحد” الموظف بأن الأموال يجب أن تدخل إلى حساباته وحسابات المسئولين الآخرين على دفعات موجهة لجمعيات خيرية أوصناديق دعم انتخابية وما إلى ذلك.
رشوة ومحسوبية
كذلك، قالت اللائحة إنه في الفترة من 2013 إلى 2016 قام نقفي بمساعدة من لاخاني وصدِّيق باستخدام أموال صناديق أبراج لدفع رشاوى لمسئول باكستاني رابع (منتخب) فضلا عن تحمل مصاريف سفره وعشاءه.
كما نسق نقفي من أجل توظيف أحد ذوي الصلة بمسئول باكستاني في أبراج أو أحد كياناتها التابعة، وشرح نقفي لمساعده “صدّيق” في 2016 عبر رسالة إلكترونية الغرض من هذه الخطوة قائلا:” (هذا المسؤول) صديق لنا ونحن نعتني باحتياجاته من وقت لآخر”.
وتقول سلطات الادعاء أن الأزمة المالية بدأت في الظهور بأبراج منذ عام 2014، واستمر المتهمون في التلاعب بالمستثمرين وأموالهم طوال الفترة التي انتهت بالانهيار في يونيو 2018 عندما قدمت الشركة طلبا بالتصفية المؤقتة لمحكمة جزر الكايمان.
ولا يواجه المتهمون الستة نفس التهم، التي تتنوع بين الاحتيال المالي وغسيل الأموال والاختلاس والرشوة.
وبدأت رحلة الانهيار العلنية لأبراج في أبريل 2018 عندما أعلن المستثمرون في صندوق أبراج للرعاية الصحية (قيمته 1 مليار دولار)، ومن بينهم مؤسسة “بيل آند ميليندا جيتس” الأمريكية ومؤسسة التمويل الدولية، عن مخاوفهم بشأن إساءة استخدام أموالهم، وهي التهم التي أنكرتها أبراج في البداية قبل أن تعترف لاحقا بعمليات “خلط أموال” كشفتها شركات محاسبة عينها المستثمرون، ثم تداعت المجموعة بشكل متسارع متقدمة بطلب تصفية مؤقتة يتيح لها إعادة هيكلة ديونها تحت إشراف المحكمة في جزر كايمان.
وتقول لائحة الاتهام الأمريكية إن عمليات التعدي على أموال الصندوق بدأت في عام 2016، وكانت بمئات الملايين من الدولارات، أما التلاعب في أموال المستثمرين من الصناديق الأخرى فقد بدأ منذ عام 2015، فضلا عن عمليات فساد وتضليل تم رصدها في 2014 .
ويقبع نقفي حاليا رهن الإقامة الجبرية في لندن بعد أن نفذت السلطات البريطانية والأمريكية عمليات مداهمة مفاجئة ومتزامنة ومنسقة في أبريل الماضي للقبض على نقفي في لندن – قبل عنه بكفالة في مايو – ومساعده عبدالودود في نيويورك، وبعد أيام تم القبض على فيتيفيتبيلاي في لندن (والاثنان تم الإفراج عنهما لاحقا واستبقائهما رهن الإقامة الجبرية).
ولم توضح لائحة الاتهام ما إذا كان المتهمين الأربعة الآخرين المشمولين في اللائحة قد جرى القبض عليهم أم لا.
وينكر نقفي وزملائه كل التهم الموجهه لهم ويصرون على البراءة.