تترقب مصانع السيارات فى مصر إعلان وزارة الصناعة والتجارة ملامح استراتيجية صناعة السيارات ومكوناتها خاصة فى ظل وجود تجربتين فى القارة الأفريقية تمكنا من تحقيق نجاحات قوية على مدار السنوات الماضية وهما تجربتى المغرب، وجنوب أفريقيا.
يذكر أن وزيرة الصناعة والتجارة نفين جامع قد أعلنت منتصف هذا الشهر عن نية الحكومة على إعلان استراتيجية صناعة السيارات بحلول فبراير المقبل، وأن القائمين عليها يقومون حاليًا على دارسة تجارب كافة الدول التى شهدت نهضة قوية فى هذه الصناعة.
وأشار خبراء صناعة السيارات فى مصر إلى أن تجرية المغرب فى صناعة السيارات أو جنوب أفريقيا يصعب خلال الفترة الحالية الاعتماد عليها كنموذج يمكن الإعتماد ليه لإنتاج استراتيجية صناعة السيارات، مؤكدين أن على الحكومة النظر للتجربة الصينية باهتمام شديد الآن.
فى البداية، قال اللواء رأفت مسروجة، خبير صناعة السيارات، إن هناك عددا من العوامل التى يجب وضعها فى الاعتبار عند البدء فى وضع الملامح الأساسية لمشروع استراتيجية صناعة السيارات فى مصر، والتى من بينها الخصائص الاقتصادية والتى تعد مؤشرًا قويًا على مدى قدرة المستهلك على شراء سيارة جديدة، بالإضافة إلى تعداد السكان، وطبيعة الوقود وغيرها من المحددات.
وأكد فى تصريحات لـ «المال» أن تجربة المغرب يصعب تكرارها حاليًا خاصة بعد التداعيات السلبية التى عانها الاقتصاد العالمى ومن ثم المحلى جراء عمليات الإغلاق، بالإضافة إلى وجود تحدٍ آخر متمثل فى منح مزايا وحوافز لشركات بهذا الكم الذى تم منحه للمغرب.
وأشار إلى تجربة المغرب فى صناعة السيارات اعتمدت على عاملين أساسيين وهما التعاون المباشر مع القيادة السياسية الحاكمة والتى تبنت مشروع صناعة سيارات بغرض التصدير فى المقام الأول ثم تحقيق الاكتفاء بالنسبة للطلب المحلى بالبلاد.
وتابع: أما العامل الثانى فهو المتمثل فى قدرة المغرب على الاستفادة من الاستعمار الفرنسى فى جذب الاستثمارات الفرنسية سواء فى صناعة السيارات الكاملة مثل رينو وبيجو وغيرها، أو حتى الاستفادة من شركات مكونات السيارات وأجزائها فى ضخ مزيد من الاستثمارات فى السوق المحلية.
وبيّن أنه بالنظر إلى التجربة المغربية يمكن لغير المختصين تخيل أنها الحوافز الممنوحة لشركات السيارات قد يكون فيها ظلم بحق المغرب_وفقًا لما قال نصًا- خاصة مع منح أراضة المصانع مجانًا للشركات، ومنحها إعفاءات ضريبة وجمركية على صادراتها، إلا أن ما نشهده اليوم هو أن المغرب بات أكبر مصنع عربى للسيارات، والثانى فى أفريقيا.
أما تجربة جنوب أفريقيا، فأشار إلى أن نجاحها اعتمد فى المقام الأول على دعم الدول الأوروبية لها، خاصة أن الاتحاد الأوروبى يراها أنها قطعة منه وليس من أفريقيا.
وأوضح أن تطور صناعة السيارات بها جاء نتيجة قدرة البلاد على تصنيع سيارات أوروبية بجودة كبيرة مع إعادة تصديرها للأسواق المجاورة وفى مقدمتها فولكس فاجن وبى إم دبليو.
التجرية الصينية هى الأقرب للحالة المصرية
قال مسروجة إن يمكن إستعادة التجربة الصينية لضمان نجاح استراتيجية صناعة السيارات فى مصر المزمع الإعلان عنها خلال الربع الأول من 2022، وذلك فى ظل التشباه الكبير بين كلا البلدين فى الظروف المعيشية والاقتصادية.
وأشار إلى أن تعداد السكان فى مصر والذى يقترب من 110 مليون نسمة يشكل سوقًا قويًا للشركات الراغبة فى الاستثمار والتوسع، على غرار السوق الصينى والذى اعتمد فى بداية تصنيعه للمركبات على عدد من العوامل والتى فى مقدمتها توفير موديلات تتناسب مع الدخول المنخفضة والمتوسطة بسيارات يطلق عليها «Low Cost Car» دون إجبار الشركات على التصدير.
وتابع: كما اعتمدت الصين على انعكاس النمو الكبير فى الناتج المحلى الإجمالى على مستويات دخول الأشخاص مما دفع العديد من الاشخاص لبحث فرص اقتناء سيارة جديدة بالتزامن مع زيادة راتبه، فضلًا عن وضع تسعير عادل للسيارات بشكل سمح للأفراد تغيير سياراته كل 10 سنوات بأخرى زيرو.
