المبادرات ‭ ‬‮«‬التوفيقية‮»‬

المبادرات ‭  ‬‮«‬التوفيقية‮»‬
حازم شريف

حازم شريف

9:54 ص, الأحد, 7 مارس 04

لا‭ ‬صوت‭ ‬يعلو‭ ‬على‭ ‬صوت‭ ‬الإصلاح‭!‬، هذا‭ ‬هو‭ ‬الشعار‭ ‬الذى‭ ‬بات‭ ‬يصم‭ ‬أذاننا‭ ‬من‭ ‬الخليج‭ ‬إلى‭ ‬المحيط،‬
الجميع‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬الإصلاح‭.. ‬رجل‭ ‬الشارع‭ ‬العادى‭ ‬المثقف‭ ‬المسئول‭ ‬والحكومات‭ ‬والأنظمة، كل‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬هرولت‭ ‬لطرح‭ ‬مبادراتها‭ ‬لمجابهة‭ ‬المبادرات‭ ‬الخارجية‭ ‬والداخلية‭ ‬الأخرى‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء، حتى‭ ‬الجماعات‭ ‬الدينية‭ ‬لم‭ ‬تسلم‭ ‬من‭ ‬الموجة،‭ ‬فسارعت‭ ‬إلى‭ ‬قذف‭ ‬مبادراتها‭ ‬الديمقراطية‭ ! ‬وكما‭ ‬نرى‭ ‬فإن‭ ‬للمبادرة‭ ‬فى‭ ‬وطننا‭ ‬العربى‭ ‬أربع‭ ‬سمات‭ ‬أيا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬يطلقها‭ ‬أو‭ ‬يحتمى‭ ‬خلفها‭.‬
فلابد‭ ‬أولا‭ : ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬إصلاحية،‭ ‬وثانيا‭ : ‬دميقراطية،‭ ‬وثالثا‭: ‬استبدالية،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنها‭ ‬ينبغى‭ ‬وبالضرورة‭ ‬أن‭ ‬تستبعد‭ ‬أو‭ ‬تحل‭ ‬محل‭ ‬مبادرة‭ ‬الآخر‭ ‬‭. ‬أما‭ ‬الرابعة: فهي تتعلق بالخصوصية، أي حتمية أن ترتكز، -المبادرة أو الاصلاح لايهم- ‭ ،‭ ‬‬على‭ ‬القيم‭ ‬والعادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬والثقافة‭ ‬والثوابت‭ ‬الوطنية‭!‬
وهى‭ ‬سمات‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬حلوة‭ ‬الجرس‭ ‬براقة‭ ‬الشكل،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬محصلة‭ ‬الجمع‭ ‬الجبرى‭ ‬لها‭ ‬تؤول‭ ‬إلى‭ ‬الصفر‭ ‬الصحيح‭،
فلا‭ ‬أحد‭ ‬يخبرك‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬عن‭ ‬علاقة‭ ‬الثقافة‭ ‬والقيم‭ ‬الوطنية‭ ‬بالديمقراطية،‭ ‬كى‭ ‬تصلح‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬مرتكزا‭ ‬لها؟‭ ‬وإذا‭ ‬صحت‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬الحميمية،‭ ‬فلماذا‭ ‬لم‭ ‬تتحق‭ ‬إذن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬حتى‭ ‬الأن‭ ‬؟‭ ‬ولماذا‭ ‬من‭ ‬الأصل‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الإصلاح؟
