تتجه معظم دول العالم إلى إنشاء المدن المستدامة؛ لما تقدمه من حياة صحية وآمنة، وما توفره من استخدام الطاقة والكهرباء والمياه، خاصة بعد ارتفاع أسعار هذه الخدمات، إضافة إلى اعتمادها على الطاقة النظيفة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وإعادة تدوير المخلفات، مما يساهم فى القضاء على التلوث.
ويرى خبراء القطاع العقارى أنه يجب على مصر الدخول بقوة نحو إنشاء المدن المستدامة، وأن تساعد الحكومة على توفير البنية التحتية اللازمة لبناء هذه المدن، عن طريق توفير الموقع الجيد ذى المناخ الملائم والقريب من المياه، والتربة الزراعية الملائمة، مؤكدين أن هذه المدن ستكون خيار المواطنين للهروب من فواتير الكهرباء الباهظة والحل الأمثل لحياة صحية نظيفة.
عبدالوهاب غنيم: توفر جميع الخدمات وتقدم بيئة صحية
وقال الدكتور عبدالوهاب غنيم، نائب رئيس الاتحاد العربى للاقتصاد الرقمى، ومستشار تطوير الأعمال بكلية كامبريدج الدولية ببريطانيا، إن حوالى %57 من سكان العالم يعيشون فى المدن أو المناطق الحضرية، لكن الكثير من هذه المدن تعانى العديد من التحديات، ومنها التلوث البيئى والضوضاء والازدحام.
وأضاف أن هناك بعض المدن التى تمكنت من الجمع بين التنمية المستدامة وظروف العيش الحديثة، ومنذ عدة سنوات ظهر مصطلح المدن المستدامة أو الخضراء، بعد أن أعلنت الأمم المتحدة إستراتيجية التنمية المستدامة التى تتكون من 17 هدفا.
وأوضح أن بعض الدول اهتمت بإنشاء المدن المستدامة أو المدن الخضراء، وهى المدينة التى صممت مع مراعاة الأثر البيئى؛ لتقليل استخدام الطاقة والمياه والمواد وتقليل النفايات وتلوث الماء والهواء، والعمل على استخدام نظم الصرف الصحى المستدامة، وزراعة الأسطح الخضراء، واستخدام النفايات فى توليد الطاقة الكهربائية من انبعاث الغازات الحيوية، مع العمل على زيادة استخدام مصادر الطاقة الجديدة، والمتجددة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
وأشار إلى إمكانية تقليل استخدام أجهزة التكييف، عن طريق نظم تهوية طبيعية فى تصميم المبانى وزيادة المسطحات الخضراء والمائية بما لا يقل عن %20 من مساحة المدينة، والعمل على زيادة وسائل النقل الجماعى الحديثة، الكهربائية أو عديمة الانبعاثات، وإنشاء ممرات ومسارات للمشاة ولراكبى الدراجات.
وتحتوى المدن المستدامة على مناطق صناعية وتجارية صديقة للبيئة قريبة منها، بغرض توفير فرص العمل وتقليل الانتقالات للعاملين، وتوفر هذه المناطق الصناعية البيئة الاقتصادية المتكاملة ومجتمع الأعمال الذى يحقق التعاون فى إدارة الموارد البيئية، والاستخدام الأكثر فاعلية للطاقة، وأكثر كفاءة لتدفق المواد والمياه؛ للحد من التأثيرات البيئية.
أحمد حسن: تعتمد بشكل جوهري على الزراعة والإنتاج الحيواني
وقال أحمد حسن، رئيس شركة «ماريوت هيلز»، إن تأسيس المدن المستدامة يعتمد بشكل جوهرى على الزراعة والإنتاج الحيوانى، واختيار موقع جيد من حيث المناخ والبيئة صحية، ومتوافر به تربة زراعية ملائمة لهذا الغرض مع مراعاة شروط ومعايير الصحة العامة.
