حين وصلتنى الدعوة لحضور الندوة، التي نظمها منتدى مصر الدولي الاقتصادي الأسبوع الماضي، تحت عنوان «الإعلام والإسلام» اصابتنى الحيرة، واعتراني بعض التوجس وانتابنى الكثير من الفضول، أما الحيرة فمرجعها إلى أن ورقة الدعوة، قد تضمنت مناقشتها لمحورين أساسيين الأول: دور وسائل الإعلام في نشر الوعى الصحيح للدين الإسلامى، والثانى هو إعلاء «القيم» الدينية ،التي تصالح ما بين العصر و«القيم»، وهما محوران بدا بالنسبة لي، انهما يحملان قدرا من الإفراط في الرومانسية.
إذ أن الأول يفترض من الناحية العملية، أن هناك وعيا «واحدا» صحيحا بالدين الإسلامى، ناهيك عن تصوره من الأساس- من الناحية النظرية المنهجية- أنه من الممكن أن نصف شيئا-أى شىء-، سواء كان وعيا أو رأيا أو شخصا، بأنه-وهو وحده فيما عداه- هو الصحيح!.
وبناء عليه، كان بديهيا أن يتخيل المحور الثاني، أن ينبثق عن ذلك الوعي الصحيح الواحد- بعد تحديده والإمساك بتلابيبه- مجموعة من القيم «النبيلة»، وضع المنظمون سلفا شرطا لنبلها، يتمثل فى ضرورة أن تكون متصالحة مع العصر!.
وأما التوجس، فمنبعه هو ما رأيته من تناقض، حمله المحوران السابقان، بين إمكانية التصالح مع عصر العلم وحقوق الإنسان والديمقراطية، انطلاقاً من مرجعية آحادية، تتصور امتلاكها المطلق لناصية الحقيقة، شأنها في ذلك، شأن التيارات الأصولية، التي هى بالتضاد في حالة خصومة مع العصر.
وأما الفضول، ففرضته علي رغبتي في التعرف أكثر على مضمون الندوة، وفقاً لرؤية المنظمين والمشاركين على أرض الواقع.
حالة الارتباك والغموض التي فرضتها ورقة الدعوة، انعكست فى مداخلات المتحدثين الرئيسيين، وإن اتفقوا جميعا على وجود أزمة، تتعلق بعلاقة الإسلام والمسلمين بالغرب، سواء على المستوى الداخلي-رؤية المسلمين لهذا الآخر «الغرب»-، أو على المستوى الخارجي، متمثلة فى رؤية الغرب للاسلام، في ضوء واقعة 11 سبتمبر الشهيرة، وما تلاها من تداعيات.
هذا الاحساس بالأزمة، وغيره من تحديات محلية واقليمية ودولية، هو ما دعا المنتدى كما ذكر رئيسه شفيق جبر إلى إقامة الندوة، بهدف التوصل إلى الدور، الذي ينبغي أن يقوم به الإعلام، للتعريف بصحيح الدين.
في حين طرح الدكتور عبدالمنعم سعيد-والذي قام بإدارة الندوة- ثلاثة اسئلة على المشاركين، رأى ضرورة الاجابة عنها أولا، تتعلق بماهية علاقة الدين بكل من الحياة العامة والقوانين والعالم.
وانتقد كل من الدكتور مصطفى الفقي ومنير فخري عبدالنور، المحتوى السائد في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، فيما يتعلق بالصفحات والبرامج الدينية، وركز عبدالنور على تهافت هذا المحتوى، وعدم تناسب ما يطرحه من اسئلة أو قضايا مع متغيرات العصر الحديث، فى حين عاب الفقى محاولة هذا المحتوى اقحام الاسلام في كافة الأمور، بما في ذلك تديين العلوم، كالحديث عن الطب الاسلامي، وقيام البعض بتحويل القرآن إلى متغير تابع، من خلال ظاهرة المقالات والبرامج حول الاعجاز العلمى للقرآن، التى تسعى للبحث عن منجزات العلم الحديث فى النص الإلهى، كما حذر من أن إحساس المسلمين المتزايد والزائف بالاضطهاد، سيؤدى فى حد ذاته إلى اضطهادهم بالفعل.
