لا صوت يعلو على صوت الإصلاح!، هذا هو الشعار الذى بات يصم أذاننا من الخليج إلى المحيط،
الجميع يتحدث عن الإصلاح.. رجل الشارع العادى المثقف المسئول والحكومات والأنظمة، كل القوى السياسية هرولت لطرح مبادراتها لمجابهة المبادرات الخارجية والداخلية الأخرى على حد سواء، حتى الجماعات الدينية لم تسلم من الموجة، فسارعت إلى قذف مبادراتها الديمقراطية ! وكما نرى فإن للمبادرة فى وطننا العربى أربع سمات أيا كان من يطلقها أو يحتمى خلفها.
فلابد أولا : أن تكون إصلاحية، وثانيا : دميقراطية، وثالثا: استبدالية، بمعنى أنها ينبغى وبالضرورة أن تستبعد أو تحل محل مبادرة الآخر . أما الرابعة: فهي تتعلق بالخصوصية، أي حتمية أن ترتكز، -المبادرة أو الاصلاح لايهم- ، على القيم والعادات والتقاليد والثقافة والثوابت الوطنية!
وهى سمات وإن كانت حلوة الجرس براقة الشكل، إلا أن محصلة الجمع الجبرى لها تؤول إلى الصفر الصحيح،
فلا أحد يخبرك على سبيل المثال عن علاقة الثقافة والقيم الوطنية بالديمقراطية، كى تصلح أن تكون هذه الثقافة مرتكزا لها؟ وإذا صحت هذه العلاقة الحميمية، فلماذا لم تتحق إذن الديمقراطية حتى الأن ؟ ولماذا من الأصل نحتاج إلى الإصلاح؟
ثم كيف يدعى البعض أنهم يؤمنون بالتعددية وحرية الاعتقاد والرأى والتعبير، وهم لا يألون جهداً – ولا يغمض لهم جفن – فى وصف أصحاب العديد من المبادرات أو الأفكار الأخرى – إن وجدت – بالعمالة للغرب، والتى فيما يبدو أنها أصبحت الصيحة الأحدث فى الاستبعاد مع توارى صيحة التكفير ليس بحكم المراجعة الفكرية – لا سمح الله – وإنما اتقاء لشر الوقوع فى شرك التصنيف فى خانة الإرهاب، وكلنا يعلم العاقبة فى هذه الحالة.
ويبدو جليا أن «المبادرين» على قناعة هيستيرية، فحواها أن «المبادرة» ليست وسيلة إلى غاية الإصلاح، وإنما للمراوغة والهروب من الإصلاح المفروض قسراً من الخارج.
إلا أن العقدة والمشكلة فى أن واحد، تكمنان فى محدودية القدرة على المناورة، بحلول توفيقية، طالما أنشدها الكثيرون على مدار سنوات القرن الماضى، كالجمع بين الأصالة والمعاصرة، والتراث والحداثة، واختيار ما يلائمنا من الجديد والقديم معا.
باختصار .. لقد باتت قيم المدنية الحديثة لا تحتمل الكثير من التأويل بكل ما يترتب عليها من تفاصيل سياسية واجتماعية وتشريعية وحتى اقتصادية.
كما لم تعد التنازلات السياسية على مستوى العلاقات الخارجية، بل وأحيانا على مستوى سيادة الدول والحكومات على إقليمها المحدد، كافية لمنع أو لوضع حد للضغوط الخارجية لإنجاز علمية الإصلاح.
ولتطلق على ذلك ما تشاء من أوصاف : إمبريالية، أصولية جديدة، غطرسة سياسية ، حملة صليبية.. سمها كما تشاء، ولكن أيا كان المسمى الذى تحبذه، فإنه لن يكون بمقدروك، أن تنجو منها، باستخدامك لتكتيك المبادرات التوفيقية بليغة الألفاظ.
حازم شريف
9:54 ص, الأحد, 7 مارس 04
End of current post