اقترحت المفوضية الأوروبية خطة لمعالجة الاضطرابات المحتملة فى إمدادات الغاز الروسى للقارة العجوز خلال فصل الشتاء المقبل، عبر اتخاذ الدول الأعضاء بالاتحاد تدابير مختلفة لتشجيع خفض الطلب على الغاز واستهلاكه من قبل القطاع العام والشركات هناك، وكذلك الأسر بنسبة %15 بدءًا من 1 أغسطس الجارى إلى 31 مارس المقبل.
تأتى الخطة فى ضوء استمرار الصراع والحرب بين روسيا وأوكرانيا، والتى بدأت أواخر فبراير الماضى، ويتوقع محللون وخبراء أن يواجه الاقتصاد العالمى اضطرابات عدة فى قطاعات الاستثمار والتجارة جراء ذلك، وما سينتج عنه من ارتفاعات معدلات التضخم وزيادة ركود القطاعات الاقتصادية عالميا.
وحسبما تقدر تقارير صحفية، فإن نسبة اعتماد دول الاتحاد الأوروبى على روسيا فيما يتعلق بإمدادات الغاز الطبيعى تصل إلى حوالى %40 من احتياجاتها، لكن النسبة ترتفع إلى %55 لدى ألمانيا.
وتضمنت الخطة الصادرة عن المفوضية أواخر يوليو الماضى بعنوان «وفر الغاز لشتاء آمن»، أنه بحلول نهاية سبتمبر المقبل سيتعين على الدول الأعضاء تحديث خطط الطوارئ الوطنية القائمة لديها بتلك التدابير المخططة لتحقيق الهدف السابق ذكره.
و تتضمن الخطة سياسات لتحفيز استبدال الوقود بمصادر أخرى، وتقليل استهلاك الغاز، كما تضع معايير للدول الأعضاء لتحديد الفئات المهمة لاستخدام هذا الوقود.
وتعد المفوضية الأوروبية هى الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبى، ويُعيّن المجلس الأوروبى رئيسها الذى يقوم بدوره بتعيين المفوضين الآخرين لولاية مدّتها خمس سنوات، كما تقترح التشريعات وتنفّذها كما تضع الأهداف والأولويات لعمل الاتحاد وتدير وتنفّذ سياساته وموازنته.
و تمثّل المفوضية الاتحاد الأوروبى على المستوى الخارجى فى بعض مجالات السياسة لا سيّما التجارة والهجرة.
وحسبما أفادت المفوضية؛ تعتبر الخطة مدعومة بمقترح تشريعى يقدم أداة طوارئ جديدة للاتحاد الأوروبى لمعالجة الفجوة المحتملة بين العرض والطلب فى سوق الغاز بالقارة.
وتُقدم الخطة إعلان تنبيه للاتحاد وذلك بعد التشاور مع مجلسه، إذا كانت أهداف خفض الطلب الطوعية غير كافية لمنع هذه الفجوة، وقالت إنه فى حالة تصاعد الموقف، فإنها مخولة بتفعيل هدف ملزم لخفض الطلب على الغاز، متوقعًة أن تظل أسعاره مرتفعة، نتيجة الوضع الجيوسياسى وحالة السوق، لكنها ترى أن انخفاض استهلاكه قد يكون له تأثير إيجابى بسبب انخفاض الطلب.
وأكدت أنها ما زالت تشجع الدول الأعضاء لاستمرار استخدام مجموعة أدوات أسعار الطاقة الخاصة بالاتحاد الاوروبى، والتى تحدد التدابير اللازمة للتخفيف من تأثير الأسعار المستدامة على الشركات والأسر.
وبحسب الخطة؛ كلف المجلس الأوروبى المفوضية بدراسة حد أقصى لسعر الغاز المستورد، مشيرةً إلى أن هذا العمل ما زال مستمرًا، وتبحث فى نماذج وطرق مختلفة يمكن أن يعمل بها تحديد سقف للسعر فى حالة اضطراب إمدادات الغاز أو حالات الطوارئ.
و لم تقترح المفوضية حتى الآن سقفًا للسعر، ولا تحتوى الخطة على مقترحات فى هذا الصدد، لكنها قالت إن الاتحاد الأوروبى يبذل كل ما فى وسعه لتفادى حدوث تراجع فى النشاط الصناعى، وأضافت أنه لا يمكن استبعاد انخفاض النشاط الصناعى بدول القارة فى مواجهة تهديدات أمن إمداد الغاز، وهذا هو السبب أيضا فى ضرورة إعطاء الأولوية لتواجد وفورات وقائية فيه.
وتوفر خطة خفض الطلب على الغاز مجموعة من المبادئ والمعايير المشتركة للدول الأعضاء لتقليل تأثير الاضطرابات الكبيرة فى الغاز على الصناعات، خاصة تلك التى لديها مجال ضئيل للتحول بعيدًا عن الغاز أو لتقليل الإنتاج دون التسبب فى أضرار جسيمة، بحسب بيانات المفوضية.
