أجمع مصرفيون وخبراء على أن تراجع معدلات الدولرة (نسبة الودائع الأجنبية لإجمالى الودائع) لأقل مستوياتها منذ 10 سنوات يرجع إلى نجاح الدولة فى تأمين احتياجاتها من النقد الأجنبى، ومواجهة أزمة «كورونا» من خلال قرارات اقتصادية سريعة متمثلة فى خفض الفائدة ، والحفاظ على الفائدة المرتفعة للقطاع العائلى، عبر الشهادة التى طرحها بنكى الأهلى ومصر بفائدة %15.
وبلغت حصيلة مبيعات الشهادات الإدخارية الجديدة ذات الفائدة المرتفعة، والتى تبلغ %15 ويطرحها الأهلى المصرى تحت اسم الشهادة البلاتينية الجديدة، وفى بنك مصر تحت اسم شهادة «ابن مصر» للشراء 246 مليار جنيه، من خلال مليون و470 ألف عميل
وأشار المصرفيون إلى أن الإجراءات التى اتخذها البنك المركزى من خلال توجيه البنوك لإصدار شهادات بفائدة %15 جذبت ودائع ضخمة من القطاع العائلى، وانخفاض الفائدة على الأوعية والشهادات بالعملات الأجنبية، إضافة لنجاح الحكومة فى الوصول لاتفاق مع صندوق النقد الدولى بقيمة 8 مليارات دولار وبيع سندات خارجية، مكنت الدولة من تعويض جزء كبير من النقد الأجنبى الذى خرج منها أثناء أزمة كورونا .
الودائع بالعملات الأجنبية تسجل إنكماشا متتالياً منذ يوليو 2019
وتشير أحدث بيانات البنك المركزى، إلى أن نسبة الودائع بالعملات الأجنبية إلى إجمالى الودائع سجلت نحو %17.01 بنهاية أبريل الماضى، وهو أقل مستوى منذ أكثر من 10 سنوات، مقابل %17.14 فى مارس، بينما كان المتوسط المسجل خلال عام 2019 أكثر من %21 وخلال 2018 نحو %23.
كما سجلت الودائع بالعملات الأجنبية نموًا سالبًا منذ يوليو 2019 وحتى أبريل 2020، وتراجعت بنسبة %13.5 خلال أبريل، و%13.8 فى مارس، %16.1 فى فبراير و%13.7 فى يناير، بينما ارتفعت الودائع بالعملة المحلية بنسبة %22.4 فى أبريل و%22 فى مارس ونحو 21.6 و %22.4 خلال يناير وفبراير .
محمد عبد العال: انخفاض المعدل تطور طبيعى لإدارة أزمة«كورونا» باحترافية
ووصف محمد عبد العال، الخبير المصرفى وعضو مجلس إدارة بنك قناة السويس، تراجع معدل «الدولرة» لهذه المستويات، بأنه تطور طبيعى للمعالجة الاحترافية للبنك المركزى لمشكلة التدفقات النقدية عقب أزمة «كورونا»، وقال إن البنك المركزى أخذ فى اعتباره ضرورة مراعاة معدلات التضخم ،والدولرة أثناء اتخاذ خطوات لتنشيط الاقتصاد والمتمثلة فى خفض أسعار الفائدة بنسبة %3 مع اندلاع الأزمة.
وأشار إلى أن قرارات البنك المركزى بالحفاظ على مستوى مرتفع للفائدة عند مستوى %12 للشهادات الثلاثية ،بالإضافة إلى إصدار شهادة جديدة بفائدة %15 لأجل عام، جذبت ودائع ضخمة من القطاع العائلى وغيره، بالتزامن مع تعليمات وضع حد أقصى لأسعار الفائدة على الودائع الدولارية عند مستوى %2.5 كلها عوامل دعمت من جاذبية العملة المحلية وقوتها مقابل الدولار وبالتالى تخلى كثير من المدخرين عن الدولار مقابل الجنيه.
وأوضح أن من أهم الأمور التى دعمت هبوط انخفاض الودائع بالعملات الأجنبية مقابل الجنيه، هو الحفاظ على قوة الاحتياطى النقدى من العملات الأجنبية من خلال جذب تدفقات نقدية من الخارج، فضلا عن عودة جزء من تدفقات الأجانب خلال شهرى مايو ويونيو الماضيين.
وتابع: «بالإضافة إلى ذلك دعمت ظروف جائحة كورونا عالميًا ظروف تقليل الطلب على الدولار فى مصر، حيث انخفضت معدلات السياحة الخارجية وبالتالى انخفاض المدفوعات، فضلا عن عدم وجود طلب من قبل العملاء الراغبين فى العمرة والحج وتراجع الطلب على الدولار لتنفيذ العمليات الاستيرادية».
