بداية النجاح ونهايته!

بداية النجاح ونهايته!
محمد بكري

محمد بكري

6:31 ص, الأثنين, 27 سبتمبر 21

يتميز قراء ومتابعو صحف المال والاقتصاد والبورصة، بكونهم مجتمع الأعمال والمشروعات والصفقات ومُحركى الأموال. مجتمع الشركات والبنوك والمؤسسات وصناع القرار، بداية من مالك المال، مرورًا بمجلس الإدارة وكبار المديرين والمستشارين إلخ. معظمهم يعرف قواعد اللعبة واستراتيجيات السيطرة وأسس اختيار المشروعات وحساب المخاطر والجدوى الاقتصادية إلخ. أصبحت ثقافة الاقتصاد والأعمال من أهم شروط الاستثمار والتوظيف والترقى والنفاذ والمشاركة بنوادى الكبار. ورغم تذخير السوق بالكتب والمقالات والأدلة المساعدة ومُعلمة هذه الثقافة، ولكن هل من مستوعب أو مُطبق من رواد الأعمال الجدد أو الجيل الثانى والثالث؟

فإذا كان الجميع وارن بافيت وبيل جيتس وروبرت مردوخ ومايكل بلومبرج وغيرهم، فلماذا لم تلحق الشركات العربية والمصرية بركب العشرة الكبار أو المائة الشهيرة؟ ما ينطبق على القطاع الخاص، يسرى بالقطاع العام أو الدولة بنشاطها الاستثمارى أو دخولها لحلبة الأعمال والمشروعات الكبرى.

بالمتابعة الموضوعية يلاحظ صروح خاوية على عروشها! بدايات عمل ناقصة! قرارات مصيرية غير مدروسة! تعديلات استراتيجية متسرعة! صراع قوى باسم حماية المصالح! تمويلات غير محسوبة! تحالفات مبتسرة! أدوار عمل متضاربة! تعيينات المجاملة! عزل خبرات مطلوبة! خلل بأولويات حاسمة! خطط زمنية خارج الزمن! صراعات موظفين مُخططة! منافسات داخلية هادمة! تصفيات قاسمة باسم الخصخصة! بيروقراطية بعنوان التنظيم! تبذير باسم التطوير! ضبابية الرؤية بزعم السرية! جماعات ضغط بمسمى فرق عمل! تصفية حسابات دامية لترتيب البيت داخليًّا! وغيرها من عوارض وآفات مجتمع الأعمال والمشروعات.

البدايات تُشكل النهايات! ورغم تطور بيئة الأعمال والمشروعات المصرية والعربية، بآخر عقدين لمواكبة منهجيات الأعمال الدولية، بعد زيادة الاستثمارات والمشاركات الأجنبية، إلا أن الأخيرة تطورت بدورها عالميًّا باستحداث نظرات جديدة، حول مفهوم الربح وموقع المال من المجتمع والبيئة وأهمية التنمية المستدامة ورأس المال البشرى والمسؤولية الاجتماعية للشركات وفعاليات الرقابة المالية والتحول للقيمة والخسارة وليس فقط الربح والخسارة. من هنا تظهر أهمية بلورة أسس نجاح المشروعات، سواء بكيفية اختيارها أو منهجية تنفيذها؟ توصلا لتحجيم مسارات الفشل والصراع أو حكم دروب التفشيل.

البداية بإدراك أهمية استهداف الكيان أو المؤسسين توفر عناصر متكاملة للمشروع، تضمن انسجام وجودها برؤية صاحب المشروع، حتى يمكن القول بوجود مشروع أم لا، بل يمكن تشخيص مواطن الخلل وفرص علاجه.

