فتحت أزمة انتشار وباء كورونا باب الأسئلة بشأن حقوق وواجبات العمال والموظفين فى منشآت القطاع الخاص التى بدأت فى تقليص فترات أعمالها والتقليل من التزاحم بالتزامن مع اتخاذ الحكومة لعدد من الإجراءات الاحترازية لتقييد الحركة وحظر التجوال.
«المال» تواصلت مع مكاتب استشارات قانونية بارزة وخبراء إدارة وبرلمانيين لمحاولة الإجابة على هذه الأسئلة أو جزء منها، وأجمعوا على عدم شرعية فصل العامل أو الموظف تعسفياً أو وضعه فى إجازة إجبارية تحت ذريعة الظروف القهرية بسبب انتشار الفيروس.
ويرى قانونيون أن مكتب العمل والمحكمة العمالية هى أبواب الموظف للحصول على حقوقه من المنشآت الخاصة حال اتخاذ إجراء تعسفى ضده مؤكدين أن القانون يكفل تعويضاً للموظف بما يصل إلى شهرين عن كل عام قضاه فى المؤسسة حال إثبات فصلة بشكل غير قانونى.
يذكر أن وزير المالية، محمد معيط، قال مؤخرًا إن الحكومة انتهت من إعداد مشروع قانون ببعض الإجراءات للتعامل مع تداعيات فيروس كورونا، يتضمن تقديم حزمة جديدة من التيسيرات الداعمة للقطاعات الاقتصادية والإنتاجية والخدمية المتضررة.
أضاف فى بيان، أن مشروع القانون اشترط لاستفادة أو استمرار استفادة شركة أو منشأة أو فرد بالقطاعات المتضررة بكل أو بعض أحكام المشروع المعروض، عدم الاستغناء عن بعض أو كل العمالة الموجودة، نتيجة تداعيات فيروس كورونا، لتحقيق أهداف الدولة فى الحفاظ على العمالة بالقطاعات الاقتصادية أو الإنتاجية أو الخدمية.
قالت النائبة مايسة عطوة، وكيل لجنة القوى العاملة بمجلس النواب إن العاملين فى القطاع الخاص يعيشون مأساة حقيقية بسبب ضياع حقوقهم من خلال التسريح أو إعطاء إجازات دون أجر نظرا للإجراءات الاحترازية التى فرضتها الدولة لمواجهة فيروس كورونا.
طالبت النائبة رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولى، منح جميع العاملين بالدولة سواء فى القطاع العام أو الخاص إجازة بأجر كامل خلال الفترة التى يتوقف فيها العمل نتيجة هذا الظرف.
أوضحت أنه حال إجبار صاحب العمل للموظف على التقدم باستقالته أو فصله تعسفياً عليه أن يحرر محضرًا فى أقرب قسم لعمله، والتوجه به لوزارة القوى العاملة للتعامل مع الحالة.
شددت على ضرورة أن يدرك جميع الأطراف أنهم يعملون فى خندق واحد، وأن الدولة قدمت لصاحب العمل الكثير وعليه أن يتحمل موظفيه فى هذه الأزمات.
موافى: تحمل العامل عدة اشهر لن يؤدى إلى الإفلاس.. والقانون يحميه
يرى عثمان موافى، شريك مؤسس ورئيس قسم القضايا وتسوية المنازعات بمكتب أدسيرو – راجى سليمان، أنه يجب أن تختلف طريقة تعامل الشركات الكبيرة مع قضية العمال، ولا تقارن أو تتبع نفس سياسات الشركان الصغيرة فالأولى لديها رصيد وإمكانات ضخمة تستطيع أن تعبر بها الأزمة الحالية فليس من الطبيعى مقارنة شركة مقاولات كبرى بأخرى تعمل من الباطن.
أشار إلى أن وضع جميع العاملين فى كفة واحدة فى هذه الأزمة فيه ظلم لقطاع كبير فعلى سبيل المثال يستطيع العامل الذى يتقاضى 30 ألف جنيه شهرياً، تحمل تخفيض راتبه بواقع %50 وفقا للقانون بينما الذى يتقاضى راتب بين 5 و10 آلاف جنيه لن يتكيف مع الظروف، وبالتالى يحدث نوع من التوازن.
