في بعض الأحيان، يتسلل حنين شديد إلى ستيفي روخاس، ويوتر أعصابه، ويستولي على عقله. لكنَّه يقول، إنَّه تخلص من هذه العادة – كونه ترك العملات المشفَّرة بشكل فوري. الكثير من الناس يدخلون عالم العملات المشفَّرة. كما فعل روخاس، الذي يقول إنَّه تعلّق بها.
رموز ذات مخاطرة أكبر
روخاس هو رجل أعمال في أوائل الثلاثينيات من عمره، بدأ في تجريب العملات المشفَّرة لأسبابه المعتادة: الملل، والفضول، والخوف من أن تفوته موجتها. بدأ مع بتكوين، واكتشف أنَّه يحب نشوتها. تطور لاحقاً إلى إيثريوم ، ثم إلى رموز أكثر جاذبية – تلك التي تنطوي على مخاطر أكبر وإثارة أكثر.
يقول، إنَّه أمضى ساعات أيامه بحثاً عن كنز رقمي مستخدماً هاتفه الذكي. ويعترف أنَّ الربح كان يسرّع نبضه، والخسارة كانت تجعله مدمناً. ويقول إنَّه توقف عن الصلاة في الصباح، وعن قضائه الوقت مع ابنته الرضيعة. وبدلاً من ذلك؛ كان يبحث في “ريديت”، ويطارد الإثارة هناك. وبينما لم يكن يتداول العملات المشفَّرة، فقد بات يفكر في تداولها. بحسب تعبيره؛ بات “مدمناً”.
وذات يوم من العام الماضي ركع على كرسي اعتراف مظلم بكنيسة كاثوليكية رومانية في مانيلا، حيث يعيش. انهار وصلى طلباً للمساعدة.
سأله الكاهن: هل تقامر؟
أجابه روخاس: إنَّها العملات المشفَّرة.
هل من الممكن حقاً أن يكون المرء مدمناً على العملات المشفَّرة؟. إنَّ الفكرة مثيرة للجدل، لكنَّها ليست بعيدة عن الواقع – خاصة بالنسبة لصناعة علاج الإدمان المربحة. فمن عيادة سويسرية قيمة علاجها الأسبوعي 90 ألف دولار إلى خدمات العلاج عن بعد غير المكلفة نسبياً، بات للعملات المشفَّرة – من بين كل الأشياء – برامج إعادة تأهيل.
إدمان العملات المشفَّرة
هذا التطور، باعتراف الجميع، هو حاشية في قصة الإدمان المظلمة اليوم. إذ إنَّ جزءاً ضئيلاً فقط من الأشخاص الذين يتداولون أشياء مثل “بتكوين”؛ سيواجهون مشاكل في أي وقت. والتسمية الطبية المحددة ما تزال مطروحة للنقاش.
لكنَّ الفهم العلمي ووجهات النظر الشعبية آخذة في التحول. ركز الأطباء النفسيون مؤخراً على اضطرابات الإدمان التي تنطوي على سلوكيات. إذ في العقد الماضي فقط، تم الاعتراف بشكل رسمي بأنَّ “اضطراب القمار” هو إدمان سلوكي من قبل المجتمع الطبي في الولايات المتحدة (سابقاً عرّفت “المقامرة المرضية”، بأنَّها مشكلة تتعلّق بالتحكم في الانفعالات). يصنّف الإصدار الأخير من دليل “الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين” – الذي يشار إليه أحياناً باسم الكتاب المقدس للطب النفسي – الانشغال المفرط بألعاب الفيديو عبر الإنترنت على أنَّه أمر يستحق المزيد من البحث.
والآن يضيف عدد متزايد من المتخصصين في مجال الصحة العقلية علامةَ النجمة إلى الأدلة لتصنيف العملات المشفَّرة كبؤرة إشكالية شبيهة بالمقامرة، وفي بعض النواحي أكثر خبثاً.
لطالما اشتبه العلماء فيما عرفته “وول ستريت” منذ زمن طويل: أدمغتنا تشتهي المال. فالنشوة من الكوكايين، وإثارة شراء دوج كوين: تحكمهما دوائر المكافآت نفسها. كما أنَّ الباحثين ربطوا نسخة مطولة من أحد المستقبلات العصبية، مستقبل “الدوبامين” رقم 4، بالميل نحو المخاطرة المالية.
مهما كانت التسمية الرسمية؛ فإنَّ المشاكل التي عانى منها أشخاص مثل روخاس تعكس نقطة التقاء القوى الثقافية الجبارة. لقد قيل الكثير عن خصائص “روبن هود” التي يُفترض أنَّها تسبّب الإدمان، وهو تطبيق للتداول الحر جذب الملايين من المتداولين اليوميين الهواة لأسهم “ميم” النشطة. قارن العديد من الخبراء بين هذا النوع من الإضراب مع اضطراب القمار. يقول الخبراء، إنَّ المشكلات الكامنة مثل الاكتئاب أو تعاطي المخدرات، غالباً ما تجعل هذه المواقف أسوأ.