كما تستهدف الخطة ضمان التنسيق والتضامن بين الدول الأعضاء من أجل الحد من الآثار السلبية المحتملة للاضطرابات على الاقتصاد والقدرة التنافسية الصناعية والعمالة.
وحسبما أفادت الخطة، يجب على الدول الأعضاء إعطاء الأولوية للتدابير التى تشجع على استبدال الغاز الطبيعى بأنواع وقود أخرى، ويفضل أن يكون ذلك نحو بدائل أنظف ومصادر طاقة متجددة.
ومن الضرورى أن تستشير الدول الأعضاء أصحاب المصلحة لضمان إعطاء الأولوية لجميع إمكانيات الاستبدال وجميع مصادر الطاقة البديلة الحالية.
وتشجع خطة المفوضية لخفض الطلب على الغاز لدى الدول الأعضاء على استهداف عدد محدد من القطاعات أولاً بإمكانيات إحلال أفضل فى استخدام الطاقة، ومشاركة العبء عبر القطاعات المختلفة للاقتصاد والبناء على خطط الطوارئ الوطنية الحالية وأفضل الممارسات.
وتؤكد على أهمية الوفورات المحتملة الناتجة من انخفاض الطلب على التدفئة والتبريد – على سبيل المثال من خلال الحملات الإعلامية أو عن طريق الحد منهما خاصة فى المبانى الكبيرة، وتجنب تدفئة الشرفات الخارجية.
وقالت إنه بالنظر إلى كمية الغاز الكبيرة المستخدمة لتوليد الكهرباء، تشير الخطة إلى إمكانية التحول إلى أنواع الوقود الأخرى، مضيفة أن الأدوات القائمة على السوق كالمزادات أو أنظمة المناقصات واستخدام «العقود القابلة للانقطاع» تعد تدابير أخرى يمكن للدول الأعضاء وضعها لتقليل الطلب.
و تشير الخطة أيضًا إلى مفهوم مقايضة العقود بين كبار العملاء، إذ ستقوم شركة كبيرة كثيفة الاستهلاك للطاقة فى منطقة ما بدول الاتحاد الأوروبى تواجه نقصًا فى العرض بتبادل الإنتاج مؤقتًا مع منطقة أقل تأثرًا.
ويجب على الدول الأعضاء أن تأخذ فى الاعتبار مجموعة من المعايير مثل أهمية الخدمات المجتمعية وسلاسل القيمة العابرة للحدود، وإمكانيات تقليل استهلاك هذا النوع من الوقود، والأضرار المحتملة للمنشآت بسبب توقف أو تأجيل النشاط، حسبما أوردت المفوضية.
وتقول الخطة إنه عند تصميم تدابير التخفيض لاستخدام الغاز، ينبغى أيضًا مراعاة الاعتبارات الاقتصادية الأوسع مثل أهمية قطاع معين فى سلسلة القيمة، ويجب على الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبى البناء على هذه الإرشادات عند تحديث أمن الغاز القومى لخطط الطوارئ الخاصة بالإمداد.
وتشير تفاصيل المدونة التى نشرها باحثون لدى صندوق النقد الدولى بأن بعض البلدان الأشد تأثرا فى أوروبا الوسطى والشرقية – هنغاريا والجمهورية السلوفاكية والجمهورية التشيكية – تواجه مخاطر نقص الإمدادات بنسبة تصل إلى %40 من استهلاك الغاز، وانكماش إجمالى الناتج المحلى بنسبة تصل إلى %6، لكنها ترى أن هذه التأثيرات يمكن تخفيفها عن طريق تأمين إمدادات ومصادر طاقة بديلة، وتخفيف الاختناقات فى البنية التحتية، وتشجيع توفير الطاقة، مع حماية الأسر الضعيفة والتوسع فى اتفاقات التضامن لاقتسام الغاز بين البلدان.
وأضافت أن غزو روسيا لأوكرانيا تسبب فى زيادة قتامة آفاق النمو العالمى، حيث يواجه اقتصاد أوروبا نكسة خطيرة بسبب روابطها التجارية والاستثمارية والمالية مع البلدين المتحاربين، حسبما أفادت تدوينة الصندوق.
وتابعت أنه يجب على الحكومات أن تعزز الجهود لتأمين الإمدادات من الأسواق العالمية للغاز الطبيعى المسال والمصادر البديلة، ومواصلة تخفيف اختناقات البنية التحتية لاستيراد الغاز وتوزيعه، والتخطيط لمشاطرة الإمدادات عبر الاتحاد الأوروبى فى حالة الطوارئ، والتحرك الحاسم لتشجيع وفورات الطاقة مع حماية الأسر الضعيفة، والتأهب للبرامج الذكية التى تحدد حصصا للغاز.