طارق متولي: توفير جزء كبير من الفجوة التمويلية والادوات مرتفعة العائد دعما الجنيه
من جهته قال طارق متولى، الخبير المصرفى، إن تراجع معدل الدولرة جاء نتيجة سرعة الإجراءات الحكومية بالاستجابة لجائحة كورونا ونجاحها فى تأمين 13 مليار دولار من الأسواق الخارجية لسد الفجوة التمويلية، بعد خروج مليارات الدولارات بسبب الجائحة .
وأوضح أن نجاح مصر فى إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولى بقيمة 2.7 مليار دولار بجانب 5.2 مليار دولار لأجل عام، وطرح سندات بقيمة 5 مليارات دولار، وغيرها من موارد النقد الأجنبى ،عزز من نجاح الدولة فى تغطية الفجوة التمويلية لديها، و أكد أن طرح شهادة بفائدة %15 دفع المودعين للثقة فى الجنيه المحلى بدلا من الدولار فى ظل انخفاض الفائدة على الشهادات والودائع الدولارية.
وقال مصدر مصرفى لوكالة أنباء الشرق الأوسط، فى وقت سابق، إن الأجانب ضخوا استثمارات فى السوق المحلية بقيمة 3 مليارات دولار خلال شهر منها مليار دولار آخر يومين من الأسبوع قبل الماضى.
وتقلصت حدة تراجعات استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة الحكومية لأقل مستوى فى 3 أشهر، نتيجة انخفاض حدة خروجها من مصر بسبب أزمة كورونا .
وأظهرت بيانات للبنك المركزى، نشرتها المال فى وقت سابق، أن استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة سجلت 7.016 مليار دولار بنهاية مايو الماضى مقابل 7.078 مليار دولار بنهاية أبريل السابق عليه، بتراجع قدره 62 مليون دولار.
كما فقدت استثمارات الأجانب فى الأذون نحو 2.4 مليار دولار خلال أبريل ونحو 10.4 مليار دولار فى مارس الماضيين بسبب جائحة كورونا، وانعكاسها السلبى على حركة الاستثمارات غير المباشرة فى الأسواق الناشئة.
وأكد المصدر لوكالة أنباء الشرق الأوسط أن زيادة تدفقات استثمارات الأجانب إلى السوق المصرية، يعكس الثقة من قبل المؤسسات وصناديق الاستثمار الدولية فى السياسات الاقتصادية والنقدية للدولة، مشيرًا إلى أن المحافظ الدولية، عادت بقوة كبيرة إلى السوق المصرية، ثقة فى قوة ومستقبل الاقتصاد، وفى ضوء الرؤية الإيجابية من قبل مؤسسات التقييم الدولية والمؤسسات الكبرى فى العالم مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، موضحا أن هذه الأرقام تؤكد أن مصر باتت هى الوجهة الأفضل للاستثمار أمام الصناديق الدولية بين جميع الأسواق الناشئة.
يشار إلى أن مصر، استقبلت تدفقات نقدية خلال الفترة الماضية من صندوق النقد الدولى والسوق الدولية تقدر بنحو 10 مليارات دولار، موزعة بين 4.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولى، تمثل 2.8 مليار دولار حزمة أداة التمويل السريع، ومليارى دولار الدفعة الأولى من اتفاق الاستعداد الائتمانى البالغ قيمته 5.2 مليار دولار، إضافة إلى 5 مليارات دولار من سوق السندات الدولية، ومؤخرًا ارتفع الاحتياطى الأجنبى لنحو 38 مليار دولار بنهاية يونيو مقابل 36 مليارًا فى مايو الذى سبقه .
فى ذات السياق أكد المصدر أن خروج جزء كبير من أموال الأجانب خلال شهرى مارس وأبريل الماضيين، وانخفاض التدفقات من المصادر الحيوية مثل السياحة وتحويلات المصريين فى الخارج، دفع الدولار للارتفاع خلال الفترة الماضية، لكن نجاح الدولة فى تأمين احتياجاتها من النقد الأجنبى، وعودة جزء من أموال الأجانب دفع الدولار للتراجع مرة أخرى ثم استقرار السعر عند مستوياته الحالية .
وتوقع أن يستمر دعم العملة المحلية وانخفاض معدل الدولرة خلال الفترة المقبلة فى ظل جاذبية الفائدة على العملة المحلية مقابل الدولار، واستمرار طرح شهادات الـ%15 من قبل البنوك المحلية، بدء عودة السياحة بشكل تدريجى تزامنًا مع انخفاض إصابات كورونا.