أكد أن رؤية بعض رجال الأعمال عن وضعية العمالة مؤخراً كانت شاذة، رغم أن غالبيتهم بدأوا حياتهم كموظفين عاديين، قبل أن يشاركوا الدولة فى مشروعات كبرى فيما بعد، موضحا أن تحمل أصحاب الكيانات الكبرى للعمال شهرين أو 3 أشهر لن يدفعهم للإفلاس.
طالب بعدم المساس برواتب عمال اليومية أو الذين يعملون بنظام التارجت أو حجم الإنتاجية لأنهم أكثر تضرراً بسبب هذه الظرف، لأنهم بخلاف عدم قدرتهم على توفير الاحتياجات الضرورية عليهم مديونيات.
أضاف: “دعوات الإفلاس بسبب العاملين هى دعوات زائفة ولا يوجد أى شركة فى العالم عند وقوع أزمة لها خلال ربع سنوى واحد أن تتجه للإفلاس، إلا أنه متوقع أن تتقلص ربحيتها أو تتحول لخسارة جزء من أرباحها لكنها لن تفلس بالتأكيد”.
تابع: “غالبية مليارديرات العالم تبرعوا فلا يوجد ما يمنع أن يكون لدينا قانون للتبرع وبشكل لائق تحدد أوجه إنفاقه فى مثل هذه الأزمات وتشكيل لجنة قومية للتبرعات ورقابة مشددة على الحسابات وتغليظ عقوبات التلاعب فى مثل هذه الحالات إلى الأشغال الشاقة”.
لفت إلى أن قانون العمل يعطى الحق لصاحب العمل دفع نصف راتب العامل حال الظروف الاقتصادية الصعبة، حال موافقة الطرفين لكن القانون الحالى يحتاج إلى تدخل بقرارات إضافية من وزارة القوى العاملة أو الرئاسة ليتناسب مع الظروف الاستثنائية التى نمر بها الآن.
قال موافى إن الإجرءات الحكومية فى مثل هذه الظروف تتمثل فى صرف علاوة استنائية للموظفين، ورب العمل يمكنه أن يستقطع الفترة الحالية للعمل من المنزل من الإجازات الاعتيادية، وهى أقل الخسائر للطرفين.
أكد أنه حال فصل الموظف تعسفياً أو إجباره على الإجازة عليه أن يتجه لمكتب العمل ثم المحكمة العمالية وينظم ذلك أحكام قانون العمل التى تؤكد على أن لا يجوز فصل العامل إلا بحكم محكمة وبالتالى لا يحق له أن يقوم بتسريحه.
لفت إلى أن نزول الموظف فى الوقت الحالى قنبلة موقوتة لأن الغالبية منهم لا يمتلكون سيارات ويعتمدون على النقل الجماعى والمترو والميكروباص التى تتسم بالتزاحم موضحاً أن دعوات البعض لنزولهم حالياً تتسم بالانانية.
عجمى: الكيانات تفقد مصداقيتها.. وتواجه صعوبة فى استقطاب كفاءات جديدة مستقبلاً
قال محمد عجمى، الشريك التنفيذى لمكتب لينكس آند جينز للاستشارات القانونية، إن المكتب تلقى استفسارات من شركات عالمية عن وضع العمالة فى هذه الظروف وكانت ردود المكتب تتمثل فى أهمية الحفاظ على الموارد البشرية باعتبار أن التعويض عنها صعب ومكلف فى المستقبل.
طالب بضرورة أن تضع الدولة جزاءات على الشركات التى تقوم بتسريح العمالة فى هذه الظروف دون آليات قانونية، موضحاً أن القانون يكفل التعويض للموظف – حال الاتفاق على إنهاء العقد دون مبرر – بمقدار شهرين على الأقل عن كل عام قضاها لدى صاحب العمل، كما يشمل التعويض جميع المزايا العينية.
