تعتزم اليابان زيادة إنفاقها على إنتاج الرقائق الإلكترونية بشكل حاد، تعزيزاً لمكانتها في سوق أشباه الموصلات العالمية، حيث تقوم بتقييد الصادرات في ظل الحملة التي تقودها الولايات المتحدة للحد من طموحات الصين في مجال التكنولوجيا.
يُتوقع أن تنفق اليابان 7 مليارات دولار على معدات التصنيع خلال العام المقبل، ما يمثل قفزة بنسبة 82% عن إنفاق العام الجاري -الأكبر في العالم– وفقاً للبيانات المقدمة من هيئة “سيمي” ، وهي جمعية عالمية لمنتجي معدات صناعة الرقائق. ويقارن ذلك بزيادة متوقعة بنسبة 2% للصين، حيث سيكون المبلغ الإجمالي أكبر من الإنفاق المشترك لأسواق أوروبا والشرق الأوسط.
على الرغم من أن تايوان لا تزال أكبر دولة من حيث الإنفاق على معدات تصنيع الرقائق، والذي يُتوقع أن يبلغ 24.9 مليار دولار في عام 2024، إلا أن الاستثمار الياباني القوي يكمل دفعة الولايات المتحدة لإعادة تشكيل طرق ومصادر توريد الرقائق العالمية.
طفرة في سوق الرقائق الإلكترونية
لطالما كانت اليابان منتجاً رائداً للمعدات والمواد اللازمة لصناعة الرقائق، وهي الآن تستفيد من موقعها لجذب شركات صناعة الرقائق الكبرى مثل “تايوان سيميكوندوكتور مانوفاكتشورينغ” و”سامسونغ إلكترونيكس” في كوريا الجنوبية.
تسعى اليابان إلى تشديد قبضتها على المعدات الأساسية، وقد أعلنت طوكيو الأسبوع الماضي عن تشديد القيود المفروضة على شحنات 23 نوعاً من أدوات صناعة الرقائق المتطورة، بما في ذلك أجهزة اختبار الأقنعة فوق البنفسجية المتطرفة، وآلات الطباعة الحجرية الغاطسة، ومنظفات رقائق السيليكون.
تشمل أهداف اليابان تطوير رقائق الجيل التالي، مثل الألواح الشمسية المستخدمة لتوليد الطاقة النظيفة، والتي من شأنها تحفيز صناعة التكنولوجيا والاقتصاد، وفقاً لما ذكره يون ونهو، محلل قسم سلاسل التوريد في المعهد الكوري للسياسة الاقتصادية الدولية.
قال يون: “تسعى اليابان إلى تحقيق طفرة في مجال الرقائق.. إنها تريد التعاون مع دول مثل الولايات المتحدة لإجراء أبحاث مشتركة، مع جذب مرافق التصنيع إلى أراضيها”.
لا تزال الصين تُشكل سوقاً رئيسية لليابان، في وقت تنفي الحكومة اليابانية أن ضوابط التصدير التي فرضتها تستهدف أي دولة معنية. لكن التحركات الأخيرة فد تُقيد وصول الصين إلى تكنولوجيا صناعة الرقائق المتقدمة. وحذّرت بكين من أن مثل هذه القيود تهدّد استقرار سلاسل التوريد العالمية.
تعاون أميركي – ياباني
يوم الأحد، حث وزير الخارجية الصيني تشين غانغ اليابان على الامتناع عن دعمها للجهود الأميركية الرامية إلى قمع وعرقلة صناعة أشباه الموصلات الصينية، مشيراً أيضاً إلى أن هذا الحصار لن يؤدي إلا إلى تعزيز عزم بكين على الاعتماد على نفسها في إنتاج الرقائق، وفقاً لبيان صادر عن وزارة الخارجية الصينية.
بدوره، طالب وزير الخارجية الياباني، يوشيماسا هاياشي، بعودة مواطن ياباني محتجز في الصين اعتُقل في مارس لانتهاكه القانون المحلي في الصين، وفقاً لتقارير إعلامية، على الرغم من أن تفاصيل الحادثة لا تزال غامضة حتى الآن.
في الوقت الذي تسعى فيه طوكيو وبكين للمحافظة على استقرار علاقاتهما، بدت اليابان كحليف رئيسي في الجهود الأميركية الهادفة إلى الحد من تقدم الصين في جبهات التكنولوجيا الرئيسية، مثل الحوسبة الكمومية، والشبكات اللاسلكية، والذكاء الاصطناعي.
عودة العلاقات مع كوريا الجنوبية
تسهم الولايات المتحدة بنسبة 39% من القيمة الإجمالية لسلاسل توريد أشباه الموصلات العالمية، بينما يمثل حلفاؤها وشركاؤها، بدءاً من اليابان وصولاً إلى ألمانيا، 53% أخرى، وفقاً لتقرير صادر عام 2021 عن مركز الأمن والتكنولوجيا الناشئة، وهو مركز أبحاث في جامعة جورج تاون الأميركية. كما أشار التقرير إلى أن الصين تستحوذ على نحو 6%، لكنها تطور قدراتها بسرعة عبر سلاسل التوريد.
على عكس التوترات المتنامية في العلاقات ما بين اليابان والصين، هناك عودة للعلاقات مع كوريا الجنوبية، وهي حليف آخر للولايات المتحدة. فقد رفعت اليابان الشهر الماضي قيودها على صادرات مواد الرقائق إلى كوريا الجنوبية، بعد اجتماع قمة شهد بعض التقدم في التغلب على النزاعات التاريخية والاقتصادية.
مع ذلك، تراجع التأييد الشعبي في كوريا الجنوبية للرئيس يون سوك يول بعد زيارته طوكيو، الأمر الذي يسلط الضوء على المخاطر السياسية لاستعادة العلاقات مع دولة رئيسية اقتصادياً، لا يزال يُنظر إليها باستياءٍ بسبب تاريخها الاستعماري، وتاريخ الحرب.
كانت اليابان دولة رائدة في بيع أشباه الموصلات حتى 1980، عندما بدأت تتنازل عن جزء كبير من سوقها لصالح تايوان وكوريا الجنوبية والصين. وهي الآن متخصصة بشكل كبير في إنتاج الإمدادات مثل الرقائق -شرائح رفيعة من المواد التي تُبنى عليها الدوائر الدقيقة- وغيرها من معدات صناعة الرقائق الأساسية.