الليلة الكبيرة!

الليلة الكبيرة!
محمد بكري

محمد بكري

7:38 ص, الأثنين, 24 مايو 21

استخدم العملاق صلاح جاهين مسرح العرائس، لصورة فنية كاملة بأوبريت «الليلة الكبيرة» تلحين الرائع سيد مكاوي، فاستعرض من خلال 13 شخصية ليلة كاملة من ليالى الموالد الشعبية، حول فيها الواقع لرموز، فبقيت الليلة الكبيرة حية منذ ميلادها فى مايو 1961 وحتى الغد!

بقليل من التأمل، لاحظت أن سنة 2021 هى الليلة الكبيرة لأحداث عالمية وليس فقط مصرية!

أصبحت خطط فيروس كورونا ولقاحاته وتداعياته (قبة سيدنا الولي)، التى تزار وتنور ويعلوها بيارق النجدة والإنقاذ والثروة أيضا، والكل يحاول أخذ (صورة ستة فى تسعة)! العالم لم يعد كما كان قبل كورونا، ليس على مستوى صحة البشر فقط ولكن مستوى تعدادهم أيضا (الليلة الكبيرة ياعمى والعالم كتيرة ماليين الشوادر من الريف للبنادر). الليلة الكبيرة تضمنت فوز بايدن فى انتخابات أمريكا وعودة الديموقراطيين للحكم بخيوط جديدة، بدأت لفحاتها فى الظهور بالمنطقة، وفى النهاية ستكون (دى وصفة هايلة ومع السلامة يا أبو عمة مايلة).

الليلة؛ شملت أحداث اللقاحات الجديدة فى الهند والصين وروسيا وأمريكا وتجارة الكمامات والمنظفات ومستفيدى العزل الطبى وشبكات التجارة الإلكترونية والتعليم عن بعد إلخ و..(فتح عينك تاكل ملبن)! أما السيرك الحقيقى فهو منصوب فعلا فى مواقع الربيع العربى القديم! مع تغيير الورق والأدوار بالنسبة لتركيا وإيران، خاصة الخليج العربي، لتبقى مصر علامة استفهام كبيرة جدا فى وسط هذا السيرك! فرغم كل الأحداث والتوترات والمؤامرات الدولية المحيطة، فمصر وحدها ملك السيرك وآسرة جمهوره. تبنت مصر رؤية طويلة المدى تكسب بها الحرب الأخيرة، ولا مانع من بعض المعارك والمناوشات، التى برعت فيها بتطوير جديد لفن الردع لتضم مع الردع العسكري، الردع التنموى والسياسي، ليطل الردع البشري/الشعبى بثقله عند اللزوم (أول ما أقول هلى هوب وأصرخ لى صرخة، السبع يتكهرب ويبقى فرخة)! فتسعى تركيا لرأب الصدع وتضحى بفضائيات الإخوان، وتفرض مصر شروطا تأمن بها مكاسبها فى الغاز.

انضم لليلة الكبيرة، تصعيد أزمة سد النهضة وكمية الضغوط السياسية والشعبية لمواجهة الملء الثاني، مع تزامن أحداث غزة مايو 2021! شقى رحى وبداخلهما اقتصاد ينمو بصعوبة وتنمية مستمرة مرهقة وبقايا إخوان وإعلام مشتت وشعب بثُمن وعي، ومع ذلك ينجح تدخل الإدارة المصرية بوقف ضرب النار بدون تورطها عسكريا، وتكسب احترام أمريكا، وتحجم النفوذ التركى والإيرانى بالمنطقة، وتفرض إعمار غزة بالشركات المصرية، وتخلق أسواقا جديدة للعامل المصري.

هذا التحرك الذكى البطيء المموه، المستخدم لفن الردع وتذويب جلطات الأزمات المفتعلة ووقود الحرب.. يجعلها (حالا بالا سأصارع أسد إنما إيه متوحش، وهخلى وجهه شوارع تصفيقة يا ناس ميصحش)! مقطع مصور من الليلة الكبيرة يجعلنا ندرك أن الأسد المتوحش ليس بدولة أو دول! ولكنه أسد التربص بمصر الفرعونية، التى إن نهضت لم تقعد إلا والدنيا رهن قرارها. فن الضربات الاستباقية فى سياسة الردع يحتاج تمهيدا ودعما وتنسيقا وتأطيرا، فلا عودة للرصاصة المنطلقة. وقرار ضرب السد إعلان حرب غير مباشرة ضد كل ذيول السد وغربانه! الفكرة فى مفهوم استعدادك لصراع الأسد المتوحش وقدرتك تخلى وجهه شوارع! كى يكون الوضع (أهو جه أهو جه، تصفيقة بقه).

مازلت أؤمن بأن درس مفاوضات وردع سد النهضة سيكون من الدروس التاريخية، وستثبت الأيام ذلك! نتائج السد الكارثية على السودان ومصر، واحتمالات اختفاء التاريخ تحت جبروت الجغرافيا، ستحول البشر لمعجزات أرضية تنقذ الموقف، ليطل المشهد على طفل السد (يا عريس يا صغير علقة تفوت ولا حد يموت، لابس ومغير وحتشرب مرقة كتكوت)!

سد النهضة وضغوط وأحابيل غزة وجورة سيناء وموات الإخوان وتشققات ليبيا وتحالفات الخليج، ومآسى كورونا وفوران العالم، جعلتنا رهائن الشاشات بنظام (سمعنا يا ريس حنتيرة، للصبح معاك السهّيرة)، مجرد سهّيرة بلمز وغمز وانتقاد ونقد من (بلياتشو تعالوا شوفوا ناتشو، وشوفوا هيعمل إيه قولوا هيه)! ليموج الجميع فى ظاهر الأحداث، بعيدا عن كواليس الحقيقة، بعيدا عن صمت التدبر والتصعيد المدروس وحرفة أخذ الحق، ليكونوا (طراطير يا واد طراطير)!

المرحلة القادمة لمصر ستكون حاسمة بمنطق (فيه ناس هنا قاعدة كتيرة، ولا حد قال هات تعميرة ولا واحد شاي، اللى هيطلب راح يقعد واللى ميطلبش يبعد) فيقول المتطفلون (يلا بينا نخرج يا مسعد شارع التورماي).

الحلقة تضيق على المتنطعين والفشلة والمتطفلين ومدعى المواهب! ولعبة الكراسى الموسيقية ستضبط على إيقاع المارشات العسكرية لمن يتقن فن القنص، ومن يتمادى فى التنطع و»البلشته» سيخرج قريبا جدا لشارع التورماي!

فالليلة الكبيرة قاربت الانتصاف، وستبدأ شمس يوم جديد فى الشروق! لأكون (صحونى من النوم .. خدت بعضى وتنى جى .. وبعودة وبعودة) !

* محامى وكاتب مصرى

bakriway@gmail.com