ثم‭ ‬كيف‭ ‬يدعى‭ ‬البعض‭ ‬أنهم‭ ‬يؤمنون‭ ‬بالتعددية‭ ‬وحرية‭ ‬الاعتقاد‭ ‬والرأى‭ ‬والتعبير،‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬يألون‭ ‬جهداً‭ – ‬ولا‭ ‬يغمض‭ ‬لهم‭ ‬جفن‭ – ‬فى‭ ‬وصف‭ ‬أصحاب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭ ‬أو‭ ‬الأفكار‭ ‬الأخرى‭ – ‬إن‭ ‬وجدت‭ – ‬بالعمالة‭ ‬للغرب،‭ ‬والتى‭ ‬فيما‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬أصبحت‭ ‬الصيحة‭ ‬الأحدث‭ ‬فى‭ ‬الاستبعاد‭ ‬مع‭ ‬توارى‭ ‬صيحة‭ ‬التكفير‭ ‬ليس‭ ‬بحكم‭ ‬المراجعة‭ ‬الفكرية‭ – ‬لا‭ ‬سمح‭ ‬الله‭ – ‬وإنما‭ ‬اتقاء‭ ‬لشر‭ ‬الوقوع‭ ‬فى‭ ‬شرك‭ ‬التصنيف‭ ‬فى‭ ‬خانة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وكلنا‭ ‬يعلم‭ ‬العاقبة‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭.‬
ويبدو‭ ‬جليا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬المبادرين‮»‬‭ ‬على‭ ‬قناعة‭ ‬هيستيرية،‭ ‬فحواها‭ ‬أن‭ ‬‮«‬المبادرة‮»‬‭ ‬ليست‭ ‬وسيلة‭ ‬إلى‭ ‬غاية‭ ‬الإصلاح،‭ ‬وإنما‭ ‬للمراوغة‭ ‬والهروب‭ ‬من‭ ‬الإصلاح‭ ‬المفروض‭ ‬قسراً‭ ‬من‭ ‬الخارج‭.‬
إلا‭ ‬أن‭ ‬العقدة‭ ‬والمشكلة‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬واحد،‭ ‬تكمنان‭ ‬فى‭ ‬محدودية‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬المناورة،‭ ‬بحلول‭ ‬توفيقية،‭ ‬طالما‭ ‬أنشدها‭ ‬الكثيرون‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬سنوات‭ ‬القرن‭ ‬الماضى،‭ ‬كالجمع‭ ‬بين‭ ‬الأصالة‭ ‬والمعاصرة، ‭ ‬والتراث‭ ‬والحداثة، ‭ ‬واختيار‭ ‬ما‭ ‬يلائمنا‭ ‬من‭ ‬الجديد‭ ‬والقديم‭ ‬معا‭.‬
باختصار‭ .. ‬لقد‭ ‬باتت‭ ‬قيم‭ ‬المدنية‭ ‬الحديثة‭ ‬لا‭ ‬تحتمل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التأويل‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يترتب‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬تفاصيل‭ ‬سياسية‭ ‬واجتماعية‭ ‬وتشريعية‭ ‬وحتى‭ ‬اقتصادية‭.‬
كما‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬التنازلات‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العلاقات‭ ‬الخارجية،‭ ‬بل‭ ‬وأحيانا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬سيادة‭ ‬الدول‭ ‬والحكومات‭ ‬على‭ ‬إقليمها‭ ‬المحدد،‭ ‬كافية‭ ‬لمنع‭ ‬أو‭ ‬لوضع‭ ‬حد‭ ‬للضغوط‭ ‬الخارجية‭ ‬لإنجاز‭ ‬علمية‭ ‬الإصلاح‭.‬
ولتطلق‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬تشاء‭ ‬من‭ ‬أوصاف‭ : ‬إمبريالية،‭ ‬أصولية‭ ‬جديدة،‭ ‬غطرسة‭ ‬سياسية‭ ‬،‭ ‬حملة‭ ‬صليبية‭.. ‬سمها‭ ‬كما‭ ‬تشاء، ‭ ‬ولكن‭ ‬أيا‭ ‬كان‭ ‬المسمى‭ ‬الذى‭ ‬تحبذه،‭ ‬فإنه‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬بمقدروك،‭ ‬أن‭ ‬تنجو‭ ‬منها، باستخدامك‭ ‬لتكتيك‭ ‬المبادرات‭ ‬التوفيقية‭ ‬بليغة‭ ‬الألفاظ‭.