وأضاف أن الموقع الأنسب لجميع الفئات العمرية، خاصة كبار السن، هو البعد والارتفاع عن سطح البحر، حيث تقل بصمة الكربون ومصادر التلوث والضوضاء، كما يعتمد اختيار الموقع أيضا على تتعدد مصادر المياه، وسهولة إنتاج مياه الشرب النقية بتكنولوجيا تكثيف المياه من الهواء، والتى تتطلب معدلات رطوبة معينة وبيئة جوية ذات ملوحة أقل.
وشدد على ضرورة اختيار الموقع، ليكون ملائما لتحقيق أعلى سعة إنتاجية من الطاقة المتجددة، كسرعة واتجاه الرياح والساعة الشمسية، مشيرا إلى أن هناك مؤشرا مهما للغاية نحرص عليه وهو تقليل بصمة الكربون الموفرة إلى %70 ويبلغ طول المجرى المائى 600 متر.
وفيما يتعلق بعدد الأحياء، قال «حسن» إنه يجب تحقيق الكثافة السكانية القصوى، إضافة إلى قدرة إنتاجية للكهرباء 1 ميجا وات بحلول عام كحد أدنى، مركزا على ميزة مهم لقرية تتمثل فى عدد المطاعم العاملة بالمواد الخام المنتجة ذاتيا من المدينة بنحو 10 مطاعم، بخلاف المطاعم التى تحمل العلامات التجارية العالمية.
وأكد أنه لابد أن يبلغ إجمالى طول الشوارع الرئيسية نحو 5.8 كيلو متر، و3 مراكز تسوق، و3 مراكز طبية، ومحطة وقود واحدة، عدد 498 منازلا فندقيا وسكنيا، إضافة إلى إقامة تجمعات سكنية عصرية منتجة متوازنة صحيا وبيئيا، تهدف إلى الاستدامة عن طريق استغلال الموارد الطبيعية المتاحة والاستفادة منها لتوفير مصادر الطاقة النظيفة، المياه، الغذاء الصحى وإعادة تدوير المخلفات لتحقيق حياة سليمة طوال العام تتوافر فيها أعلى مستويات الرفاهية، وتمتلك القدرة على مواكبة التطوير المستمر والتكنولوجيا الحديثة.
وأوضح أنه يشترط تحقيق المنفعة الدائمة والاستثمار الحقيقى لكل من يقطنها أو يتردد عليها، وتوفير جميع الخدمات الأساسية المتكاملة بما فيها الخدمات الطبية بصفة دائمة ودورية، لافتا إلى البناء الحديث والطاقة المتجددة وحلول المياه.
محمد يونس: النموذج الرابح للعميل هروب من فواتير الطاقة
وقال محمد يونس، الرئيس التنفيذى لـ «إيرا مصر للتسويق العقارى»، إن مستقبل مصر العقارى يحتم التوجه نحو الدخول بنظم الإنشاءات وفقا لمعايير «المدن المستدامة، لافتا إلى قلة عدد المستثمرين فى هذا المجال المجال؛ نظرا لارتفاع تكلفة إنشاءات هذه المدن، نتيجة ارتفاع تكلفة الخدمات من كهرباء ومياه وغيرها.
وأضاف أنه لا يوجد مستثمر يتحمل تكلفة إنشاءات هذه المدن، خاصة أن العميل يسأل قبل الشراء عن «الأوبشن» الخاص بالخدمات من مياه وكهرباء وإنترنت وغيرها، وهل هى ضمن السعر أو سيتحمل هو تكاليف أخرى بعد الشراء.
وأوضح أن الدول الأخرى، بدأت تنفيذ المدن المستدامة منذ عشرات السنين، ولكن فى مصر مازلنا نحبوا فى هذا المجال، ولا نمتلك كيفية الدخول الصحيح فى هذه النظم الحديثة على السوق المصرية، مشيرا إلى أن السوق تمتلك فى بعض المدن الحديثة نظما من المدن المستدامة، ولكن لا تتوافر جميع العناصر.
