بين الشفافية الأميركية واللاإمبريالية الصينية

بين الشفافية الأميركية واللاإمبريالية الصينية
شريف عطية

شريف عطية

6:55 ص, الثلاثاء, 5 يناير 21

تعتبر الصين إلى سنوات قليلة حتى ثورتها فى العام 1949، ولأسباب جيوتاريخية، حديثة العهد بإدارة العلاقات الخارجية بالمعنى المفهوم اليوم، ذلك منذ العهد بعلاقات القصر الإمبراطورى فى بكين بالعالم الخارجى، إذ كانت على مدى قرون طويلة أشبه بعلاقة السيد بأتباعه من «البرابرة الأجانب»، وفق مفهومه آنذاك، إلى أن استطاع الغرب الأوروبى فى القرن 19 أن يشق طريقه إلى الصين ليقضى على عزلتها التى عجّلت بتفكك الإمبراطورية ذات التقاليد «الكونفوشيوسية» قبل أن تمرّ مياه غزيرة آسنة تحت جسورها وسورها العظيم، جعلتها مجردة حتى الحرب العالمية الثانية من شخصيتها الاعتبارية فى العلاقات الدولية، إذ تقبل صاغرة ما يفرضه عليها الآخرون، دون أن تستطيع له ردًّا من بعد ماضيها التليد حين كانت القوة الأولى فى آسيا، إلا من إصرار نخبة جديدة على التحرك عشية النصف الثانى من القرن العشرين.. كى تعيد للصين مكانتها تحت الشمس على الصعيدين الاجتماعى والسياسى، ما بين حقبتها الماركسية الممتدة لنحو ربع قرن ونيف قبل أن تأخذ فى العام 1978 باقتصاد السوق الحرة مع التخطيط المركزى، ولتصبح قيد سنوات قليلة من صعودها المطّرد، كما اليابان والهند، إحدى الأمم المرشحة لتجعل من القرن 21 «قرن آسيا» بامتياز، وأحد الأقطاب المتطلعة للمشاركة فى قيادة النظام الدولى، ما جعل الغرب يتمنى لو أنه لم يقطع فى السابق عن الصين عزلتها (الرائعة)، إذ أثارت مشاركتها فى إدارة العلاقات الخارجية، وبالنهج الدبلوماسى الهادئ- اللاإمبريالى- الأقرب إلى التعاون مع دول العالم الثالث، عناصر التحدى والقلق للهيمنة الأميركية- الغربية على آسيا، إذ تكتسب الصين بالرصانة الدبلوماسية ما لم يمكنها تحقيقه على غرار الجموح العدوانى الغربى، سواء حول مناطق الطاقة وطرق مواصلاتها أو فى الداخل الأميركى، فضلًا عن عالمية مبادرة «الحزام والطريق» التى تشق للصين طرق التجارة والنفوذ عبر آسيا والمحيط الهندى، إلى أوروبا وأفريقيا، ما يؤهلها منفردة أو مع حلفائها فى مجموعة دول «بريكس» وفى منظمة «شنغهاى» للتعاون وفى تحالفها الإستراتيجى مجددًا مع روسيا أو عبر تنمية تحالفاتها فى المشرق العربى (والخليجى) وعموم الشرق الأوسط.. إلخ، إلى تغيير وجه النزعة الأحادية للقطبية الأميركية عبر تبلور تحالفات إستراتيجية «متجانسة» ماثلة إزاء استعدادات الولايات المتحدة لمواجهة التحدى الصينى أو بأقلّه لاستئناف التعايش فى العلاقات بين البلدين، التى وصلت مؤخرًا خلال السنوات الأربع الفائتة إلى «مفترق طرق جديدة غير مسبوقة» بين أكبر اقتصادات العالم.. إذ تكتنفهما سلسلة من الخلافات حول التجارة، وحقوق الإنسان، وعن المسئولية فى تفشى فيروس «كورونا»، وما إلى غير ذلك من سجالات تضر مصالح البلدين، كما تجلب مخاطر جسيمة للعالم، إلا أن تنفتح نافذة جديدة تمهد لبدء جولة حوار تتسم بالموضوعية والعقلانية، تؤسس لنظام دولى جديد لربما يجمع فى إطاره، بفضل فلسفة سياسية مستحدثة، بين شفافية النموذج القيمى غير العدوانى للولايات المتحدة مع النهج الدبلوماسى اللاإمبريالى للصين