وبعد أكثر من ربع قرن من دخول الصين مجال صناعة السيارات باتت الأن تستحوذ على أكثر من ثلث الإنتاج العالمى من المركبات بشتى أنواعها بفضل الإعتماد فى المقام الأول على اشباع السوق المحلى بمركبات تتناسب مع مستويات الدخول.
إعادة تجربة نيسان فى مصر
أشار رأفت مسروجة إلى أهمية النظر إلى النماذج الناجحة فى السوق المحلية والتى من بينها شركة نيسان مصر، والمملوكة بنسبة تصل إلى %98 من أسهما لصالح نيسان العالمية، والتى استطاعت اقتناص حصة سوقية ملائمة فى السوق المحلية مع إعتمادها على انتاج موديلات تتناسب مع مستويات الدخول سواء فى المركبات الملاكى، أو التجارى.
وبحسب بيانات «أميك» تستحوذ نيسان على حصة تصل إلى %10 من إجمالى مبيعات سوق السيارات من ملاكى، وأوتوبيسات، وميكروباصات خلال فترة الشهور التسعة الأولى من العام الحالى.
إصلاح خلل المعاملات الجمركية والتسعير
قال إن قبل البدء فى طرح استراتيجية صناعة السيارات فى مصر يجب فى المقام الأول إصلاح الخلل فى المعاملات الجمركية حيال السيارات ومكوناتها.
وأشار إلى أنه لايمكن ضمان نجاح الاستراتيجية بدون وضع قاعدة موحدة للتعامل مع السيارات المستوردة بالكامل، أو المجمعة محليًا، فى ظل تمتع بعض الموديلات سواء التركية، أو الأوروبية من إعفاء كامل من الرسوم الجمركية، فى جين تخضع مكونات الإنتاج المستودة المساهمة فى عملية الإنتاج المحلى لرسوم جمركية تصل إلى %7.
كما شدد مسروجة على أهمية إعادة النظر فى التسعير، والذى يعانى من وجود تشوهات حقيقة تسبب فى هبوط سوق السيارات منذ التعويم فى خريف 2016 بصورة كبيرة.
تجرية المغرب فى صناعة السيارات
أشار تقرير الرابطة العالمية لصناعة السيارات OICA إلى نمة إنتاج المغرب من السيارات بكافة أنواعها خلال الشهور التسعة الأولى من العام الحالى بنسبة تصل إلى %29، ليقفز إلى 279 ألفًا، و336 سيارة، مقارنة مع حجم الإنتاج خلال الفترة ذاتها من العام الماضى، والتى بلغت 216 ألفًا، و102 مركبة، لتحل بذلك المرتبة 26 فى قائمة الدول الأعلى إنتاجًا فى العالم، والثانية فى أفريقيا.
ودخل المغرب مجال صناعة السيارات فى عام 2007 بعد إبرام السلطات المغربية اتفاقية مع مجموعة «رينو» لبناء مصنع العلامة الفرنسية فى طنجة بطاقة إنتاجية تصل إلى 340 ألف سيارة، بتكلفة تصل إلى مليار يورو.
وأنهت شركة رينو الفرنسية من تدشين الخط الأول فى فبراير 2012 والذى بلغت طاقته الإنتاجية 170 ألف سيارة، وافتتحت الخط الثانى فى أكتوبر 2013، بنفس الطاقة الإنتاجية للخط الأول.
ومع تزايد الطلب على موديلات «رينو» المنتجة فى المغرب اتجهت الشركة لرفع الطاقة الإنتاجية إلى 400 ألف سيارة سنويًا، ويقوم المصنع على إنتاج موديلات رينو لودجى، ودوكر، ودوكر فان، ولوجان، وسانديرو، وستيب واى بهدف تصديرها للأسواق الأوروبية، والعربية، والأفريقية.
وفى عام 2015 جذبت حكومة المغربية ثانى مصنع للسيارات ممثلًا فى مجموعة «بيجو – ستروين» المالكة لعلامات بيجو وسيتروين وأوبل وDS فى المنطقة الصناعية بالقنيطرة بتكلفة استثمارية تصل إلى 550 مليون يورو، وبطاقة إنتاجية تصل إلى 200 ألف سيارة سنويًا.
وفى عام 2019 افتتحت مجموعة «بيجو ستروين» مصنعها الجديد فى المغرب بطاقة إنتاجية تصل إلى 100 ألف سيارة، على أن يتم مضاعفة الإنتاج هذا العام وفقًا لخطة الشركة الأم، ويقوم المصنع حاليًا على إنتاج طراز بيجو 208.
وفى 2017 أعلنت المغرب عن توقيع اتفاقية مع شركة «بى واى دي” الصينية لإنشاء مصنع لإنتاج السيارات الكهربائية فى طنجة، ليكون الأول من نوعه فى المملكة، وتشمل الاتفاقية إقامة 3 مصانع أخرى لاحقًا لإنتاج البطاريات، والشاحنات الكهربائية، بالإضافة إلى القطارات العاملة بالطاقة الكهربائية.
