بريطانيا.. فى قلب لحظة تاريخية

بريطانيا.. فى قلب لحظة تاريخية
شريف عطية

شريف عطية

7:28 ص, الأحد, 10 يناير 21

لم تصبح بريطانيا أقرب إلى الدول العظمى بالمعنى المعروف عن الأنظمة الدولية المتعاقبة منذ استدارة القرنين المنصرمين 19، 20، إلا ربما عند هيمنتها بعد طول لأْيٍ على مصر 1882، كوصلة إلى طريق مستعمراتها فى شبه الجزيرة الهندية، وكإمبراطورية لا تغرب عنها الشمس، وبالمثل فقد يجوز القول- مع الفارق- إن مصر لم تصل إلى نهضتها المعاصرة إلا فى الحقبة نفسها رغم إجحاف سلطات الاحتلال، ذلك قبل أن تتدهور بريطانيا عقب الحرب العالمية الثانية من دولة عظمى إلى دولة ذات مرتبة ثانية، إلا أنها رغم ضعف طاقاتها من بعد عن تحمُّل التزاماتها دون الإبقاء على المساندة الأميركية، فإن تطلعها للمرتبة الأولى وللعظمة والقوة لم يتغير، ما يمثل معضلة لسياستها الخارجية التى تعتبر إلى اليوم نموذجًا يُحتذى لدى الآخرين، خاصة الأميركيين، نظرًا لما يبدو على سلوكياتها من الحكمة والبراعة على غير ما يُعرف عن البعض من سياسات يسودها الافتعال والاعتبارات المحلية، إذ يستوى هكذا الأمر لبريطانيا، سواء فى أيام مجدها أو بالعكس، إلا عند حاجتها المُلحّة لاقتفاء أذيال السياسة الأميركية (حرب العراق 2003 مثالًا)، رغم القناعة بأهمية الاستقلال عنها، خاصة بالنسبة لمتغيرات فى الشرق الأوسط (جون ميجور)، إذ إنها أكثر دراية وإلمامًا بحكم ماضيها الاستعمارى- عن غيرها- بكواليس وتطورات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فى دول المنطقة، إلا أن الأمر بدا مختلفًا «أوروبيًّا» مع لندن حين أذعنت منذ 2016 لإغراءات الإدارة الأميركية آنئذ.. إبرام اتفاقات تجارية ضخمة بينهما مقابل انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبى (بريكست).. بدعوى أن يحقق لها بعدئذ نجاحًا اقتصاديًّا مدويًا، وسرعان ما لقي التشجيع الأميركى هوًى لدى سياسات «الجزيرة» المكتظة بالسكان التى يفصلها 21 ميلًا عن المياه المفتوحة عن شاطئ أوروبا الشمالى الغربى، لكى تحافظ كما السابق على طابعها الخاص الذى لا يسمح بأن تُعرف كدولة أوروبية، ذلك بالتوازى مع تزايد الشعور لديها بتراجع موقعها فى المشروع الأوروبى إزاء المحور الألمانى- الفرنسى الذى تعجل فى مطلع التسعينيات إعلان الوحدة السياسية الأوروبية رغم اعتراض بريطانيا وقتئذ إذ كانت ترى توافر شروط مسبقة ضرورية قبل إعلانها، الأمر الذى سخِر منه الأوروبيون بالقول «إن الله لو اشترط قبل خلق آدم مقتضيات اكتماله لما كان قد خلقه حتى اليوم»، ولتمضي من ثم إجراءات إعلان الاتحاد السياسى، ودستوره، والغصة فى حلق بريطانيا، إلى أن خرجت من التكتل الأوروبى – بعد 47 عامًا من عضويته – عقب انتهاء الفترة الانتقالية عشية العام الحالى 2021 إذ سبق لها أن تطلعت عند دخوله قبل نصف قرن إلا قليلًا لتعويض ما سبق أن فقدته من دورها الإمبراطورى، لكي تقوم بدور الجسر بين أميركا وأوروبا، كما تتطلع اليوم بالخروج من الاتحاد الأوروبى إلى العودة لما يطلق عليه «بريطانيا العالمية» بعد «البريكست» بأمل مباشرة دور محوري فى قضايا دولية، بمفردها أو مع الولايات المتحدة، كما هو مرجح، كما تأمل بريطانيا أيضًا أن يعمل «البريكست» لضمان الحيلولة دون تفكك الجزر البريطانية التى يطالب معظمها بالانفصال عن إنجلترا، إذ تختلف أحزابها الانفصالية عن حزبي المحافظين والعمال بشأن المصادقة على توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبى من بعد خضوع فترتها الانتقالية لمساومات شاقة بين لندن وبروكسيل، ولتصبح بريطانيا بموجبها- رغم اللغة الدبلوماسية التى صيغت بها الاتفاقية- أقرب إلى «الجار المنافس» فى عرف الأوروبيين، أو ربما «الجار العدو»، الذى يصعب الثقة فيه مجددًا، خاصة حال استمرار الشعبوية البريطانية، والعواقب الوخيمة عن وباء «كورونا»، فضلًا عن ظهور السلبيات المحتملة عن «البريكست»، وما إلى غير ذلك من قضايا أخرى، محلية ودولية، ما يضع بريطانيا من بداية العام الحالى، وباختيارها في العودة نحو مجدها أو لأن لا تكون، إذ هي اليوم فى قلب لحظة تاريخية.