أوضح أن إجبار عدد أكثر من 5 موظفين من مؤسسة واحدة على الاستقالة يتطلب تدخل مكتب العمل والتأمينات فيما يعرف بالتفتيش، لافتا إلى أن قوانين العمل المصرية قوية وتحفظ حقوق الأطراف وهى متشابهة مع قوانين العمل فى كثير من دول العالم.
أكد عجمي أنه لا يجب النظر إلى العمالة على أنها مرتبات وأرقام يتم دفعها شهريا فقط، لكن يجب النظر إليها على أنها خبرات وكفاءات فى مجال عملها وإخراجها فى الوقت الحالى مكلف على صاحب العمل لأنها تتطلب تعويضات ومجموعة من الإجراءات القانونية ذات المخاطر على سمعة الشركة.
قال إن ردود المكتب لبعض الاستفسارات من الكيانات الكبرى كانت فى سياق أن صاحب العمل يفقد السيولة النقدية فى هذ الوقت الصعب بسداد التعويضات، كما أنه يضطر لاحقا إلى التوظيف مرة أخرى بمرتبات أعلى بعد انتهاء الأزمة، فضلا عن أن هذه الكيانات تفقد مصداقيتها وستجد صعوبة فى استقطاب كفاءات جديدة مستقبلاً.
أوضح أن الشركات التابعة للقوانين الفرنسية والسويسرية تعد من أكثر الكيانات حفاظا على موظفيها، ورغم ذلك تعامل المكتب مؤخراً مع إحدى الشركات الأجنبية الكبرى التى تعمل بالسوق المحلية وإقنعها بضرورة تحمل العمالة فى هذا الظرف، بعد التنسيق مع إدارة الشركة الأم بمركزها الرئيسى هناك، طبقًا لآليات نظام الإجازات، وتخفيض بعض المزايا وتعديلات فى هيكل الوظائف.
قال عجمى إن القانون يعطى الموظف أحقية الحصول على تعويض لا يقل عن شهرين عن كل عام بجميع المزايا العينية من بدلات ومكافآت سنوية ونصيبًا فى الأرباح وتكلفة الرعاية الصحية حال عقد اتفاق تسوية جماعية بين صاحب العمل والموظفين بمعرفة مكتب العمل، وهو الشكل القانونى السليم.
نصح الموظف أن يرفض أى تحايل بشأن المساس بمستحقاته وأن يتوجه إلى مكتب العمل والتأمينات وعلى الدولة أن تضع غرامات على الشركات التى لديها عمالة كبيرة وتقوم بتسريحهم عدا الآليات التى نص عليها القانون، وأن تضع عقوبات غليظة كما هو معمول به فى فرنسا مثلا.
شدد على ضرورة تفعيل دور مكتب العمل فى هذا الظرف الاستثنائى لأنه مهم للغاية، فالموظف عليه أن يدرك أن مكتب العمل يقف إلى جانبه فى مثل هذه الظروف ولا يجبره على الاستقالة أو التنازل عن حقوقه التى كفلها له القانون.
اشار إلى أن جميع الشركات المساهمة لديها احتياطى قانونى فى حدود 20 أو %30 من رأس المال لتغطية مثل هذه الالتزامات والحالات الاستثنائية، موضحا أن حالات تسريح العمالة بالعدد الكبير تنظر لها الدولة باعتباره من الامن القومى.
قال إن إجبار الموظف على الاستقالة يدفعه لخسائر اجتماعية ونفسية مثل زيادة المشاكل الأسرية وتزايد عدد حالات الطلاق، كما أن القانون ليس ضد صاحب العمل بل كفل له حقوقه فى مثل هذه الظروف.
الشافعى: تلقينا استفسارات من شركات مالية وصناعية واتصالات بشأن الآليات الأنسب
قال مصطفى الشافعى، شريك مكتب الإبراشى للاستشارات القانونية، إن قطاعى السياحة والطيران الأكثر تضرراً بحسب الاستفسارات وبلغت الخسائر ملايين الجنيهات يوميا وعلى الحكومة أن تتدخل بمنح العاملين فى هذه القطاعات علاوات استنائية.
لفت إلى أن المكتب تلقى العديد من الاستفسارات القانونية المتعلقة بالعمالة فى عدد من المصانع والشركات المالية والاتصالات، موضحا أن عملاء المكتب لم يتخذوا قرارات بالتخلى عن موظفيهم رغم الظروف الصعبة.