تتبلور هذه العناصر بتوفير (أ) أصحاب المواهب محققى أهداف المشروع برؤاهم وقدرتهم التطويرية (ب) البنية التحتية والخدمات التأسيسية كالشبكات والحوسبة والمرافق (ج) مرافق التنفيذ كالمكاتب والمصانع والمخازن ومراكز البيانات ومواقع البيع بالتجزئة وصالات عرض المنتجات (د) العمليات كطريقة نظامية للقيام بالعمل كالتخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة (هـ) معايير أداء العمل طبقًا للسياسات والإجراءات والمبادئ (و) برامج رقمنة وأتمتة العمل (ز) تطبيقات وبرمجيات تحسين الإنتاجية والجودة (ح) منهجيات صنع القرار وتفويض الإدارة والوعى الظرفى بالمواقف بدراسة وأخذ القرار بوقت محدد (ط) قواعد البيانات المختلفة والمعلومات المتاحة عن المشروع (ى) الآلات والمعدات كأجهزة وأدوات العمل طبقًا لنوعه (ك) الهياكل التنظيمية كالإدارات وفرق العمل والمستشارين (ل) قدرات الإدارة كسياسات التوظيف واختيار المواهب وتقييمهم ماليًّا (م) شبكات العلاقات مع أصحاب المصالح والمستثمرين والسوق والمنافسين والعملاء والموظفين وجهة الإدارة (ن) تصميم ثقافة للمشروع من معايير وقيم وعادات (س) المعرفة الفنية والأسرار التجارية وبراءات الاختراع (ع) القيمة التى يقدمها المشروع للعملاء والمجتمع (ف) الخبرات التى سيقدمها المؤسسون لحيازة رضا عملاء المشروع (ص) مصادر التمويل وشكله وحجمه ونوعه (ر) مصادر المشورة القانونية والمحاسبية والفنية ومعايير اختيارهم (ق) الدراسات الاستطلاعية للمشروع ولاحقًا دراسة الجدوى (ش) قوائم أهداف المشروع وتحدياته والمشاكل المتوقعة (ت) قائمة ضباط وقواد المشروع والجنود منفذى العمل (ظ) مفاهيم ومعايير المكسب والربح والنمو والنجاح (ي) مفهوم الزمن فى تنفيذ المشروع كجداول التنفيذ ومواعيد التسليم وسياسات التأخير.

حزمة الأسس السابقة أغلبها يعلم بها أو يتعامل معها مجتمع الأعمال، ولكن إدراكها مبكرًا ورصد مكوناتها وتحزيم آثارها، يمّكن أى مالك أو مستثمر أو رئيس شركة أو مدير، من رصد التقدم أو تعيين مواطن الخلل أو الصراع، وما أكثرها. فغياب أو نقص أو تعييب أو تشويه أو فساد أى عامل مما سبق، ينتج عدة سلبيات على التوازى والتوالى تساعد بجمود المشروع أو تفشيله. لا شيء كامل أو مكتمل، ولكن أن تحظى بداية أى مشروع (صغيرًا أو كبيرًا، فرديًّا أو مؤسسيًّا، خاصا أو عاما) بهذه الأسس، سيجعل احتمالات النجاح أقوى وأأمن وأسرع.

غير كافٍ إعجابك بفكرة مشروع، أو ظاهرية ربحه أو قوته أو تأثيره! فقد يكون كذلك ولكن خبرتك فيه صفر أو قدراتك لا تميزه، جهلك بسوقه سيثمر تعثره، ضعفك بحماية مكوناته سيعرضك لغصبه، تفعيله بلا زمن محدد سيستنزف مالك وجهدك، أخطاء حساب المخاطر سيكلفك خسائر محققة، دعمك الأعمى اصطيادك لتورطك، تخبطك بردهات صناع القرار وتجاهل الضوابط سيرهقك بتعطيلات مبهمة، معاندة جهة الإدارة ومحاولات فرض القوة سيكسبك عدوات شبحية، احترافك تعشيمهم مبرر لرحيلهم، عدم تطويع معطيات الواقع مع صورتك الذهنية للمشروع سيورطك بانتصارات سرابية، تعمدك الفساد والإفساد سيتيح ابتزازك، بتقريبك للمدعين ستخلق جاحدين يفقروك معرفيًّا وماليًّا، إحباطك للكفاءات سيورثك ضعف الخدمات، استئسادك فناءك وضررك من عنادك وتسرعك أبو أخطائك، تشتت التمويلات سيرهقك بمديونيات، سحقك المنافسين دعوتهم لقتلك، مجاملة المستشارين ستفقدك صحة المشورة، تجاهلك التفاصيل يفكك الصورة الكبيرة، تحالفاتك غير المدروسة ستسمح بشرعية اختراقك، إدمانك السيطرة سيفرض التكتل ضدك، سكنك البرج العاجى سيبرر ضربك من قلاع قريبة، وهكذا.

لا توجد وصفات مضمونة للنجاح! ولكن الخبرات قد تساعد لتحجيم الفشل.

* محامى وكاتب مصرى

‏bakriway@gmail.com