الله‭ ‬‮«‬يمسّيهم‮»‬‭ ‬بالخير‭!‬

الله‭ ‬‮«‬يمسّيهم‮»‬‭ ‬بالخير‭!‬
حازم شريف

حازم شريف

11:08 ص, الأحد, 10 يوليو 05

لم‭ ‬أكن‭ ‬أتخيل،‭ ‬أنه‭ ‬سيأتي‭ ‬اليوم،‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يترحم‭ ‬فيه‭ ‬الكثيرون -‬مخلصين‭ ‬وليس‭ ‬منافقين- ‬على‭ ‬حال‭ ‬المؤسسات‭ ‬والصحف‭ ‬القومية،‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬سمير‭ ‬رجب‭ ‬وجلال‭ ‬دويدار‭ ‬ومحمد‭ ‬عبدالمنعم‭.

‬ نعم‭ ‬تصورت‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ذلك،‭ ‬حال‭ ‬بعض‭ ‬المنافقين‭ ‬والمستفيدين‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬المصالح،‭ ‬لكن‭ ‬أن‭ ‬يتبلور‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬عام -هذا‭ ‬مجرد‭ ‬توقع‭ ‬افتراضى-، ‬فذلك‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يدر‭ ‬بخلدي‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد.

‬ أصل‭ ‬الحكاية،‭ ‬أنه‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬كنت‭ ‬طالبا‭ ‬في‭ ‬الجامعة،‭ ‬وأنا‭ ‬أستمع‭ ‬وأقرأ‭ ‬لمئات‭ ‬الأصوات،‭ ‬المطالبة‭ ‬بتغيير‭ ‬قيادات‭ ‬المؤسسات‭ ‬الصحفية،‭ ‬لم‭ ‬تلبث‭ ‬أن‭ ‬تعالت‭ ‬حدتها‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬بعدما‭ ‬ضربت‭ ‬هذه‭ ‬القيادات‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬بقائها‭ ‬على‭ ‬مقاعدها‭ ‬كافة‭ ‬الأرقام‭ ‬القياسية‭ ‬المحلية‭ ‬والدولية،‭ ‬بل‭ ‬تجاوزت‭ ‬حتى‭ ‬شرعيتها‭ ‬القانونية،‭ ‬إثر‭ ‬تعديها‭ ‬سن‭ ‬الخامسة‭ ‬والستين‭.‬

ومع‭ ‬استمرار‭ ‬الضجيج‭ ‬المثار‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬القضية،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬المرتبطة‭ ‬بعملية‭ ‬الإصلاح‭ ‬السياسي‭ ‬ومسألة‭ ‬التحول‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬تطورت‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بلغت‭ ‬مرحلة‭ ‬الذروة‭ ‬الدرامية،‭ ‬بصدور‭ ‬قرار‭ ‬التغيير‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي،‭ ‬وتولي‭ ‬قيادات‭ ‬جديدة‭ ‬محل‭ ‬القيادات‭ ‬‮«‬التاريخية‮»‬ -‬بحكم‭ ‬طول‭ ‬مدة‭ ‬حكمهم‭ ‬وليس‭ ‬لأهميتهم‭ ‬التاريخية- ‬للصحف‭ ‬القومية‭.

‬ والواقع‭ ‬أن‭ ‬المتابع‭ ‬لما‭ ‬تنشره‭ ‬هذه‭ ‬الصحف‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬وما‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬كواليسها،‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬بمقدوره‭ ‬أن‭ ‬يتجنب‭ ‬إصابته‭ ‬بمشاعر‭ ‬الإحباط.

‭ ‬فتراكم‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬التغيير‭ ‬والمطالبة‭ ‬به،‭ ‬تفتقت‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬الكثيرين ‬-وربما‭ ‬أكون‭ ‬واحدا‭ ‬منهم-، ‬تصورا‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬اليقين،‭ ‬بأن‭ ‬تغيير‭ ‬القيادات،‭ ‬يمثل‭ ‬الحل‭ ‬السحرى‭ ‬لحل‭ ‬مشكلات‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬والإدارية،‭ ‬وتطويرها‭ ‬تحريريا،‭ ‬وانتشالها‭ ‬مهنيا‭ ‬من‭ ‬سباتها‭ ‬العميق.

‬بل‭ ‬وربما‭ ‬ذهب‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬اعتبار‭ ‬التغيير،‭ ‬بمثابة‭ ‬بداية‭ ‬حقيقية‭ ‬لنقلة‭ ‬نوعية،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لهذه‭ ‬المؤسسات،‭ ‬وإنما‭ ‬للصحافة‭ ‬المصرية‭ ‬ككل.

‭ ‬ذلك‭ ‬ان‭ ‬ضخ‭ ‬دماء‭ ‬جديدة،‭ ‬أياً‭ ‬كان‭ ‬لونها‭ ‬أو‭ ‬خفتها‭ ‬أو‭ ‬ثقلها،‭ ‬كفيل‭ ‬بتخليق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الحيوية‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬الصحفي‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬العموم‭.‬

فماذا‭ ‬حدث؟.