أشار إلى أن القطاع الخاص بدأ تخفيض المرتبات وفقا لما يتيحه القانون، موضحا أنها وسيلة مناسبة فى ظل هذه الظروف وأفضل من فقد الوظيفة كما أن هناك حلولاً أخرى مثل خصم الفترة الحالية من رصيد الإجازات الاعتيادية.
شدد على أن الحل يتضمن تكاتف جميع الأطراف وأن يسع العاملين أن يكونوا منتجين بالآليات والظورف المتاحة حالياً وأن يقبل العامل التنازل عن بعض مستحقاته لحين مرور الأزمة.
أوضح أن الدول الخارجية تدشن صناديق خاصة لدعم الكوارث تعوض من خلالها العاملين للتمكن من استمرار المعيشة ومنعاً لتفشى معدلات الجريمة، موضحا أن بعض المصانع المحلية عرضت على بعض عمالها إجازات إجبارية لكنهم رفضوا واستمروا فى العمل لحين تحسن الظروف حتى لا يفقدوا وظائفهم.
أوضح أن تبعات الأزمة الحالية بسبب فيروس كورونا أكبر من الأزمة الاقتصادية العالمية فى 2008 فى ظل عدم القدرة على تحديد مصير السياحة وأسعار الدولار وبالتالى أثرت هذه الأزمة على توقيتات وشكل الصفقات التى كان من المقرر تنفيذها.
باغة: حصول الموظف على راتبه مسؤولية اجتماعيه لرب العمل
أكد محمد باغة، أستاذ الإدارة والتمويل والاستثمار بجامعة قناة السويس، أن العنصر البشرى أهم عناصر الإنتاج وتعرضه للخطر يؤثر بشكل أكبر على صاحب العمل من تعطل الآلات والمعدات.
أوضح أنه رغم الآثر السلبى الكبير لنزول العاملين إلى وظائفهم إلا أن صاحب العمل لا يستطيع الإغلاق بشكل كامل، لكن القانون والمنطق يشيران إلى حلول أخرى مثل توزيع العمال بواقع 50% لكل شهر منعاً للتزاحم والتجمعات.
أضاف أن إعطاء العامل مرتبه بشكل كامل ليس بالخسارة الفادحة كما يروج بعض رجال الأعمال لأنها تأتى من منطلق المسؤولية الاجتماعية فبقاء العامل بوظيفته فى ظل هذه الظروف يخلق نوعا من الانتماء وتأثيرا طيبا وأعمق من إعلانات الدعاية للمنتجات.
رجح باغة أن تقدم الحكومة حوافز تشجيعية للشركات التى تحافظ على عمالتها بالإعفاء من الضرائب لفترة معينة على سبيل المثال لأن تسريحهم يؤدى إلى اضطراب أمنى وسخط.
أكد أن القانون يحفظ حقوق العامل اذ أنه من الضرورى إبلاغ العامل بإجراءات التخلى عنه قبلها بفترة كافية، وتعويضه بقدر شهرين عن كل عام قضاه فى المؤسسة.
لفت إلى أنه حال اتخاذ إجراء غير قانونى ضد العامل عليه مخاطبة النقابة التابع لها ثم المحاكم حال الفصل دون سند أو مبرر، وبالتالى لا بد أن تكون هناك عقوبات للكيانات التى تستولى على حقوق موظفيها .
أشار إلى أن القوانين لم تستهدف فترات استثنائية بعينها لكنها توضع فى سياق عام، ويجب على المؤسسات الالتزام بها مثل قانون تنظيم العمل بالقطاع الخاص لعام 1981، وفى أوقات الأزمات يجب أن تصدر قرارات حكومية مكملة بالتنسيق مع القطاع الخاص وأصحاب الأعمال.
قال انه فى الظروف الاستثنائية الحالية يمكن أن يوجه وزير العدل المحاكم بسرعة البت فى تناول القضايا العمالية، مع الضغط على النقابات العمالية والتنسيق بين رجال الأعمال والحكومة.