من المرجح أن يتباطأ البنك المركزي الهندي في توفيق أوضاع سياسته النقدية، مخالفاً المسار الذي تتبعه البنوك المركزية عالمياُ لرفع أسعار الفائدة، وذلك من أجل ضمان حدوث انتعاش دائم في ثالث أكبر اقتصاد في آسيا، وفقاً لخبراء اقتصاديين.
قال الاقتصاديون، ومن بينهم، أنوبهوتي ساهي، من “ستاندرد تشارترد”، إن صانعي السياسات سيلتزمون بتصميمهم على إبقاء موقفهم التيسيري لتحقيق هدف النمو في الوقت الحالي.
المركزي الهندي يركز على التخلص من السيولة
سيركز صانعو السياسة بالهند بدلاً من ذلك، على المهمة الصعبة المتمثلة في التخلص من السيولة، وترك ما يكفي فقط لإبقاء الاقتصاد ينمو دون زيادة الضغوط التضخمية.
أشار محافظ بنك الاحتياطي الهندي، شاكتيكانتا داس، الذي دعا العام الماضي إلى استجابة سياسية منسقة لمواجهة تداعيات الوباء، خلال ديسمبر إلى مخاطر المتحوِّر “أوميكرون”، لمواصلة دعم الاقتصاد على الرغم من الدعوات من أحد المصرفيين بالمركزي الهندي للتخلي عن الانحياز للسياسات التيسيرية.
يتعارض موقف الهند مع التحوّل المتشدِّد لدى البنوك المركزية العالمية الرئيسية بما في ذلك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا، في الوقت الذي تكافح فيه المخاوف التضخمية.
قال ساهي، رئيس أبحاث جنوب آسيا في “ستاندرد تشارترد”: “بالنسبة للبنوك المركزية الأخرى، قد يبدو أن بنك الاحتياطي الهندي لم يبدأ في رفع أسعار الفائدة أو الحديث عن إمكانية رفعها”.
“نحن بحاجة إلى اعتبار أن مثل هذه البلدان لم يكن لديها عمليات إغلاق صارمة مثل الهند، أو لديها تضخم أعلى بكثير مقارنة بمسارها التاريخي”، وفقاً لما قاله ساهي.
إبقاء السياسة النقدية تيسيرية
أشار مايكل ديبابراتا باترا، نائب محافظ بنك الاحتياطي الهندي وعضو لجنة السياسة النقدية، مؤخراً، إلى منحنى “فيليبس المسطح” – نظرية ترسم العلاقة بين الوظائف والأجور- لاستنتاج أن ظروف الطلب كانت ضعيفة بما يكفي لإبقاء السياسة النقدية تيسيرية لبعض الوقت.
قال باترا، إن هذا “يوفر بعض المساحة للمناورة أمام السياسة النقدية لدعم الانتعاش دون التعرض لمخاوف التضخم المدفوعة بالطلب”، في إشارة إلى المنحنى الذي يميل إلى الانحدار عندما يرتفع التوظيف، مما يدفع الأجور إلى الأعلى ويؤجج التضخم المدفوع بالطلب.
على الرغم من أن بنك الاحتياطي الهندي أبقى توقعاته للنمو دون تغيير عند 9.5% للسنة المالية الحالية المنتهية في مارس 2022، إلا أنه يتوقع توسعاً أبطأ بنسبة 7.8% في العام المالي المقبل.
يتوقع الاحتياطي الهندي أن يبلغ التضخم ذروته في الفترة من يناير إلى مارس 2022، قبل أن يستقر في الربعين المقبلين عند 5% – ضمن النطاق المستهدف 2% -6% – مما يتيح مجالاً لدعم النمو.
إلى جانب ذلك، فإن الاحتياطيات الدولية البالغة 650 مليار دولار، تمنح صانعي السياسات مساحة لحماية اقتصاد ناشئ مثل الهند من التقلبات المصاحبة لكل دورة تشديد للسياسة النقدية من جانب الاحتياطي الفيدرالي تقريباً.
معالجة السيولة الهائلة
مع ذلك، كان البنك المركزي حريصاً على معالجة مشكلة السيولة الهائلة المتراكمة في النظام المصرفي، والتي وصفها ” إتش إس بي سي” مؤخراً بأنها “الفيل الموجود في الغرفة”، في إشارة إلى تجاهلها أو عدم التعامل معها.
من المرجح أن تظل السيولة مرتفعة عند نحو 6 تريليونات روبية (80 مليار دولار) خلال العام المالي 2023 و2024، وفقاً لتوقعات البنك، انخفاضاً من حوالي 10 تريليونات روبية في وقت سابق من ديسمبر.
التحول إلى آلية المزاد
ومن أجل إعادة توازن السيولة في النظام، يقوم بنك الاحتياطي الهندي بنقل السيولة النقدية الفائضة التي تودعها البنوك لديه، من إعادة الشراء العكسي ذات السعر الثابت إلى المعدلات المتغيرة القائمة على المزاد، والتي يتحكم فيها بشكل أفضل.
تظهر أحدث البيانات أن البنوك أودعت 954 مليار روبية لدى بنك الاحتياطي الهندي بمعدل ثابت قدره 3.35% يوم الإثنين الماضي، مع تخطيط البنك المركزي لترحيل معظم امتصاص السيولة إلى آلية قائمة على المزاد اعتباراً من يناير.
في إطار الجهود، سيهدف بنك الاحتياطي الهندي إلى التخلص من 7.5 تريليون روبية عبر إعادة الشراء العكسي لمدة 14 يوماً في 31 ديسمبر.
أحدث الاحتياطي الهندي، صدمة بالأسواق الأسبوع الماضي من خلال تقديم الريبو العكسي المتغير العائد لمدة 3 أيام، مما أدى إلى زيادة أسعار الفائدة قصيرة المدى.
يمكن اعتبار التحرك لتخصيص المزيد من السيولة عبر مزاد الريبو العكسي المتغير العائد، بمثابة مؤشر لرفع سعر إعادة الشراء العكسي في فبراير 2022، مع احتمال الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي حتى الربع الثالث من عام 2022، وفقاً لما قاله أبيشيك جوبتا من “بلومبرغ إيكونوميكس”.
كتب جوبتا في مذكرة: “ينبغي النظر إلى ارتفاع أسعار الفائدة في السوق النقدية والارتفاع المتوقع في معدل إعادة الشراء العكسي في المستقبل، باعتبارهما مؤشراً على اتجاه خفض السيولة من الفائض القياسي الحالي، وليس تحركاً من جانب البنك المركزي لتشديد السياسة”.