بينما العالم تدهمه جائحة «كورونا» الفيروسية، تنشغل مراكز الأبحاث الكبرى بكل من مصير القطبية الأميركية.. ومستقبل الصعود الصينى، فيما بعد انتهاء الوباء الجرثومى.. سواء ما بين استهانة الولايات المتحدة بمخاطره بادئ الأمر أو بين استباق الصين التصدى له باكراً، وما تشير إليه دلالات هذه الإشكالية عن عجز واشنطن اختراق الستار الحديدى للداخل الصينى.. حتى يمكنها الحصول على معلومات دقيقة تساعدها فى تجنب مخاطر الفيروس قبل استفحاله فى الداخل الأميركى.. الذى يبدو اختياره «الربح المادى» على السياسة الصحية لمواطنيه (قصور نظام الرعاية الصحية الأميركي)، ما أصاب العالم بخيبة أمل من قيادة الولايات المتحدة للبشرية، مقارنة بالصين الشاخصة عيون العالم إلى قدرتها على «التلاحم العولمى»، ذلك فيما يتثبت حتى لحلفاء أميركا الأوروبيين.. كونها من الدول دائمة الخذلان لأصدقائها، بينما تقوم الصين (وروسيا) بملء فراغات خالية صحياً من النفوذ الاستراتيجى العالمى، خصماً من أدبيات الهيمنة الأميركية.. إلا أن تتدارك واشنطن الأمر من خلال البحث العلمى (أمصال وأدوية) للجميع حول الكرة الأرضية، وبسعر التكلفة، ما لم يفت أوانه بعد. أما على صعيد ما بعد كورونا، وبغض النظر عن الفارق بين الرئيسين الصينى والأميركى، من حيث امتلاك الرئيس «تشى» خطة لمباشرة أدوار أكبر خارج جغرافية الصين وحدودها (مبادرة الحزام والطريق).. وبين الرئيس «ترامب» الذى تدفع أميركا اليوم ثمن استهانته فى البدء بالجائحة الفيروسية، مستمسكاً من موقعه فى البيت الأبيض بالأحادية الذهنية الأميركية- العنصرية والمادية والعسكرة، إذ شتان بين القيادتين.. ما ينعكس إيجاباً على نجاح الصين الاقتصادى، وفى الإدارة، عنه بالنسبة إلى مكابرة النهج الأميركى، إلا أن اللوم الموجه لبكين عن التعتيم شهوراً على وجود الفيروس.. وعن خسائرها، يتمثل فى ردة فعل الحكومات والشعوب، تغذيها دوائر أميركية وغربية- وحلفاؤهما- ضد الفكر الشمولى الصينى، ربما بهدف نقل المصانع والاستثمارات خارج الصين، ومقاطعة بضائعها.. من وجهة نظر عاطفية عن ربط كورونا بالصين من منظور سلبى، ما قد يسبب لها خسارة مهولة ليس من المعلوم كيف ستتجاوزها بكين التى لا تدخر وسعاً للتغلب على هذه الحملة العنصرية ضدها، وإذ حيث يتزامن التشكيك الغربى والأميركى مع هشاشة رواية الصين عن ضحاياها الفيروسية.. تنشط بكين فى توجيه دعاية شرسة للإعلان عن وفاة الزمن الأميركى، وولادة لحظة الصين التاريخية لتحل محل سوق الأسهم الأميركية خلال عشر سنوات، وعن الخضوع السياسى الأميركى للصين فى مقابل الحصول منها على احتياجات المستهلك الأميركى، إلا أنه رغم السمعة الإمبريالية للولايات المتحدة.. فإن الدول على تنوعها أقرب للتحالف معها لمواجهة الصين، وليس العكس، لولا أن أميركا تبدد مواردها فى الحروب (300 مليار دولار/ 725 قاعدة عسكرية فى الخارج/ 20 مليون قتيل منذ 1945.. إلخ) كما يبلغ عجزها التجارى 291 مليار دولار لعام 2018، وحيث يمثل الاختلال فى التوازن بالمبادلات مع الصين الدور الأكبر فى هذا العجز الإجمالى، فاقمته الحرب التجارية بينهما، وما إلى ذلك من صعوبات تضرب القوة الأعظم المتداعية بالمقارنة بالصين بلا ديون أو التزامات فى حروب خارجية، كما تستبدل مع روسيا احتياطياتهما من العملة بسبائك ذهبية، وباستعمال «اليوان» الصينى فى جزء متنام من مبادلاتهما، وبينما تعيش الولايات المتحدة على القروض على حساب بقية العالم، تربط الصين مبادرتها «الحزام والطريق» للتعاون المتبادل مع دول مختلفة حول العالم، ولذلك فمن غير المستبعد فى إطار تراكم الشكوك بين الولايات المتحدة والصين، المتصارعين حول النفوذ، أن يثخن أحدهما الآخر لصالح قوى صاعدة أخرى تشكل نظاماً دولياً تعددياً خصماً من المركز العالمى بين أميركا والصين بعد كورونا
شريف عطية
6:52 ص, الخميس, 9 أبريل 20
End of current post