لا‭ ‬شيء، ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬نفس‭ ‬الموضوعات‭ ‬والأخبار‭ ‬يتم‭ ‬ترتيبها‭ ‬بنفس‭ ‬درجة‭ ‬الأهمية،‭ ‬نفس‭ ‬الصفحات‭ ‬‮«‬المتنكرة‮»‬،‭ ‬تنشر‭ ‬فى‭ ‬نفس‭ ‬المكان،‭ ‬وبنفس‭ ‬البنط،‭ ‬وبنفس‭ ‬الأسلوب،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الاتجاه‭.‬

رؤساء‭ ‬التحرير‭ ‬الجدد‭ ‬مشتتون،‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬مشاعر‭ ‬الخضة‭ ‬وعدم‭ ‬التصديق،‭ ‬عاجزون‭ ‬عن‭ ‬الحركة،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعضهم‭ ‬قد‭ ‬عجز‭ ‬أصلا‭ ‬عن‭ ‬دخول‭ ‬مكتبه‭ ‬الجديد،‭ ‬سواء‭ ‬لرفض‭ ‬القيادة‭ ‬التاريخية‭ ‬المغادرة،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬مجلة‭ ‬أكتوبر‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال.

‬أو‭ ‬لرفضهم‭ ‬هم‭- ‬القيادات‭ ‬الجديدة- ‬دخوله،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬أسامة‭ ‬سرايا‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير‭ ‬جريدة‭ ‬الأهرام‭ ‬الجديد،‭ ‬الذي‭ ‬أبى‭ ‬أن‭ ‬يغادر‭ ‬إبراهيم‭ ‬نافع‭ ‬‮«‬القيادة‭ ‬التاريخية‮»‬‭ ‬مكتبه،‭ ‬القابع‭ ‬به‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬وعشرين‭ ‬عاما‭.‬

أما‭ ‬من‭ ‬تحرك‭ ‬منهم،‭ ‬وفتح‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬بعمود‭ ‬أو‭ ‬مقالة،‭ ‬فيا‭ ‬ليته‭ ‬لم‭ ‬يفعل،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬قد‭ ‬فاجأونا‭ ‬بمقالات،‭ ‬سعوا‭ ‬بها‭ ‬لمحاكاة‭ ‬من‭ ‬سبقوهم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء.

‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الريادة،‭ ‬ودور‭ ‬مصر،‭ ‬واستهداف‭ ‬مصر‭ ‬بسبب‭ ‬هذا‭ ‬الدور،‭ ‬ومحاولة‭ ‬التقرب‭ ‬والتزلف‭ ‬إلى‭ ‬القيادة‭ ‬السياسية،‭ ‬لدرجة‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تلحظ‭ ‬بسهولة‭ ‬أي‭ ‬تغيير،‭ ‬اللهم‭ ‬سوى‭ ‬استبدال‭ ‬اسم‭ ‬رئيس‭ ‬التحرير‭ ‬القديم‭ ‬برئيس‭ ‬التحرير‭ ‬الجديد،‭ ‬وزيادة‭ ‬درجة‭ ‬الابتذال،‭ ‬ربما‭ ‬لأن‭ ‬الوافد‭ ‬الجديد،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬حديث‭ ‬العهد‭ ‬بـ«الكار‮».

‬ إن‭ ‬فرط‭ ‬الحماس‭ ‬لقرار‭ ‬التغيير،‭ ‬قد‭ ‬جعل‭ ‬الكثير‭ ‬منا،‭ ‬يغفل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬الموضوعية،‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬منه‭ ‬حبرا‭ ‬على‭ ‬ورق،‭ ‬تغييرا‭ ‬في‭ ‬الأشخاص،‭ ‬وليس‭ ‬فى‭ ‬المضمون،‭ ‬ومجرد‭ ‬إحلال‭ ‬لنسخ‭ ‬مقلدة،‭ ‬للوحات‭ ‬بالغة‭ ‬الرداءة.

‬ منها‭ ‬مثلا‭ ‬أن‭ ‬القيادات‭ ‬الجديدة،‭ ‬قد‭ ‬أمضت‭ ‬عمرها‭ ‬المهني‭ ‬كله‭ ‬أو‭ ‬أغلبه،‭ ‬تحت‭ ‬رئاسة‭ ‬القيادات‭ ‬القديمة،‭ ‬فلم‭ ‬تعرف‭ ‬سواها،‭ ‬كيف‭ ‬تكتب،‭ ‬أو‭ ‬كيف‭ ‬يكتب‭ ‬لها،‭ ‬كيف‭ ‬تتحرك،‭ ‬كيف‭ ‬تتزلف،‭ ‬كيف‭ ‬تتنافس‭ ‬على‭ ‬الصعود،‭ ‬وبأي‭ ‬وسائل،‭ ‬ووفقا‭ ‬لأي‭ ‬ميكانيزمات.

