المسار الجديد لروسيا المنفتحة «غير الأيديولوجية»

المسار الجديد لروسيا المنفتحة «غير الأيديولوجية»
شريف عطية

شريف عطية

7:29 ص, الخميس, 14 يناير 21

من المتفق عليه أن تصدير الغرب «قلق الأيديولوجيا» إلى الداخل الروسى فى الثمانينيات، كان أمضى الوسائل الأميركية غير التصادمية عسكرياً، لإسقاط وتفكيك الاتحاد السوفيتى مطلع التسعينيات من القرن الماضى، قبل نحو عقدين ونيف لأن تصبح الاختراقات «السييرانية» لروسيا (والصين) مثار قلق شديد للأوضاع الداخلية فى الولايات المتحدة، خاصة إزاء التدخل فى الشأن الانتخابى الذى يراه الكرملين نظاماً تشوبه مشكلات تتنافى من وجهة نظر موسكو مع الديمقراطية، وليتوازى مع الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأميركية المنتهية قبل أسابيع الجدل المحتدم فى الداخل الأميركى بالنسبة للعلاقات مع روسيا، المفعمة بمشاعر تتمنى- وفق تعبير الرئيس الروسى – زوال وأفول نجم روسيا، والتضحية بتطوير علاقاتهما الثنائية على مذبح السياسة الداخلية الأميركية، ذلك رغم وجود ملفات ملحة تفرض نفسها للبحث والنقاش، ليس على أجندتيهما فحسب، بل وعلى أجندات العالم بأسره، إلا من مقارنات القوة بين البلدين العظميين التى لا تقاس فقط بقدرتهما العسكرية والاقتصادية.. بقدر ما تكمن بالدرجة الأولى لما تتمتع به هذه الدولة أو تلك من تماسك مجتمعها، وثقة مواطنيها، وهو ما أصبح محل استئناف معمق بينهما لما كان يطلق عليه إبان الثمانينيات «قلق الأيديولوجيا»، خاصة فيما يتصل بجدوى المقارنات بين كل من القيم الديمقراطية البيروقراطية الروسية ذات التخطيط المركزى من ناحية.. والديمقراطية الأميركية على النهج النخبوى الغربى من ناحية أخرى، إذ فيما يقر البرلمان الروسى فى العام الأخير.. تعديلات دستورية تسمح للرئيس الحالى بالترشح لرئاستين متتاليتين من بعد 2024، تضعه ولسلطته (كما نظيره فى الصين ذات الديمقراطية اللا ليبرالية) غير الأرستقراطية دوراً فى التاريخ كزعيم عالمى، فإن الولايات المتحدة على العكسى تشهد فى العام نفسه تنافساً شرساً بين الحزبين الكبيرين، ما قد ينبئ بحراك حزبى جديد نحو تشكيل حزب ثالث منافس، كما يشير إلى الوهن الذى أصاب- بالاستقطاب- مسار الديمقراطية الأميركية بين رؤوس متعددة لأجنحة مختلفة، امتدت إلى حدّ اقتحام جماهير منفلتة أروقة ومكاتب الكونجرس، ناهيك عن الانقسامات والتوترات المجتمعية الأخرى فى الداخل الأميركي.

إلى هذا السياق، كيف سيكون المستقبل بالنسبة للنموذجين القيميين للديمقراطية، فى إطار العلاقة لسباق التسلح، الأقرب لأخلاقيات العصور الوسطى، لدى أكبر قوتين عسكريتين نوويتين، وحلفائهما، بين نظام عالمى قديم ومألوف.. وحاضر مثير للقلق إزاء المستقبل، بين الديمقراطية الغربية الجانحة مؤخراً إلى الشعبوية.. وبين الديمقراطية البيروقراطية اللا مبالية بحقوق الإنسان، وما إلى غير ذلك من تقييمات تنبؤية لعقد قادم من «اللا نهايات» لأزمات سابقة خلال العقدين المنصرمين من الألفية الميلادية الثالثة، إذ تفشت الأنانية القومية من خشية الذوبان فى الآخر، وإلى اتجاه العالم نحو التفتت الذى أخذ طابعاً حاداً، وحول الخلل فى معظم المؤسسات الدولية، وحيث لا تهدف القوى العظمى فى النهاية سوى البلوغ نحو «الهيمنة» التى لم تعد ممكنة كما السابق، إزاء التناقضات والتحديات والتهديدات المستشرية فى العالم المعاصر (تدهور البيئة الطبيعية- عواقب الأوبئة على الحالة الصحية لسكان الأرض.. إلخ)، فضلاً عن تفاقم التناقضات بين الأجيال فى عالم «لا تلامسي» رغم كونه «مسامى الحدود»، ناهيك عن الخلافات الجيوسياسية على الصعيدين الإقليمى والعالمى، وتأثيراتها على مجمل تطورات العلاقات الدولية المعاصرة، إلا من تكثيف الجهود المفترضة من أجل البحث عن سبل قيام نظام عالمى جديد أكثر عدلاً وقدرة على الحيلولة دون انحدار البشرية كنتيجة للكوارث غير المتوقعة سواء من البيئة أو الإنسان، إلا حال تضامن الشرق والغرب فى إطار من الانفراج العام غير المحدود، كضرورة لها سوابق تاريخية، لتشكيل «الثنائية القطبية الجديدة»، تفرضها ولو بالغصب على كل متردد من أطرافهما، حقيقة توازن قوى الردع فيما بينهم، أو عن عجزهم إزاء النمو المتصاعد من جانب قيادات إقليمية جديدة (كتلة عدم الانحياز مثالاً)، لوضع لبنات مستحدثة ترفض استمرار الوهم الديمقراطى المقلق إلى جانب الاهتمام بحقوق الإنسان ذى الوعى الخلاق المعاصر بسيان، إذ لربما يتمثل المتوسط الحسابى فى ذلك، لو صلحت النوايا، فى المسار الجديد لروسيا المنفتحة «غير الأيديولوجية».