وقال يونس إنه لا يوجد أحد يدخل نظم المدن المسدامة بعمق، وحتى الآن يغيب المعنى الحقيقى عن مدن مستدامة، وبالتالى عدم تقدير القيمة الناتجة عنها، مشيرا إلى أن إنشاء هذه المدن يحتاج إلى تخطيط دقيق؛ لأنه يختلف كثيرا عن المشروعات التقليدية، حيث يحتاج إلى الكثير من الإمكانات والاحتياجات التى يجب أن تكون موجودة ومتوفرة حتى يستطيع المستثمر أو القائم على المشروع تنفيذه.
وطالب الحكومة بتوفير الاحتياجات الأساسية للمشروع، خاصة البنية الأساسية اللازمة له، وفى المناطق المجاورة حتى تسهل عملية تنفيذ مثل هذه المشروعات على أرض مصر، كما أن خدمات الكهرباء المولدة عن الطاقة الشمسية تختلف عن محطات الكهرباء العادية؛ لأن الأمر لا يقتصر على الإضاءة فقط، لذلك تحتاج الخدمات الأساسية للمراجعة.
وقال الدكتور خالد يسرى، نائب رئيس مجلس إدارة المركز القومى لبحوث الإسكان والبناء، التابع لوزارة الإسكان، إن مصر تمتلك أول مدينة مستدامة منذ أكثر من 7 آلاف سنة وهى «الأهرامات» وتشمل نظم تهوية ملائمة ونظم لتوفير الإضاءة من الشمس ونظم بناء عجز العالم على إيجاد مثيل لها؛ ولكن المدن الجديدة أو التى يتم بناؤها حاليا سواء فى مصر أو فى دول العالم المختلفة تحت اسم المدن المستدامة تحتاج إلى ظروف بيئية من حيث المكان وطبيعته وتوافر الخدمات والبنية الأساسية اللازمة والأهم هو تواجد فرص العمل.
وأضاف أنه ليس من المناسب أن أسوق الوحدات السكنية أو المدن جديدة لا تتوافر فيها جميع الخدمات اللازمة، خاصة فى البيئة المحيطة لها، والأهم هو توافر فرص العمل التى تشجع الشباب على شراء الوحدات أو التوجه لهذه المدن.
وطالب الدولة بأن تعمل على توفير البنية الأساسية اللازمة، وخلق مجتمعات منتجة توفر بها فرص العمل التى تتناسب مع الشباب تشجيعا على التوسع الأفقى وتعمير صحراء مصر لرفع نسبة الإعمار لما يفوق عن %7 من إجمالى مساحة مصر.
ونوه بأن المدن المستدامة معروفة أيضا بالأبنية الخضراء، وهى الاهتمام بالنواحى الاقتصادية والاجتماعية والبيئية؛ لخلق أبنية صالحة للاستعمال، بعبارة أخرى فإنه يتطلب من المصممين والمقاولين استخدام ممارسات البناء التى لن تسبب على المدى الطويل الأضرار التى تلحق بالبيئة، وتستند عموما على مبادئ الثلاثى (TBL) خط «الناس (الاجتماعية) والأرباح (الاقتصادية) والكوكب (البيئية)».
وقال إن المدن المستدامة ترتبط ارتباطا وثيقا مع الاستدامة الاقتصادية (Economic sustainability)، وغالبا ما تتضمن الكفاءة فى استخدام الطاقة، مما يوفر المال على المدى الطويل، فضلا عن استخدام المواد التى تكون مجدية اقتصاديا؛ للتثبيت والصيانة والاستبدال والإصلاح، فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام الحجر المحلى (Local materials) فى مبنى جعله أرخص، ويقضى على تطلفة نقل الحجارة من أماكن بعيدة.
