تحديات الليبرالية الجديدة

تحديات الليبرالية الجديدة
حازم شريف

حازم شريف

12:00 م, الأحد, 2 نوفمبر 03

بتحالفه غير الشرعي مع الأخوان المسلمين في أوائل الثمانينات …. أكد حزب الوفد الحديث عمليا -وجريدته – تخليه عن مكانته التاريخية، كطليعة للقوي الليبرالية في مصر، مخيبا بذلك آمال البعض النظرية في حفاظه علي تراث الوفد القديم .
  و منذ ذلك الحين خلت الساحة السياسية و الصحفية من أي تجمع أو كيان مدني ليبرالي أو مطبوعة ليبرالية .
صحيح انه كانت هناك ارهاصات بين الحين و الاخر سواء علي المستوي المؤسسي كجمعية النداء الجديد أو علي المستوي الفردي كالدكتور فرج فودة … إلا أن كل هذه المحاولات ظلت مجرد تعبيرات محدودة عن تيار فكري، لم تهيأ له الظروف أبدا، أن يعبر عن نفسه في كيان سياسي أو منبر إعلامي.

 و كانت النهاية الدرامية له في أوائل التسعينات مع اغتيال فودة نفسه من قبل الجماعات الراديكالية الأصولية، بعد مجموعة من المناظرات، خاضها مع الرموز المستترة لهذه الجماعات وأثناء شروعه في تأسيس حزب المستقبل، كأول محاولة حقيقية، لم يكتب لها النجاح  في العصر الحديث، لتأسيس حزب ليبرالي.
 و مع مطلع الألفية الثالثة يبدو اننا علي أعتاب موجة ليبرالية جديدة، لكن هذه المرة اختارت أن تعبر عن نفسها في صورة مطبوعات صحفية جديدة، ظهرت أولها بالفعل قبل أسبوعين، وتستعد غيرها للصدور خلال الأسابيع القليلة القادمة.
 هذه الصحف -أو علي الأقل ما صدر منها- أعلنت صراحة عن مقاصدها الليبرالية من خلال افتتاحية بالغة الدقة و الوضوح، سرعان ما استنفرت سهام التيارات الشيفونية المعادية للتعددية بحكم طبيعة هذه التيارات الأحادية.
 و بعيدا عن نظرية المؤامرة -التي لا نتبناها- واتهامات العمالة و الخيانة -التي لا ندعمها أو نصدقها-  وبغض النظر عن مدي تطابق و تعبير المضمون الصحفي عن جوهر التوجه والأهداف المعلنة -و هو أمر يحتاج الحكم عليه إلي متابعة متفحصة لعدد كبير من الأعداد- … فإن موجة الصحافة الليبرالية الجديدة، تواجه تحديات عديدة، ربما يأتي أخطرها من داخلها ذاتها لا من خارجها .
 ولعل أبرزها من وجهة نظرنا، نقص الكوادر الصحفية المهيأة للنهوض بهذه المهمة.. ذلك أن الوسط الصحفي في نهاية الأمر، هو جزء من مجتمع أكبر، تهيمن عليه ثقافة، تجد روافدها في الديماجوجية، و البعد الواحد، و الخرافات والأساطير، و نفي الآخر.
 فلا يعقل علي سبيل المثال، أن يكتب عن الحرية من  يضن بها علي من حوله، ولا عن حقوق المرأة من يحتقرها -المرأة- في قرارة نفسه، و لا  عن التعددية من يمنحها فقط  لمن يختلف معه في الدرجة و ليس في الاتجاه .
 و بدون كوادر صحفية ذات ثقافة متوافقة ومتسقة مع الأهداف و الاتجاه، نخشي -ولا نتمني- ان تتحول صفحات هذه المطبوعات الجديدة -و نحن لا نستطيع ان نؤكد أو ننفي هذا الآن- إلي ما يشبه أحداث  قصة أحمد رجب الشهيرة «فوزية البرجوازية»، التي تظهر  حتي و لو لم يقصد الكاتب، إلي أي مدى، يمكن أن يؤثر تدهور الثقافة، ليس فقط علي نطق المصطلحات و التعامل معها بسذاجة مفرطة، و لكن علي فهمها و القدرة علي استخدامها في سياقاتها المناسبة، ناهيك عن الإدراك و الايمان  بالمضمون الذي تعبر عنه هذه المصطلحات.
 أما التحدي الأكثر خطورة من وجهة نظرنا، فيتجسد فيما هو مطالبه به الصحافة الليبرالية من قدرة علي طرح إجاباتها الخاصة علي العديد من الاسئلة « المفخخة»إن جاز التعبير. و علي سبيل المثال:
 -ما هو البعد الاقليمي و الدولي للمشروع الليبرالي الجديد؟ هل هو مجرد مشروع وطني الأبعاد أم للتصدير للمنطقة بما تضمه من دول محافظة، تستمد بعض نظمها شرعيتها من قوامتها الدينية؟ ثم ما هي حدود و مسمي هذه المنطقة ؟ – و هذا التعريف بالغ الأهمية في دلالته- المنطقة العربية أم منطقة الشرق الأوسط؟
 -ما موقف الليبرالية الجديدة من حقوق الشواذ ؟ و من حق المرأة في الاجهاض ؟ ومن حرية الاعتقاد ؟ ومن التطبيع مع إسرائيل ؟
 – ما هو موقفها العملي- و ليس النظري- من المختلفين معها في العديد من القضايا السابقة كالتطبيع مثلا- نحن لا نفترض فيهم من الأساس أنهم مع أو ضد التطبيع-،هل يقبلون بإختلافهم معهم أم يستبعدونهم كما تفعل باقي التيارات؟
 باختصار.. ندعو صحافة الليبرالية الجديدة إلي طرح أسئلة و إجابات وإتخاذ مواقف واضحة و جريئة، وأن تتحمل العواقب، شرط أن تكون هذه المواقف معبرة عن جوهرها، لا عن حسابات توافقية، تؤدي بها في النهاية إلي مجرد الأختلاف في المسمي لا في المضمون.