توقع تقرير لوكالة بلومبرج صعود التشفير مع اقتراب انتهاء دورة التشديد.
قال أوليفر لينش، الرئيس التنفيذي لمنصة التداول “بيتريكس غلوبال” (Bittrex Global)، خلال كلمته على هامش مؤتمر العملات المشفرة في باريس: “المعنويات حالياً لا تبدو كما لو كانت الأسابيع القليلة الماضية تعني أنه يمكن الادعاء بأن الأشهر العشرة الماضية لم تحدث أبداً.
لكن هناك بالتأكيد شعور بأن هذا قد يشير إلى إمكانية شطب هذه الفضائح، والعودة إلى عملية تقدير الموقف، وتقييم، العملة المشفرة دون كل الضجيج من الشائعات والمخالفات”.أدى هذا الخطأ المزعوم إلى سيل من التدقيق التنظيمي والملاحقات القضائية لشخصيات رفيعة المستوى في الولايات المتحدة.
اتهامات بالجملة
من بين أبرز هذه الحالات، انتظار سام بانكمان فريد، المؤسس لـ”إف تي إكس” المحاكمة بتهم الاحتيال، فيما يواجه دو كوون، المؤسس المشارك لـ”تيرا بلوكتشين” (Terra blockchain)، اتهاماً قضائياً بسبب دوره في انهيار هذا المشروع؛ وأُقيمت دعوى قضائية ضد “بينانس” (Binance) ورئيسها التنفيذي “شانغبينغ “سي زي تشاو” من قبل لجنة تداول السلع الآجلة لاتهامه بمجموعة متنوعة من الانتهاكات المزعومة؛ كما تلقت “كوين بيس غلوبال” (.Coinbase Global Inc) إشعاراً بأن لجنة الأوراق المالية والبورصات تنوي مقاضاة الشركة. أنكرت كلٌ من “بينانس” و”كوين بيس” ضلوعهما في أي مخالفات.
ودفع بانكمان فريد بعدم ارتكاب أي جريمة.أعقب ذلك انهيار أخير لمصارف داعمة للعملات المشفرة، وهي “سيلفرغيت كابيتال” (.Silvergate Capital Corp) و”سيغنتشر بنك” (Signature Bank) و”سيليكون فالي بنك” (Silicon Valley Bank)، على الرغم من الإشارة إليها غالباً باعتبارها حافز صعودي لـ”بتكوين”، نظراً لأنها أعادت للأذهان قصة تأسيسها كبديل للمصارف غير الجديرة بالثقة، فقد أدى انهيار مؤسسات الإقراض هذه أيضاً إلى قطع الأواصر الرئيسية مع النظام المالي بأميركا، مما ساعد على جعل المستقبل الواعد لصناعة العملات الرقمية غير مستقر أكثر من أي وقت مضى.
التعافي دون مخاطر
يبدو أن العديد من مستثمري التجزئة الذين اكتووا بنار انخفاض الأسعار العام الماضي يحاولون التعافي، بدلاً من تحمّل مخاطر جديدة، نظراً لأن حجم الأموال المشاركة في مشاريع التمويل اللامركزي لا يزال ضعيفاً.
على الرغم من أن القيمة الإجمالية للعملات المحجوزة في مشاريع التمويل اللامركزي (DeFi) ارتفعت بأكثر من 25% منذ بداية يناير، عند حوالي 50 مليار دولار، فإنها لا تزال جزءاً بسيطاً من الذروة البالغة 180 مليار دولار المسجّلة في ديسمبر 2021، وفقاً لموقع “دي فاي لاما” (DeFiLlama).في الوقت نفسه، فقدت الصناعة الآلاف من الوظائف ولم تُوفر وظائف مرة أخرى.
وفي إشارة إلى أن الكوادر المتوفرة لا تزال تفوق الطلب، تلقى مشروع “كونكورديوم” (Concordium) لـ”البلوكتشين” أكثر من 350 طلباً لبضع وظائف شاغرة مؤخراً، وفقاً لما صرح به المؤسس المشارك ورئيس مجلس الإدارة لارس سيير كريستنسن، الذي قال: “بدأ هذا المجال ينضج قليلاً، حيث أدرك أن شجرة المال التي كانت متوفرة قبل عامين قد ذبُلت قليلاً”.
تراجع التمويل الخاص
تباطأت الاستثمارات من شركات رأس المال الجريء بشكل كبير. وتراجع التمويل الخاص للشركات الناشئة في مجال التشفير على مستوى العالم إلى 2.4 مليار دولار في الربع الأول، بانخفاض 80% من أعلى مستوى له على الإطلاق والذي بلغ 12.3 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي، وفقاً لـ “بيتش بوك” (PitchBook).
قال ماتيو دانتي بيروتشيو، الرئيس الدولي لشركة “ويف ديجيتال أسيتس” (Wave Digital Assets) المتخصصة في إدارة ثروات التشفير: “لا يزال جانب كبير من هذه الصناعة في حالة انتظار وترقب.
كانت هناك رحلة نحو الجودة، والمستفيدون هم أصحاب الشركات التي لم تتأثر بشتاء التشفير”.
تختلف هذه الحركة الصعودية بطريقة أخرى، وهي أن الارتفاع اللافت للنظر لـ “بتكوين” بـ83% هذا العام لم يضاهيه صعود عملات أحدث عهداً، فقد ارتفعت “إيثر” بنسبة 71% هذا العام، والتي تفوقت بشكل كبير على “بتكوين” خلال عامي 2020 و2021.