وأشار إلى أن الاستدامة الاجتماعية (Social sustainability) تركز على الأشخاص الذين يستخدمون المبنى، احتياجاتهم الحالية والمستقبلية التى تؤثر فى التصميم، والتى تسعى جاهدة إلى وضع خطة مرنة للغاية، والذى يسمح للمبنى بسهولة إعادة مقصودة مع تغير الاحتياجات، وهذا يمكن أن ينطبق على التصميم المستدام منزل لأسرة واحدة، فضلا عن مبنى للمكاتب متعددة الطوابق، تصميم مرن وسائل يمكن استخدامها فى بناء أطول، ومنع الآثار السلبية التى ينطوى عليها هدم مبنى قديم، وإعادة بناء واحدة جديدة.
بالإضافة إلى أنه يمكن اتخاذ تدابير لمعالجة الاستدامة البيئية (Environmental sustainability)، وتشمل زيادة كفاءة استخدام الطاقة، مما يقلل من كمية الطاقة الرئيسية التى يحتاجها على المدى الطويل، وتركيب معدات توفير المياه للحد من كمية المياه المستخدمة، واستخدام مواد البناء المستدامة، يجب أن تكون لوازم البناء يمكن إعادة تدويرها، متجددة وغير سامة، هذه الإستراتيجيات لتخفيف الضغط السلبى على البيئة المحلية.
معايير المدن المستدامة
كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة
1 – توجيه المبنى للاستفادة من الطاقة الشمسية والإضاءة الطبيعية والظل.
2 -تأثير المناخ المحلى على البناء.
3 -كفاءة غلاف المبنى الحرارية والنوافذ.
4 -مصادر بديلة للطاقة (متجددة ).
5 -تقليل كميات الاستهلاك من الطاقة الكهربائية والمائية.
الآثار البيئية المباشرة وغير المباشرة
1 -الحفاظ على الموقع وسلامة الغطاء النباتى أثناء عملية التشييد.
2 -استخدام المكافحة المتكاملة للآفات.
3 -استخدام النباتات الموجودة فى الموقع فى الحدائق المحيطة للمبنى.
4 -التقليل من الاضطرابات فى أماكن تجمع المياه القريبة وعدم تلويثها.
5 -تأثير المواد المستخدمة على طبيعة الهواء والماء وعدم تلويثها مستقبلا.
6 -كمية الطاقة اللازمة لاستخراج المواد المستخدمة فى البناء.
حفظ المواد وإعادة تدويرها
التنمية المستدامة: المواد المعاد استخدامها وتدويرها فى إنشاء المباني.
1 -استخدام مواد قابلة لإعادة الاستخدام مستقبلا، واستخدام مواد تمت إعادة تدويرها.
2 -إعادة استخدام بعض أجزاء المبنى والمعدات والأثاث.
3 -التقليل من مخلفات البناء والحطام الناتج من إعادة التدوير.
4 -العمل على فصل النفايات وتصنيفها طبقا لخصائصها.
5 -التقليل من التخلص من المياه العادمة من خلال إعادة استخدام هذه المياه (gray water) ومعدات توفير المياه.
6 -استخدام مياه الأمطار فى الرى.
الجودة البيئية فى الأماكن الداخلية
1 -محتوى المركبات العضوية المتطايرة من مواد البناء.
2 -التقليل من فرص النمو للجراثيم.
3 -إمدادات كافية من الهواء النقي.
4 -مراقبة المحتوى الكيميائى والمركبات العضوية المتطايرة من عمليات التنظيف.
5 -التحكم الكافى فى كمية الضوضاء.
6 -السماح للإضاءة الطبيعية بالنفاذ إلى داخل المبنى.
القضايا الاجتماعية
1 -الوصول إلى الموقع من خلال وسائل النقل الجماعي، والمشى واستخدام الدراجات.
2 -الانتباه إلى القيمة الثقافية والتاريخية للمبنى.
3 -الانتباه إلى التغير المناخى كعامل لتحديد طبيعة تصميم المبنى واختيار المواد.