وكان بديهياً أن يستغرق الدكتور أحمد فراج-والذي مازالت اعتقد أنه رائد الإعلام الديني في صيغته الحالية التي انتقدها الحاضرون بما فيهم الرجل نفسه- فى خطبة دعوية طويلة حول المفهوم «الصحيح» للإسلام، استرسل خلالها في التأكيد على عدم التناقض بين العقل والدين، وتناول الدين الاسلامى وتشريعاته، لكافة مناحى وتفصيلات الحياة، حتى أنه قد دخل في مشاجرة الرجل مع زوجته في الفراش.
ولأن الخواتيم من جنس البدايات، كان طبيعاً أن تنفض الندوة، دون أن تحدد المفهوم الصحيح للدين، الواجب أن تنشره وسائل الإعلام، وتم إحالة الموضوع برمته إلى لجنة، يتضمن تشكيلها عدداً من الشخصيات العامة ورجال الدين والإعلاميين.
وفي اعتقادي أن التحديات التى تحدث عنها شفيق جبر، كانت تستدعى لمواجهتها تغيير محتوى وعنوان الندوة من «الإعلام والإسلام»، إلى «الإعلام والديمقراطية»، إذ أن المشكلة- من وجهة نظرى- ليست في الدين، ولكن فى الاطار الثقافي الحامل لهذا الدين أو ذاك، لا فرق في ذلك بين دين وآخر، سماوي كان أو غير سماوي.
فغياب ثقافة الديمقراطية، وسيادة ثقافة الرأي الواحد والحقيقة الوحيدة المطلقة، هو ما أدى على سيبل المثال إلى انتشار ظاهرة محاكم التفتيش الأوروبية في عصور التخلف السابقة، تماما مثلما يؤدى فى عصور التخلف الحالية إلى ظاهرة التكفير الاسلامية للمخالفين، وتحليل قتلهم والتنكيل بهم.
الديمقراطية في حقيقة الأمر هي الحل- وليس صحيحاً أن ثقافتنا الحالية بكل روافدها الدينية، المسيحية الأرذوكسية، والإسلام الارذوكسى-أن جاز التعبير-، المستمسكة بالنقل الحرفي عن الأصل، هى ثقافة تتضمن قيم التسامح والعدل والمساواة كما يدعى البعض، بل هى على العكس تماما، ثقافة تستبعد الآخر وتؤثمه وتجرمه، وتسعى إلى استئصاله ونفيه، أن سمحت الظروف.
إن الجدل الدينى طابعه المزايدة، يكسبها في مجتمعات مهزومة متراجعة مثلنا، الطرف الأعلى صوتا والأكثر ديماجوجية، لا من يتحدث عن السماحة والنبل والسمو إلى اخره، ومن ثم، فإن جر مناقشة سبل مواجهة ما نعانيه من تحديات إلى أرضية دينية، سيؤدى على الأرجح إلى استفحال الأزمة، والمزيد من تشوه الصورة، والعجز عن مقابلة التحديات في آن واحد.
ما أطالب به هو ضرورة البحث فى كيفية نشر وترويج القيم الديمقراطية من خلال وسائل الإعلام، وفى مقدمتها احترام الآخر وحقوق المواطنة وحقوق الإنسان، والتأكيد تأكيداً قاطعاً باتاً من أن الديمقراطية لا تعنى الانتقاص من حقوق الأقلية، ولو حتى عبر حكومة أغلبية، تقفز إلى الحكم من خلال وسيلة ديمقراطية «صناديق الاقتراع»، وللأسف فإن ذلك هو التصور الشائع لدينا، عما يسميه البعض- خبثاً منه- بالديمقراطية.
حازم شريف
9:00 ص, الأحد, 7 نوفمبر 04
حازم شريف
9:00 ص, الأحد, 7 نوفمبر 04
End of current post