‬ وطوال‭ ‬هذا‭ ‬العمر،‭ ‬تعلمت‭ ‬جيدا‭ ‬هذه‭ ‬القيادات،‭ ‬أن‭ ‬معيار‭ ‬الكفاءة‭ ‬المهنية‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بالحراك‭ ‬داخل‭ ‬المؤسسة،‭ ‬ويكفي‭ ‬إلقاء‭ ‬نظرة‭ ‬عابرة‭ ‬على‭ ‬الأسماء‭ ‬المتواترة‭ ‬على‭ ‬قيادة‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الأربعين‭ ‬عاما‭ ‬الأخيرة،‭ ‬للتدليل‭ ‬على‭ ‬ذلك.

‭ ‬فمن‭ ‬جيل‭ ‬هيكل‭ ‬وأحمد‭ ‬بهاء‭ ‬الدين‭ ‬ومصطفى‭ ‬وعلى‭ ‬أمين‭ ‬انتقلت‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬إلى‭ ‬قيادة‭ ‬موسى‭ ‬صبرى‭ ‬وسعيد‭ ‬سنبل‭ ‬ومحسن‭ ‬محمد، ‬لتنتهي‭ ‬إلى‭ ‬الأيادى‭ ‬البيضاء‭ ‬للقيادات‭ ‬التاريخية‭ ‬الراحلة‭.

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬أيضا،‭ ‬ليس‭ ‬غريبا‭ ‬أن‭ ‬نلاحظ‭ ‬اختفاء‭ ‬ظاهرة‭ ‬تباهي‭ ‬الصحفيين،‭ ‬بالانتماء‭ ‬لمدرسة‭ ‬الأستاذ‭ ‬هيكل‭ ‬أو‭ ‬مصطفى‭ ‬أمين‭ ‬أو‭ ‬بهاء‭ ‬الدين‭ ‬الصحفية.

‬فى‭ ‬مقابل‭ ‬تنامي‭ ‬ظاهرة‭ ‬أخرى،‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬الانتماء‭ ‬لشلة‭ ‬سمير‭ ‬رجب‭ ‬أو‭ ‬إبراهيم‭ ‬نافع‭ ‬أو‭ ‬رجب‭ ‬البنا،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬المعيار‭ ‬هنا،‭ ‬هو‭ ‬الولاء‭ ‬لشخص‭ ‬الرئيس‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬المصالح،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬التأثر‭ ‬به‭ ‬ككاريزما‭ ‬صحفية‭.

وأخشى‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬متشائماً‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬هذا‭ ‬التغيير، ‬خاصة‭ ‬وأنه‭ ‬قد‭ ‬صاحبه‭ ‬احتفاظ‭ ‬القيادات‭ ‬القديمة‭ ‬بنفوذها -‬حتى‭ ‬الآن-، ‬داخل‭ ‬مؤسساتها،‭ ‬وداخل‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للصحافة.

‬الأمر‭ ‬الذى‭ ‬ينذر -‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري-، ‬باستمرار‭ ‬حالة‭ ‬التدهور‭ ‬في‭ ‬المؤسسات،‭ ‬وفي‭ ‬البيئة‭ ‬التشريعية‭ ‬والتنظيمية‭ ‬المحيطة‭ ‬بصناعة‭ ‬الصحافة‭ ‬ككل.

‬ كذلك‭ ‬أيضا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يخفى‭ ‬عن‭ ‬القارئ،‭ ‬وغير‭ ‬القارئ،‭ ‬أن‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬القيادات‭ ‬القديمة،‭ ‬قد‭ ‬دأبت‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية‭ ‬على‭ ‬تحريض‭ ‬وتأليب‭ ‬الحكومة‭ ‬والمجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للصحافة‭ ‬ونقابة‭ ‬الصحفيين‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الصحف‭ ‬المستقلة‭ ‬والمعارضة‭ ‬بغرض‭ ‬إرهابها‭ ‬وإسكاتها.

وأعترف‭ ‬أن‭ ‬الخوف‭ ‬قد‭ ‬بلغ‭ ‬بى‭ ‬مداه،‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬أنني‭ ‬قد‭ ‬أخشى‭ ‬من‭ ‬يوم،‭ ‬قد‭ ‬يأتي‭ ‬قريبا،‭ ‬أجد‭ ‬نفسي‭ ‬فيه،‭ ‬أتذكر‭ ‬بكل‭ ‬احترام‭ ‬وتقدير‭ ‬ومودة‭ ‬صادقة‭ ‬جيل‭ ‬القيادات‭ ‬الصحفية‭ ‬المنصرم، وأهتف‭ ‬من‭ ‬أعماقي‭ ‬صارخا‭: ‬الله‭ ‬يمسيك‭ ‬بالخيرة‭ ‬يا‭ ‬سمير‭ ‬يارجب!.‭‬