تداول محفوف بالمخاطر
ومع ذلك؛ هناك ثلاثة أشياء تميّز العملات المشفَّرة. الأولى هي حداثتها. حتى الآن، بعد 14 عاماً من اختراع “بتكوين”؛ الذي من المفترض أنَّه تم على أيدي شخص غامض أو عدّة أشخاص تحت اسم ساتوشي ناكاموتو؛ ما تزال العملات المشفَّرة تبدو كأنَّها شيء حديث. الشيء الثاني هو التقلّبات، ومعها إثارة اندفاع “الدوبامين” النابع من التداول المحفوف بالمخاطر.
ثم هناك شيء ثالث وكبير. على الرغم من الجنون الذي يمكن أن يسود على جوانب العملات المشفَّرة؛ لكنَّ العملات المشفَّرة قد اتخذت شكل استثمارات مشروعة.
هذا يجعل من السهل على الناس تبرير الرهانات التخمينية، التي تكون في بعض الحالات أكثر بقليل من مجرد رمي حجر نرد. بالإضافة إلى ذلك؛ يتم التداول بالعملات المشفَّرة عالمياً، على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، بكبسة في الهاتف الذكي، أو نقرة بالماوس.
يرى الخبراء أنَّ كل هذا يمكن أن يكون وصفة للمشكلة.
الجلوس على طاولة الروليت
يقول ديلان كير، المعالج عبر الإنترنت في تايلندا الذي عالج حوالي 15 من مدمني العملات المشفَّرة، ويقبل الدفع بالعملات المشفَّرة: “الأمر يشبه إلى حد كبير الجلوس على طاولة الروليت”. يقول كير عن تداول العملات المشفَّرة: “يبدو أنَّه لا ينتهي أبداً، وهو يتطلب انتباهك… إذا حوّلت نظرك عن المكافأة، قد تفوتك فرص هائلة، وتتحمّل غرامات هائلة”.
تقول ليا نوير، مديرة “مركز دراسات المقامرة” في “جامعة روتجرز”: “إنَّ الإفراط في تداول العملات المشفَّرة، وتداول الأسهم عالي المخاطر؛ يمكن أن يكونا شكلاً من أشكال المقامرة مما يؤدي إلى اضطراب المقامرة”.
يمتد المنظر المطل من العيادة التي يبلغ فيها أسبوع العلاج 90 ألف دولار من بحيرة زيورخ إلى جبال الألب التي تعتليها الثلوج. هنا في عيادة “باراسيلسوس ريكوفري” الفاخرة، يتم التعامل مع مجموعة من أنواع المعاناة العقلية بشكل تكتنفه السرية التامة. تشمل الوسائل والخدم، والطهاة الشخصيين، وسيارات الليموزين مع سائق وميزات أخرى.
يتضمّن “الإدمان” السلوكي الذي يتم علاجه هنا بعض الأنواع التي لا تظهر في كتيبات التشخيص التقليدية: الجراحة التجميلية، والمواد الإباحية، والتمارين الرياضية، والعمل، والتسوق. كما أنَّ مشكلة أخرى ظهرت مؤخراً: أي العملات المشفَّرة.
يخضع العملاء هنا للعلاج مع فريق من ثلاثة معالجين نفسيين.
يقول جان غربر، الذي يدير العيادة الخاصة، إنَّ المدربين الشخصيين، وخبراء التغذية، ومعلمي اليوجا، وأخصائيي الوخز بالإبر وما شابههم؛ يساعدون في تهدئة العقول المضطربة.
مشاكل نفسية
بالنسبة إلى غربر وأطبائه النفسيين؛ يبدو تداول العملات المشفَّرة القهري إلى حد كبير مثل المقامرة القهرية عبر الإنترنت. لكنَّهم يقولون، من بعض النواحي، يمكن أن تكون العملات المشفَّرة أكثر خبثاً. ينظر الكثير من الناس إلى تداول العملات المشفَّرة باعتباره شكلاً من أشكال الاستثمار، مما يمنحها قدراً من الاحترام. يقول غربر، إنَّ الاستفسارات حول المشكلات المتعلّقة بالعملات المشفَّرة زادت 300% بين عامي 2018 و2021.
يقول الطبيب النفسي الرئيسي هنا، ثيلو بيك، إنَّ متداولي العملات المشفَّرة القهريين هم يستجيبون ببساطة لآليات المكافأة في أدمغتهم.
يضيف بيك: “أنت تفعل ذلك للحصول على الإحساس… النشوة… وعليك تكراره مراراً وتكراراً، للحصول على مزيد من النشوة”.
يتابع: “إنَّه لأمر مدهش… هؤلاء أناس أذكياء للغاية، لكنَّهم توقفوا عن التفكير بشكل سوي… إنَّهم يعرفون ما يكفي عن الإحصائيات لفهم أنَّ فرصة استعادة ما خسروه ضئيلة حقاً، لكنَّهم ما زالوا يؤمنون بذلك، وكلما خسروا أكثر… زادت رغبتهم في اللعب أو الشراء”.