وتسعى المغرب هذا العام للإعلان عن جذب المصنع الرابع للسيارات ضمن خطتها الطموح والتى تستهدف الوصول بإنتاجها من السيارات إلى حاجز المليون، بما يؤهلها للمشاركة فى قائمة أكبر 15 دولة منتجة للسيارات فى العالم.
ويشير تقرير البنك المركزى المغربى إلى تمكن المغرب من تصدير سياراتها المجمعة فى البلاد إلى ما يقرب من 70 دولة فى العالم، وتستحوذ صناعة السيارات على ما يقرب من النسبة الأكبر من صادرات المغرب بعد أن سجلت فى عام 2019 ما يقرب من 7.7 مليار درهم.
وتتوقع وحدة السيارات فى وكالة فيتش للتصنيف نمو صناعة المركبات فى المغرب بمعدل سنوى قدره %17.5 بين عامى 2020 و2025، مشيرة إلى أن عدد مصانع السيارات والصناعات المغذية بها تصل إلى 250 شركة تقريبًا، تقوم على توظيف 148 ألف وظيفة.
تجرية جنوب أفريقيا
تحتل حنوب أفريقيا المرتبة الـ 20 فى قائمة الدول الأعلى إنتاجًا للسيارات فى العالم خلال الشهور التسعة الأولى من 2021 بعد أن تمكنت من تصنيع 375 ألف سيارة، مقارنة بحجم الإنتاج خلال الفترة ذاتها من العام الماضى، والتى بلغت 308 ألف وحدة، مع العلم أنها أكبر منتج للمركبات فى القارة السمراء وفقًا لتقرير OICA.
وتعد صناعة السيارات من القطاعات الإقتصادية فى البلاد، بحسب موقع وزارة التجارة بجنوب أفريقيا بلغت مساهمتها فى الناتج المحلى الإجمالى بنهاية 2020 ما يقرب من %4.9.
وأشارت الوزارة فى تقريرها إلى أن البلاد تحتل التنصيف 22 فى قائمة الدول المنتجة للمركبات فى العالم خلال 2020 بحصة سوقية تصل إلى %0.6 من الإنتاج العالمى، مستهدفة الوصول إلى حصة %1 بحلول 2035 وذلك عبر إنتاج 1.4 مليون سيارة سنويًا.
وتعتمد جنوب أفريقيا فى دعم صناعة السيارات فى البلاد على جذب الشركات الأم العالمية عبر منح العديد من المزايا والحوافر لكل من المصنعيين، ومنتجى المكونات، وتصنيع معدات خدمات الصيانة، كما يشمل الدعم التجار الرسميون، مراكز خدمات ما بعد البيع، والصيانة.
وذكر الموقع أنه فى عام 2013 أطلقت السلطات فى جنوب أفريقيا برنامج جديد أطلق عليه “برنامج تطوير صناعة السيارات الموجه للتصدير” ليحل محل “برنامج تطوير إنتاج السيارات”.
كانت إحدى عوامل التى ساهمت فى تطوير صناعة السيارات فى جنوب إفريقيا هو التركيز على زيادة القيمة المضافة المحلية لتعزيز إنتاج صناعة السيارات والقدرة التنافسية للتصدير.
وساهمت تلك الاستراتيجية فى رفع معدلات تصدير السيارات المصنعة فى البلاد إلى ما يقرب من %60 من إنتاج المركبات فى البلاد العام الماضى، لأكثر من 60 دولة حول العالم، لتحتل بذلك المرتبة الثالثة بين القطاعات الإقتصادية الأكثر مشاركة فى الناتج المحلى الإجمالى بعد كل من التعدين، والخدمات المالية.
وتعمل جنوب أفريقيا فى مجال صناعة السيارات منذ عام 1924، وفى الوقت الحاضر يتواجد بها 11 مصنعًا لإنتاج المركبات بكافة أنواعها والتى من أبرزها بى أم دبليو، والذى تصل طاقتة الإنتاجية إلى 76 ألف سيارة سنويًا، ويقوم المصنع على إنتاج BMW X3 التابعة لفئة السيارات الرياضية المتعددة الأغراض.
كما يتواجد أيضًا مصنع لفورد، ومرسيدس – بنز، وتويوتا، وفولكس فاجن، وايسوزو، ونيسان، وماهندرا، وجنرال موتورز، ومان لوسائل النقل، وإيفكو للشاحنات الثقيلة.
وأشار موقع سفارة جنوب إفريقيا فى مملكة هولندا إلى أن يتواجد فى البلاد ما يقرب من 350 مصنعًا لإنتاج مكونات السيارات لديهم القدرة على توفير التكنولوجيا والإمتثال للمواصفات الصارمة التى تتطلبها مصانع الشركات العالمية المتوافرة بها.