واستعاد مؤشر “بلومبرغ غالاكسي دي فاي” (Bloomberg Galaxy DeFi) الذي يتتبع أكبر بروتوكولات التمويل اللامركزي حوالي عُشر الانخفاض البالغ 2000 نقطة العام الماضي.
قالت كلارا ميدالي، مديرة الأبحاث في “كايكو” (Kaiko)، شركة تزويد بيانات السوق: “ربما نشهد حالة من إنهاك البائعين مقترنة بقصة صعود متجددة في أعقاب الأزمة المصرفية، وكل ذلك مختلط مع السيولة المنخفضة عموماً التي دفعت بسعر بتكوين إلى الصعود”.
تقدم رغم عدم اليقين
على الرغم من كل حالة القتامة وعدم اليقين تلك، فقد واصلت الصناعة تقدمها.
وفي هذا الصدد، أتمّت “إيثيريوم” هذا الأسبوع ما يبدو أنه ترقية ناجحة لشبكتها، فيما يُسمى بترقية “شنغهاي”، الذي يمكّن المستثمرين من سحب عملات “إيثر” التي كانوا قد رهنوها مقابل مكافآت كجزء من نظام “إثبات الحصص” للمحافظة على الشبكة، ما قد يسهم في جذب مليارات الدولارات إلى “إيثر” حتى بعد تصريحات غاري غينسلر، رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات التي أشار فيها إلى أنه يعتقد أنه يجب خضوع العملة المشفرة للتنظيم كضمان.
وارتفع سعر “إيثر” مجدداً فوق 2000 دولار هذا الأسبوع للمرة الأولى منذ ستة أشهر.قال سيمون تيلور، رئيس الإستراتيجية في “سردين” (Sardine)، وهي شركة ناشئة لمنع الاحتيال ولديها عملاء من شركات التكنولوجيا المالية والعملات المشفرة: “لا أعتقد أن هناك حالة من الهوس أو الحماسة التي رأيناها عند مستوى 30 ألف دولار أو 40 ألف دولار، ولكن لا هناك، وراء الكواليس، تقدم هادئ”.
كما شهدت ظروف الاقتصاد الكلي تغييراً، ربما للأفضل.
قبل عام، كان “الاحتياطي الفيدرالي” الأميركي والبنوك المركزية الأخرى فقط يتخذون أولى حلقات سلسلة من زيادات أسعار الفائدة التي عكست مسار سياسة المال السهل التي استمرت لسنوات.
حماس المؤسسات التقليدية
ومع اقتراب نهاية دورة التشديد هذه الآن، قد تكون الظروف مهيأة مرة أخرى لصعود التشفير.
يتمثل أحد الأسئلة الرئيسية في مدى حماس المؤسسات المالية التقليدية في المضي قُدُماً، وما إذا كانت على استعداد للتدخل لتعويض الأدوار التي كانت تؤديها شركات التشفير الناشئة المنهارة، مثل “إف تي إكس”. هناك بعض المؤشرات على إمكانية حدوث ذلك.
فعلى سبيل المثال، تتوقع “ناسداك إنك.” (.Nasdaq Inc) إطلاق خدمات الحفظ للأصول الرقمية بحلول نهاية الربع الثاني.
أشكال جديدة من المال
على المدى الطويل، ربما يتحول ما يصل إلى 5 تريليونات دولار إلى أشكال جديدة من المال، مثل العملات الرقمية والمستقرة للبنوك المركزية، بحلول عام 2030، وفقاً لدراسة بحثية أجراها “سيتي غروب” (Citigroup).
وفقاً للدراسة، يمكن تحويل أصول مالية تقليدية بقيمة 5 تريليونات دولار أخرى إلى عملات مشفرة، مما يساعد في دفع تبني تقنيات “بلوكتشين” على نطاق جماعي.
دور العملة المشفرة في المحفظة
ومع ذلك، بالنسبة لمايكل بورفيس، الرئيس التنفيذي لشركة “تالباكين كابيتال أدفيزرز” (Tallbacken Capital Advisors)، فإن مستوى “اثبت بالدليل” سيكون أعلى هذه المرة بالنسبة إلى المستثمرين المؤسسيين، مع الأخذ في الاعتبار أن الدور الذي من المفترض أن تلعبه العملة المشفرة في المحفظة يعد بمثابة هدف متغيّر، إذ أن العملة التي تم الترويج لها يوماً ما على أنها وسيلة تحوط ضد التضخم، بصفتها الذهب في عصر الإنترنت، تراجعت بدلاً من ذلك خلال أسوأ فترة ارتفاع لأسعار المستهلكين منذ عقد الثمانينيات من القرن الماضي.
كتب “بورفيس” في مذكرة حديثة للعملاء، يقول فيها: “بدأت المؤسسات في التعامل مع بتكوين على محمل الجد بعد أن كسرت العملة حاجز 20 ألف دولار في عام 2020 ولعبت دوراً رئيسياً في الارتفاع اللاحق لتصل إلى 69 ألف دولار.
ومع ذلك، هذه المرة، فإن تاريخها طويل المدى في عدم توفير تنويع بالمحفظة سوف تضيف عبئاً على المؤسسات، التي ربما تعاني من مشاكل أكبر تقلق بشأنها”.