على بعد آلاف الأميال، في اسكتلندا، يرى المتخصصون في عيادة خاصة أخرى تدعى “كاسل كريج” اتجاهات مماثلة. يقول أنتوني ماريني، كبير المعالجين المتخصصين هناك، إنَّ “كاسل كريج” عالج أكثر من 100 شخص يعانون من مشاكل تتعلّق بالعملات المشفَّرة منذ عام 2016. وصل بعضهم للعيادة بهدف علاج إدمان تعاطي الكحول أو المخدرات، ولم يتم اكتشاف مشاكل العملات المشفَّرة إلا في وقت لاحق.
خطة علاج
يستخدم ماريني خطة من 12 خطوة شبيهة بخطة العلاج المعروفة بـ”مدمني الكحول المجهولين”. يركز عمله على فهم ما يسميه “منحنى العملات المشفَّرة”، القوس الذي يمتد من التداول “المُرضي للغاية” إلى التبعية، ثم إلى الإدراك المؤلم الذي يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالعزلة، والعجز، والاكتئاب أو الإدمان الثانوي. هنا، يشمل الطريق إلى التعافي استكشاف الذات، والروحانية، وتخفيف الاستخدام التدريجي، والبحث عن إشباع صحي أكثر، وفي النهاية إعادة بناء الروتين والعلاقات الاجتماعية.
جاء ستيفن إلفينستون إلى “كاسل كريغ” لعدة أسباب. كان إلفينستون، (50 عاماً)، يعمل كعامل منجم أنفاق في لندن عندما دخل في مراهنة على فارق النقاط، وهي استراتيجية مشتقات مضاربة محظورة في الولايات المتحدة. بدأ تداول العملات المشفَّرة في وقت مبكر، حوالي عام 2015، ووعد نفسه بأنَّه سيصبح مليونير “بتكوين”.
في ذلك الوقت، كان يتم تداول “بتكوين” بحوالي 240 دولاراً. يقول، إنَّه كان يشتري أربعة أو خمسة رموز في الأسبوع. أمضى إلفينستون ساعات في تفحّص الرسوم البيانية في منزله بجزر شيتلاند، الذي انتقل إليه أثناء إعادة بناء منزل والدته.
يقول إنَّه أحب ذروة التداول عندما كانت تسير على النحو الصحيح، لكنَّ الخسائر كانت مؤثرة أيضاً. ويقول، إنَّه كان يعاني أيضاً من أنواع أخرى من الإدمان. كان تعاطيه للكوكايين من أكبرها. لقد أنفق جميع أرباحه في سوق العملات المشفَّرة أو على تعاطي الكوكايين الشره. شعر وكأنَّه يستطيع تبديل العادات.
يقول إلفينستون: “كنت مدمناً على الكوكايين، وأُدمن القمار… إذا لم يكن لدي الكوكايين، كنت سعيداً إلى حد ما بالمقامرة”.
يضيف: “أنت دائماً تطارد النشوة التالية، ولن تكون راضياً أبداً بالنشوة التالية”.
الوقوع فريسة للديون
لقد وصل إلى القاع بعد أن أدرك في أعماقه أنَّه ربما لم يكن يريد حقاً أن يكون ثرياً في النهاية. كان يتداول صعوداً ربما من ألف جنيه إسترليني (1353 دولاراً) إلى 100 ألف جنيه إسترليني، ثم يخسر كل شيء. ثم يغرق في الديون، ويغضب ويشعر بالاستياء، ويرى النمط يعيد نفسه مراراً وتكراراً.
في “كاسل كرج”، تمتلئ أيامه بالقراءة والمحاضرات وحتى فن الطباعة، الذي من المفترض أن يولّد إحساساً بالروتين. تضمَّن جزء علاجه التحدث إلى وسائل الإعلام، بما في ذلك “بلومبرج نيوز”، حول تجاربه. وهو ما يزال يحملق في رسوم “بتكوين” البيانية.
يقول إلفينستون: “أنا في حداد… يبدو الأمر كما لو كان لدي هذا الشعور الساحق بأنَّني فقدت أكثر صديق مميّز عرفته في حياتي”.
بالعودة إلى مانيلا، يقول ستيفي روخاس، إنَّه وجد القوة في إيمانه. بعد أن ترك كرسي الاعتراف؛ توقف عن التداول بشكل فوري، وباع كل عملاته المشفَّرة، وقام بمسح جميع تطبيقاته.
وفي هذه المرة فقط؛ عاد إلى “ريديت” إلى منتدى يسخر المشاركون فيه من العملات المشفَّرة بدلاً من الترويج لها.
يقول روخاس: “إنَّه مثل أي إدمان آخر… يمكن أن يدمّر حياتك إذا لم تعالجه.”